رضوان مرتضى
اليوم، الذين يستعجلون الحصول على «جسد مثالي»، فيلجأون إلى استخدام عقاقير طبية ومنشطات تسبّب أمراضاً وتؤدي إلى العقم... وأحياناً الوفاة، عدا عن أنها تهدّد مستقبل الرياضة التي تعود إلى القرن التاسع عشر

في ما مضى كان «الصوص» بحاجة إلى ما يقارب سنة كي يصبح
«فروجاً»، أمّا اليوم، فالصوص بحاجة إلى 45 يوماً فقط ليصبح جاهزاً لأن يحتلّ واجهات محال بيع الفراريج والمطاعم! إنّه عصر السرعة، ربما، الذي يبدو أنه قد دخل أيضاً على خط رياضة كمال الأجسام، إذ بإمكانك الحصول على جسد مفتول العضلات فقط خلال شهرين أو ثلاثة! هل هذا معقول؟ يجيب أحدهم: «لبنان بلد المعجزات، كل شيء فيه ممكن».
رياضة كمال الأجسام، أو «بناء الأجسام» كما يعرّفها الموقع الإلكتروني «ويكيبيديا»، هي الرياضة التي يهتم الشخص الذي يمارسها بتنمية عضلات جسمه للوصول بها إلى مرحلة النموّ المثالية (الكمال) عن طريق التمرين المكثّف والمنظّم بالأوزان الحديدية أو الآلات الرياضية المصممة لكل عضلة، إضافةً إلى تناول الغذاء بشكل مكثف يوازي حجم التمارين المؤدّاة، فضلاً عن الخلود إلى الراحة الكافية يومياً لحث العضلات على النمو.
وفي لبنان، يتزايد الإقبال على رياضة كمال الأجسام في أوساط الشباب الذين تختلف أسباب لجوئهم إليها، بعضهم يمارسها طلباً للياقة والنشاط، أما البعض الآخر، فيعيد سبب اختياره لها إلى الرغبة في بناء عضلات قوية وأجسام رشيقة تجذب إليها أنظار الفتيات.
ويعترف هؤلاء بأنهم من أجل ذلك، يقبلون على تعاطي الهورمونــات والأدوية المختلفة التي تسرّع في بناء أجسامهم ولو كانت لها أضرار جانبية، متجاهلين أنه من الممكن
أن تكون حياتهم على المحك.

البحر والحريم

«مارستُ هذه الرياضة منذ كان عمري خمسة عشر عاماً لأنها تعطي الجسد شكلاً جميلاً وقوة بدنية ومظهراً لائقاً»، يقول ربيع معتبراً أن لفت أنظار الفتيات كان من دوافع إقباله على اللعبة، ويشاركه الرأي صديقه حسن الذي يمارس رياضة كمال الأجسام منذ ثلاث سنوات: «اخترت هذه الرياضة لأنني أهتم كثيراً بالشكل الخارجي، فضلاً عن أنها تساعدني في الحفاظ على صحتي بعيداً عن الأمراض»، ويرى أن «الجسم الرشيق هو الذي يجعل الشاب متميّزاً أمام الفتيات». أمّا «الستيرويدات» فيصرّحان بأنهما لم يتعاطياها لما لها من تأثير على الصحة.
في المقابل، يرى محمد ب. أن لعبة كمال الأجسام «جواز سفر نحو عالم الثقة بالنفس»، ومحمد يتمرّن منذ ثلاثة أشهر فقط، وهي فترة قصيرة نسبياً للحصول على عضلات مفتولة، يعترف بأنه يتعاطى عقاقير الستيرويد، «أخذت سايكل مدتها شهران، ارتفع وزني خلالها 12 كلغ». و«السايكل» عبارة عن مجموعة من جرعات الهورمون، تؤخذ لمدة محدّدة وتترافق مع نظام معيّن من التدريب.
يرفض محمد التسليم بأن لهذه العقاقير آثاراً جانبية خطيرة وإلا لكان معظم الأبطال في عداد الموتى اليوم. أما جهاد، زميل محمد في التدريب، فيرى أن لعقاقير الهورمون عدة تأثيرات جانبية لكنه يرى أنّها ليست بهذه الخطورة وإلا لما تعاطاها العديدون.
يعيد جهاد ومحمد أسباب تعاطيهما لهذه العقاقير إلى الرغبة في الحصول على جسد ضخم في فترة قصيرة، والسبب «البحر والحريم»، «ليس لدينا الصبر لأن ننتظر سنتين او ثلاثاً، فيما بإمكاننا الحصول على النتيجة المرجوة خلال عدة أشهر».

