149; الجميّل يهاجم المعارضة ويشمئز من الحديث عن «أشلاء» جنود العدو
اختلط حابل التعريب بنابل التدويل، الإليزيه يتهم وعين التينة تردّ، أخبار غزة ضاغطة والإضراب على الأبواب، ورسائل الأمن مقلقة. عمرو موسى غادر مغلّفاً بالغموض، و«العزيز جيف» يطمئن الحلفاء إلى أنه سيتابع من واشنطن

هل كانت هناك محاولة لاغتيال الأمين العام للجامعة العربية خلال وجوده في لبنان؟ ما حقيقة وجود مساعٍ لعقد قمة عربية طارئة بحجة الوضع في غزة، للتشويش على قمة دمشق بعد تعذر الحل في لبنان؟ لماذا فتح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي النار على رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهل ذلك مقدمة لما أعلنه وزير خارجيته برنار كوشنير في السعودية بأن فشل المبادرة العربية سينقل الملف الرئاسي إلى الأمم المتحدة؟
أسئلة فرضتها تطورات الساعات الأخيرة التي حفلت بإضرابات ومسيرات غضب في المخيمات الفلسطينية في لبنان، استنكاراً لما يجري في غزة، وتحضيرات للإضراب العام في لبنان يوم الخميس المقبل تضامناً مع قطاعي النقل والمزارعين، فيما كان إحراق سيارة المدير المسؤول في جريدة «الأنباء» وقنبلة وطى المصيطبة، يفتحان باب القلق على الوضع الأمني عشية الذكرى الأولى لإضراب المعارضة وأحداث الجامعة العربية العام الماضي.

القمّة الطارئة ومحاولة اغتيال موسى؟!

ذكر مراسل «الأخبار» في القاهرة، أن مصادر قريبة من الجامعة العربية سرّبت «معلومة» عن محاولة اغتيال عمرو موسى أثناء زيارته أخيراً إلى بيروت، وتكتمت على التفاصيل، إلا أن المعنيّ أنكر الأمر، وقال إنها كانت مجرد سيارة اشتبه مرافقوه في أنها قد تكون مفخخة.
وقد أطلع موسى أمس الرئيس المصري حسني مبارك ووزير خارجيته أحمد أبو الغيط على مشاوراته في بيروت ودمشق. ونقل المتحدث باسم الخارجية المصرية عن أبي الغيط تأكيده «حرص مصر على إنهاء الأزمة اللبنانية بأسرع وقت ممكن، حتى لا يسبب الفراغ الرئاسي زيادة حالة الاحتقان والتوتر الداخلي، وأن مصر مستمرة في اتصالاتها لبنانياً وعربياً ودولياً بشأن الوضع في لبنان».
وفيما نقلت صحيفة «الأهرام» المصرية عن موسى قوله «إن استمرار الأزمة اللبنانية بدون حل سيؤثر سلباً على القمة العربية المقررة في دمشق خلال مارس المقبل»، وإن «الحل سيطرح إيجابيات كثيرة‏»، نقلت وكالة «يو بي آي» عن دبلوماسيين عرب أن دولاً عربية بدأت اتصالات للدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة في القاهرة، وبالتالي تأجيل قمة دمشق، وذكروا أن السعودية ومصر خصوصاً تريان أن القيادة السورية تحاول «الإيحاء بالتعاون بغية تمرير عقد القمة المقبلة لديها».
إلا أن مصادر عربية مطلعة استبعدت لـ«الأخبار» عقد قمة طارئة، عازية موقفها إلى أن الجامعة العربية «لم تتلق إلى الآن أي طلب رسمي لعقد» مثل هذه القمة، لافتة إلى أن عواصم عربية كثيرة لا تبدو متحمسة للتشويش على قمة دمشق.
وكان موسى قد أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الحالي لمجلس الجامعة، مندوب الجزائر عبد القادر حجار، أن التطورات في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق وغيرها تُناقَش على مستويات المندوبين أو الوزراء، انتظاراً لانعقاد قمة دمشق.
وفي اتصال مع بري، شدّد موسى على «ضرورة متابعة الحوار» في لبنان، وأنه «لا مجال للبنانيين للخلاص إلا بمتابعة حوارهم». كما تلقى بري اتصالاً من نظيره الكويتي جاسم الخرافي بشأن المبادرة العربية وضرورة استمرارها.
وأمس أبرق بري إلى ساركوزي، قائلاً إن كلامه على إقفاله للمجلس «لا يستقيم. فمن عمل للحوار والتوافق بين اللبنانيين منذ أكثر من عامين، ومن دعا إلى 14 جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية بدءاً من 25 أيلول 2007 لا يتهم بإقفال مجلس النواب، آملاً أن تعلم أيضاً أن لبنان يتمتع باستقلاله وسيادته».

