شهدت مختلف المخيمات الفلسطينية في لبنان مسيرات احتجاج واعتصامات تضامنية في ظل إضراب عام شهدته المخيمات تضامناً مع «المحاصرين في قطاع غزة واستنكاراً للحصار الظالم والإرهابي».ومن عين الحلوة كتب مراسل «الأخبار» خالد الغربي: «حاكمك ظالمك، إلى من تشكوه؟»... وقبل أن يأتي الجواب المعتاد (إلى الله) تطرح صاحبة السؤال سؤالاً آخر. «وإذا كان الظالم من ذوي القربى ويحكم باسم الله والإسلام فكيف تصبح الشكوى؟». هذا لسان حال أم محمد الرفاعي التي كانت تتشارك مع أترابها من النسوة الفلسطينيات في التحضير للاعتصام الذي شارك فيه مئات النساء والأطفال أمام مسجد خالد بن الوليد في مخيم عين الحلوة بدعوة من حركة حماس وقوى أخرى استنكاراً لما يجري في غزة في إطار تحركات للشارع الفلسطيني (المنقسم) في لبنان على وقع الجرائم الصهيونية في غزة، مع إضراب لم يكن عاماً واقتصر على مدارس الأونروا وبعض المحال التجارية.
النساء المتجمعات في الاعتصام رحن يهتفن بأعلى أصواتهن: «يا عرب وين العزة ذبحوا شعبي بغزة»، ويا «للعار غزة تحت الحصار»، ودعوات إلى الثأر «الانتقام الانتقام يا كتائب القسام». فيما خص المشاركون رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية بسيل من المديح: «ومن عين الحلوة تحية لأبو العبد هنية». وفي الاعتصام خرجت النسوة المنقبات عن صمتهن وتجاوزن مسألة عدم التحدث. «أم يحيى» كان صوتها من خلف نقابها مدوياً: «انقلوا... إذا كنا قد اعتدنا على خوف الحكام العرب وتواطؤهم فالذي لا نفهمه هو موقف الشعب العربي».
اللافتات المرفوعة تعبر عن الانزعاج من موقف «خير أمة أخرجت للناس» و«أين الضمير العربي وأين العروبة يا عرب والعروبة تغتصب» وأخرى تقول: «أهل غزة يستغيثون وأطفالها يستصرخون نخوة المعتصم فيكم يا مسلمون». وتسخر لافتة من مليارات الدولارات التي تصرف للتسلح في الخليج: «ما قيمة الجيوش العربية وسلاح الجو العربي؟ لمن توجه البنادق؟ إلى صدور الشعب؟».
ووسط الهتاف والصرخات يغفو طفل على حضن والدته فتشبه عائشة جلال غفوته كما تغفو الأمة العربية لكنه هو يحلم بينما العرب عاجزون حتى في المنام، مضيفة أن «العرب فوضوا أميركا وإسرائيل لطحن غزة مع شعبها، لكننا والله سنقاتل ونصمد».
أم إبراهيم دعت باسم المعتصمين الرئيس الفلسطيني أبو مازن إلى وقف التفاوض مع العدو والعودة إلى خيار الشعب في المقاومة، ودعت الأحزاب العربية بإسلامييها و«قومييها» و«يسارييها» إلى التوحد والانتفاض على عروش متآمرة.
وعلى الرغم مما يجري في غزة من دماء تسيل، فإن الاختلاف في الشارع الفلسطيني بدا واضحاً، حيث بدا الإضراب «دعسة ناقصة»، وبعض الشوارع كانت عادية. «ربما أحبوا أن يصموا آذانهم، أو ربما لم تصلهم المشاهد والدماء النازفة». يقول محمد الميعاري، داعياً كل الطيف الفلسطيني إلى التوحد «فالاحتلال لا يميز بين حمساوي وفتحاوي، كلنا في الاستهداف سواء».
ومن مخيّم البدّاوي كتب مراسل «الأخبار» عبد الكافي الصمد على وقع هتافات «يا فلسطيني أصمد أصمد قاوم قاوم»، و«الله أكبر يا عرب»، و«كلاشينكوف كلاشينكوف لا بنهاب ولا بنخاف»، و«يا نصر الله يا حبيب، أضرب دمّر تل أبيب»، خرج آلاف الفلسطينيين من مخيّم البدّاوي ونازحي مخيّم نهر البارد المقيمين فيه، في تظاهرة حاشدة ليل أول من أمس تضامناً مع أهالي قطاع غزّة المحاصرين، وهم يرفعون الأعلام الفلسطينية وصور الشّهداء. والشموع.
ورغم أنّ التظاهرة انطلقت عفوية بادئ الأمر، لكن سرعان ما التفّت حولها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل قوى التحالف الفلسطيني، حيث جابت شوارع المخيّم الداخلية وهي تردّد الأناشيد الفلسطينية الوطنية والثورية، لفترة امتدت إلى قرابة منتصف الليل، بقي خلالها قسم كبير من المتظاهرين في الشّوارع، وهم يتابعون بقلق كبير عبر المحطات الفضائية مجريات الأمور في القطاع.