عقول صغيرة

الواضح أن هناك شبه إجماع لدى الشباب على دور العضلات الكبيرة في لفت أنظار الفتيات، لكن يبدو أن للفتيات رأياً آخر في الموضوع. إذ ترى رولا «أن الذين يمارسون رياضة بناء العضلات، شباب غير طبيعيين في مشيتهم وطريقة لبسهم». وتشير إلى أن الرجل ليس مظهراً فقط، وتصف معظم من يمارسون هذه اللعبة بأن «عقولهم أصغر من أجسامهم بسبب العقاقير والهورمونات التي يتعاطونها». من جهتها، ترى ريد أن الرياضة جميلة لكن ليس كمال الأجسام إذ لا تجدها رياضة، بل هي بنظرها «لعبة مرايا يقضي الشاب معظم وقته أمامها» وتضيف: «من يود تكبير جسمه، يشعرني بأنه فارغ من الداخل».
في الخانة نفسها تقول سحر: «على رغم أن رياضة كمال الأجسام هواية الكثير من الشباب، إلا أن العضلات الكبيرة تخيفني وتشعرني بالقرف أحياناً».
الواقع في الأندية يؤكد انتشار ظاهرة رياضة كمال الأجسام، فالصالات تزخر بالشباب من مختلف الأعمار، ويُستدلّ على الإقبال الكثيف على هذه اللعبة من خلال الأندية التي انتشرت بكثرة أخيراً، فيقول أحدهم: «منذ خمس سنوات لم يكن في منطقتي إلا ناد واحد، أمّا اليوم، فهناك أكثر من سبع نوادٍ».

اللعبة في خطر

من جهته، يؤكد المدرب والبطل باسكال حمود (حامل ذهبية البحر المتوسط) أن هناك إقبالاً متزايداً من الشباب بجميع الشرائح والأعمار على رياضة بناء الأجسام، وخصوصاً خلال فترة الصيف، لكنه يرى «أن المشكلة التي نعانيها مع بعض الشباب هي أنهم يريدون أن يروا أجسامهم مثالية في شهر وكأن رياضة بناء الأجسام أصبحت موضة». ويضيف: «هنا تكمن الخطورة لأنهم لتحقيق ذلك يلجأون إلى تعاطي المنشطات الخطيرة جداً على الصحة من دون إشراف أحد». وينصح باسكال الشباب المقبلين على ممارسة اللعبة بعدم الاستعجال وبالتريّث، لأن بناء الجسم يحتاج إلى الوقت، لكي يتم ذلك من دون أضرار.
لا ينكر باسكال الذي بدأ ممارسة هذه اللعبة منذ 17 عاماً أنّه تعاطى حقن «الستيرويد» بجميع أنواعها، ولا يزال يتعاطاها لأنه يرى أنه «من غير الممكن بناء جسد بطل من دون حقن الهورمون». ويرى أن «لا خطر من استخدام هذه العقاقير تحت إشراف طبي وبحرعات قليلة ولفترة قصيرة»، فبنظره «لكل شيء آثار جانبية حتى البنادول إذا أسيء استعماله». لكنه يستدرك أن هناك «أنواعاً مؤذية جداً ومنتشرة بكثرة بين الشباب ومن المفترض الابتعاد عنها كالانسولين والايفيدرين، وأنا أعرف أشخاصاً تُوفّوا نتيجة تعاطي هذه الأنواع». أما عن فكرة الترهل الذي يمكن أن يصيب الجسد بعد ترك التمرين، فيرى أن ذلك «لا وجود له إلا في مخيلة البعض».
يرى البطل الدولي محمد بنوت «أن أغلبية الشباب يمارسون هذه الرياضة بشكل غير صحيح وغير منظّم، لذلك يركضون وراء الهورمونات والعقاقير والحبوب التي لا فائدة منها، لأن أضرارها لا تعدّ». وبرأيه «المنشطات آفة منتشرة بكثرة بين الشباب يجب أن تلتفت إليها السلطات المعنية». والمنشطات بالنسبة إليه من «المحرّمات»، ولا ينصح بها أحداً، معتبراً أنه «بإمكان الشاب الوصول الى الجسد المثالي بالمثابرة على التدريب، وحتى بإمكانه المشاركة في البطولات العالمية من دون الحاجة إلى الستيرويدات، والدليل أنه حصل على المركز الثالث في العالم من دون أن يتعاطى أيّ حبوب أو عقاقير، «لقد اتبعت نظاماً غذائياً خاصاً كلّفني 31 ألف دولار ولم أتناول حبة هورمون واحدة». ويدعو الى منع هذه العقاقير بمختلف أنواعها ونشر التوعية بشأن الأخطار التي تحدثها.
ويتفق البطلان، حمود وبنوت، على القول بوجود «مشكلة خطيرة تغزو اللعبة وهي حقن السيليكون (السينتول والكولاجين) التي تنتشر بسرعة بين الشباب، والتي يصعب التخلص منها حتى بالعمليات الجراحية، وهي تسبب التهابات في كامل أنحاء الجسم ومن الممكن أن تؤدي إلى السرطان، فضلاً عن أنّها تشوه شكل الجسم».