هجوم الجميّل وردّ «حزب الله»

في هذا الوقت برز موقف شديد اللهجة للرئيس أمين الجميل بحقّ المعارضة وحزب الله خصوصاً، فاتهم الأولى بأنها «لا تريد الحل أو البحث في كل هذه التسويات»، بل «تغيير النظام في لبنان والانقلاب على الميثاق والطائف، والأخطر أننا لا نعرف ما هو النظام البديل».
كما اتهم «حزب الله» بأنه «يركّب مؤسسات بديلة من مؤسسات الدولة»، منتقداً أمينه العام السيد حسن نصر الله، بالقول: «رئاسة الجمهورية فارغة، مجلس النواب معطل والحكومة مبتورة، البلد يعيش في الفراغ، وهناك من يقترح التفاوض على أشلاء».
وإذ تحدث عن «وجود توجه واضح لدى الأمم المتحدة بنقل مقر الإسكوا من لبنان»، لم يستبعد التدويل قائلاً: «إذا شكلت الساحة اللبنانية خطراً على السلامة العامة والإقليمية، فلسنا مسؤولين عن أي تطور». كما لم يستبعد اللجوء إلى الانتخاب بالنصف زائداً واحداً، قائلاً: «كل الاحتمالات مطروحة».
كذلك لوّح النائب مصطفى علوش بإمكان اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، لإصدار قرار إلزامي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، منتقداً «الطريقة التي أعلن بها السيد نصر الله عن أشلاء الجنود الإسرائيليين»، مشيراً إلى أنها «قد تثير عاصفة جديدة وتحرض العدو الإسرائيلي على القيام باعتداء جديد».
إلا أن الوزير مروان حمادة، رفض اتهام الموالاة بالسعي إلى التدويل، وقال: «لن نذهب إلى الأمم المتحدة لانتخاب رئيس جمهورية لبنان»، متحدثاً عن «دعم دولي كي تأخذ المبادرة العربية كل الزخم الذي تحتاج إليه لفرض الحل العربي في لبنان، أي الحل اللبناني مئة في المئة».
ورداً على المواقف من خطاب نصر الله، قال النائب حسن فضل الله: «استفاقت المشاعر الدفينة دفعة واحدة كأنها نتاج مصدر وتعليمة واحدة، فجاءت صدى للاشمئزاز «الإسرائيلي» من العار الذي لحق بنخبة جيش العدو بعدما ترك أشلاء جنوده في أرض المعركة تحت أقدام المقاومين». كذلك رأى مسؤول العلاقات الدولية في الحزب نواف الموسوي، أن «ثمة تعليمة أميركية ـــــ إسرائيلية بإثارة غبار التصريحات بهدف نقل الأزمة الداخلية التي أخذت تشتعل في الكيان الصهيوني إلى لبنان».
ولاحقاً أوضح الجميل أن «الشعور بالاشمئزاز، مرده إلى استغرابنا للأوصاف والعبارات التي استعملها السيد نصر الله عن أشلاء تتصل برؤوس وأيد وأقدام بغض النظر عن مرمى الرسالة التي وجهها السيد نصر الله إلى العدو الإسرائيلي».
من جهته، توقف قائد الجيش العماد ميشال سليمان، أمام مطالبة قادة إسرائيليين باغتيال نصر الله، مشيراً إلى أن «المجاهرة بإطلاق التهديدات العلنية بتصفية رموز لبنانية سياسية مقاومة، يشكل تمادياً بتهديد لبنان ومحاولة مكشوفة لزعزعة أمنه واستقراره».
وعلى صعيد مقر الإسكوا، نفى الوزير المستقيل فوزي صلوخ أن يكون قرار نقله «موضع تداول»، مؤكداً أن مسؤولي المنظمة وموظفيها متمسكون بالبقاء في لبنان.