وأمس، لبى الفلسطينيون في مخيمات البداوي وبرج الشمالي وشاتيلا والجليل (قرب بعلبك) الدعوة إلى الإضراب العام وتنظيم المسيرات والتجمعات الشعبية التي دعت إليها كل الفصائل، وأقفلت المدارس والمحال التجارية أبوابها، ورفعت الأعلام السوداء حداداً. وطالب المشاركون ب«فتح الحدود العربية لنصر أهلهم في فلسطين، إن لم تنصرهم الأنظمة العربية المتآمرة على القضية الفلسطينية في الشكل والمضمون». كذلك، أبقت الفصائل اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات في فلسطين وغزة.
وفي بيروت، نظمت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة «الجهاد الإسلامي» و«الحملة الأهلية لنصرة فلسطين والعراق»، مسيرة حاشدة من إمام مسجد الإمام علي بن أبي طالب في الطريق الجديدة، وتوجهت نحو مدافن شهداء صبرا وشاتيلا، في حضور شخصيات لبنانية وفلسطينية وممثلي هيئات وأحزاب وفصائل. وتحدث في المسيرة منسق الحملة الأهلية لنصرة فلسطين معن بشور باسم القوى الوطنية اللبنانية وأمين سر منظمة التحرير في بيروت العميد خالد العارف.
إلى ذلك صدرت عشرات المواقف المستنكرة والمتضامنة مع قطاع غزة، ودعا ممثل حماس في لبنان أسامة حمدان إلى تحرك عربي سريع لمواجهة الحصار المفروض على غزة. وتوقع حمدان تصاعد العدوان على غزة ما لم يواجه بموقف عربي وإسلامي ضاغط، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم وسيقاوم بكل ما أوتي من قوة.
أمين سر منطقة صيدا في حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية العميد منير المقدح قال إنه «في حال استمرار العدوان على غزة، فإن كل الخيارات متاحة ومفتوحة أمام المقاتلين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وإن أبلغ رد على العدوان هو الوحدة الفلسطينية والتمسك بخيار المقاومة». وأضاف: «تحركاتنا كانت بالأمس تظاهرات واعتصامات في المخيمات، واليوم إضراب شامل، ولدينا لقاءات عديدة حتى يوضع برنامج في كل المخيمات الفلسطينية وفي كل المناطق دعماً لأهلنا في غزة في هذه المحنة الصعبة وهذا يتطلب إلى وحدة موقف فلسطيني شامل في الداخل وفي الخارج لمواجهة هذا العدوان».
من جهته رأى الرئيس سليم الحص، في تصريح أمس: «إن ما تشهده ساحة غزة في فلسطين من فواجع إنسانية ينفذها المجرم الصهيوني، هو إهدار لكل القيم الإنسانية والحضارية التي يتشدق بها قادة العالم الغربي في اجترارهم الكلام عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان». وأضاف: «إن ارتكابات إسرائيل اليومية هي جرائم إبادة، لا ترحم طفلاً أو شيخاً أو امرأة، تحرم الإنسان في غزة من أبسط ضرورات الحياة، بما في ذلك الرغيف والدواء والماء والوقود في موسم البرد القارس. الحصار المفروض على غزة والمذبحة التي تنفذ فيها، لا تقرهما شرعة ولا أعراف ولا قوانين دولية».
وسأل الحص: «ما سر هذا السكوت الدولي المريب، لا بل الرهيب على هذه المأساة المتمادية؟ وما سر البلاد العربية في التحرك أو على الأقل في إطلاق الصوت عالياً في وجه الشرعية الدولية المتخاذلة وفي وجه مجتمع دولي متواطئ؟ الوضع لم يعد يحتمل واللاموقف العربي معيب ومخز وفاضح».
وفي صيدا تداعى علماء مدينة صيدا إلى اجتماع طارئ في دار الإفتاء الإسلامية في صيدا بدعوة من مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان. وصدر عن الاجتماع بيان حمل جملة من المطالب إلى المجتمع الدولي والزعماء العرب لفك الحصار عن غزة.
كما جال وفد من «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» برئاسة عضو المكتب السياسي علي فيصل على كل من الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حداده، وسفراء إيران، المغرب، اليمن، ماليزيا، القائم بأعمال السفارة الصينية والقائم بأعمال السفارة التونسية، وعرض معهم تطورات العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وخصوصاً قطاع غزة.
وتلقى نقيب المحررين، نائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب، ملحم كرم، بياناً من اتحاد الصحافيين العرب «يدين مجازر إسرائيل في غزة».
كما صدرت بيانات منددة ومتضامنة عن كل من: نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، حركة أمل، الحزب السوري القومي الاجتماعي،المؤتمر القومي العربي، النائب إسماعيل سكرية، حزب الحوار الوطني حركة الناصريين المستقلين «قوات المرابطون»، حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي وجمعية «المشاريع الخيرية الإسلامية».
ومساءً أقامت الجماعة الإسلامية اعتصاماً تخللته إضاءة شموع أمام مقر الأونيسكو في بئر حسن، ثم توجه المجتمعون إلى مقر الجامعة العربية في المتحف لدعوتها إلى تحمل مسؤولياتها والضغط لفك الحصار.
كما شهد مقهى «ة مربوطة» اجتماعاً تشاورياً ضم العديد من الوجوه الشبابية المستقلة وممثلين عن هيئات سياسية وأهلية، ونوقش خلال الاجتماع مختلف الطروحات المتعلقة بتحركات احتجاجية وتضامنية مع الشعب الفلسطيني في غزة وتقرر تأليف فريق عمل لبدء التحرك.
(الأخبار)