عوارض طبية

«رجفة، تعرّق، شعور بالبرد، دوخة، رغبة في النوم، وإذا نام لن يستطيع أحد إيقاظه، الله يرحمه». يقول الطبيب حسن هزيمة (اختصاصي غدد صمّاء)، موضحاً أن هذه العوارض هي «ما يمكن أن يحصل إذا ارتفعت نسبة الأنسولين بشكل كبير في الدم». والأنسولين هو أحد العقاقير التي يتعاطاها الشباب ظنّاً منهم أنها ستزيد أوزانهم أو تعطيهم طاقة. وهذا بنظر الطبيب مفهوم خاطئ عند الشباب، لأن «إدخال كمية كبيرة منه إلى الجسم يخفض معدّل السكر في الدم ما يؤدي إلى الغيبوبة والموت أحياناً». ويرى هزيمة أنّ «الشباب يخلخلون النظام الهورموني في الجسم الذي هو من أعقد النظم، فتعاطيهم حقن الهورمون الذكري (Testisteron) الذي يوصف لمن لديه تأخر في عملية البلوغ يؤدي إلى انتفاخ في البويضات وضمور في الخصيتين فضلاً عن ضعف الانتصاب وفي مراحل متقدّمة يؤدي الى العقم». ويوضح أن «هورمون النمو (GH) وحده المسؤول عن زيادة حجم العضلات، وهذا الهورمون الذي تفرزه الغدة النخامية في الرأس يوصف لمن لديه ضعف في النمو، وإذا استعمل بطريقة غير طبية يسبّب أمراضاً سرطانية ويؤدي إلى إتلاف خلايا الهورمون الذكري».
تجدر الإشارة الى أن الصوص الذي أصبح فروجاً خلال 45 يوماً نتيجة تعاطيه الكورتيزون، لا يعطي القيمة الغذائية نفسها التي يعطيها الصوص الذي يحتاج إلى سنة لكي ينمو طبيعياً، فضلاً عن أنه يسبّب العديد من الأمراض.



البدايات

تعود رياضة كمال الأجسام إلى أواخر القرن التاسع عشر، ويُعزى الفضل في ذلك إلى رجل من منطقة بروسيا الألمانية يدعى ايوجين ساندوف، الذي يُعدّ «أبا كمال الأجسام الحديثة» ورائدها، إذ إنه أوّل من قدّم عرضاً أمام الجماهير. ونجح ساندوف، الذي كان يعمل محامياً، كثيراً في هذه الرياضة وطوّر فيها عبر ابتكار أدوات تمارين بيعت في الأسواق فزادت في شعبيتها. ونجح ساندوف في تنظيم أول لقاء تنافسي في كمال الأجسام في 14 أيلول 1901 تحت اسم «المنافسة العظمى»، وكان ذلك في قاعة الملك ألبرت في لندن.
يذكر أن الولايات المتحدة شهدت في 16 كانون الثاني من عام 1904 أول بطولة كبرى في كمال الأجسام استضافتها حديقة ماديسون سكوير غاردن في نيويورك، وفاز بلقبها آل تريلوار، ليحصل على أثرها على لقب «الرجل الأكثر كمالاً في العالم». ونال نتيجة فوزه مبلغ ألف دولار، كما صوّرت طرق عرضه ووضعياته في فيلم بعد ذلك الحدث بأسبوعين. بعد ذلك تابع كل من الأميركي برنار ماكفادن المتخصص في الثقافة البدنية والصحية وأحد أبطال كمال الأجسام ومواطنه شارل أطلس أحد أبرز الأبطال في الولايات المتحدة نشر هذه الرياضة حول العالم.