الحص: غابت الإرادة فتعطّلت التسوية

وتحت عنوان «غابت الإرادة فتعطلت التسوية»، عقد الرئيس سليم الحص مؤتمراً صحافياً، كشف فيه أن موسى لوّح خلال لقائه به «بأن هناك قوى خارجية تحمّل المعارضة مسؤولية المأزق القائم»، وأنه رد بأن «العداء الخارجي للمعارضة ليس بالمستغرب». وذكر أنه عرض عليه تقليص الحجم المقترح للحكومة العتيدة إلى 10 أو 16 وزيراً واختيار رئيس الحكومة توافقياً، مقترحاً حكومة من 10 وزراء: مقعد لرئيس الحكومة، 4 للأكثرية، 3 للمعارضة و2 لرئيس الجمهورية، ولحكومة الـ16: مقعد لرئيس الحكومة، 6 للأكثرية، 5 للمعارضة و4 لرئيس الجمهورية، وبذلك لن يكون بين الأطراف من يمتلك أكثرية مطلقة لاتخاذ قرارات عادية أو أكثرية الثلثين لاتخاذ قرارات أساسية. ولا تتوافر أكثرية الثلثين إلا في حال اتفاق فريقي الأكثرية والمعارضة. وعند توافر أكثرية الثلثين ينتفي وجود ما يسمى الثلث المعطل أو الضامن... ولا يمتلك رئيس البلاد كفة الترجيح في حال نشوء تعارض بين الفريقين. وسيكون رئيس الوزراء، مع رئيس الجمهورية، في موقع الترجيح داخل مجلس الوزراء عند تقارب الأصوات.
وبعد هدوء الأيام الماضية، استؤنف في بكركي أمس استقبال المستنكرين لموقف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من البطريرك الماروني نصر الله صفير، الذي قال أمام زواره: «إن المخطط أصبح واضحاً، وهو تفتيت هذا البلد وإفراغه من جميع مؤسساته الدستورية والاجتماعية والدينية»، وقال: «ما حدث قد حدث، ونحن لا نعيره بالاً، وإن كنا نأسف له شديد الأسف»، واستشهد بحديث المسيح «جمعت خرافي كالراعي»، ليردف: «ونحن واجبنا يقضي علينا بأن نجمع خرافنا، وإذا كان هناك مَن شذّ، فواجبنا يقضي علينا بأن نرده إلى القطيع إذا استطعنا».
وفي مأدبة عشاء تكريمية أقامها للسفير الأميركي جيفري فيلتمان، ذكّر النائب وليد جنبلاط المحتفى به بما تشاركا فيه من المحطات والحزن والأمل «خلال السنوات القليلة الماضية»، و«النضال من أجل المحكمة الدولية»، و«مفهوم القرارات الدولية»، ورأى أنه بعدم «إعطاء فرصة للتغيير داخل سوريا الأسيرة والسجينة»، «لن يكون للبنان أي أمل في الاستقرار والسيادة والحرية». وختم مخاطباً فيلتمان: «سنفتقدك يا سعادة السفير، سنفتقدك يا عزيزي جيف».
ورد فيلتمان شاكراً «لبنانياً وطنياً أثارت شجاعته وقيادته المدهشة بالغ إعجابي وإعجاب بلدي»، قائلاً لجنبلاط: «لقد أسهمت بمفردك في جعل واشنطن تتفهم لبنان بشكل أكثر دقة». وطمأن حلفاءه إلى أنه «لا الجمهوريون ولا الديموقراطيون في واشنطن سيساومون على حرية لبنان».
واتهم «لاعبين أقوياء» «لا يرغبون في أن ينجح لبنان»، بأنهم «يسعون إلى إثبات أن اللبنانيين عاجزون عن حكم أنفسهم بأنفسهم، وهم يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، وقال: «إن الانتخابات الرئاسية، التي تأخرت وفات موعدها، والتي نأمل أن تحصل خلال يومين فقط، هي الخطوة التالية لضمان أمنكم واستقلالكم». وختم قائلاً: «سأفعل كل ما أستطيع كي أستمر من واشنطن في العمل على تعزيز استقلال لبنان».