باريس ـ بسام طيارة
خلال الساعات الماضية، لم يخرج لسان حال الدبلوماسية الفرنسية عن ملخّص مفاده أن «باريس لا تزال تدعم المبادرة العربية»، مرفقاً بتأكيد وزير الخارجية برنار كوشنير، قبل يومين، في بداية «دردشة من دون شكليات» مع مجموعة من الصحافيين العرب، انتهت إلى خلاصة لم تخلُ من التناقضات، أن المبادرة العربية «وصلت الى طريق مسدود، لأنها اصطدمت بالعقبات نفسها التي واجهت المبادرة الفرنسية»، أي إن تطابق المبادرتين أوصل الى تطابق العقبات.
ورغم تأكيد الوزير كوشنير أن «فرنسا لن تكفّ عن العمل من أجل لبنان»، لأنها تهدف إلى «مصالحة اللبنانيين بعضهم مع بعض»، فإنه نفى نفياً قاطعاً أن يكون هو أو دوائره وراء «فكرة التدويل»، في تناقض واضح مع ما سبق أن صرّح به في الرياض عندما لوّح بمجلس الأمن الدولي كـ«حل أخير»، ما لم يتوصّل اللبنانيون إلى توافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وفي هذا السياق، وصف الوزير الفرنسي فكرة التدويل بأنها «ولدت ميتة» لصعوبة تنفيذها، مع كونها «لا تنافي طبيعة الأمور، إذا ما كُلّف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدراسة هذا الاحتمال»، وخصوصاً أن اهتمام الأمم المتحدة بالملف اللبناني مرتبط بوجود قوات «اليونيفيل» والتهديدات التي يمكن أن تواجهها، مذكّراً بالهجوم على الثلّة الإيرلندية، ما يجعل التدويل «مخاطرة قد ترتدّ على وجود الآلاف من الجنود».
إلا أن الوزير كوشنير، الذي بدا أنه لم يتوقف خلال الدردشة على تناقض أو تناقضين، رأى في حديث الى «الأخبار» أنه «حتى لو صدر قرار من مجلس الأمن يلزم المؤسّسات الدستورية اللبنانية بالسعي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكريس حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة لتسيير الأعمال، فهذا لا يعني تغيير الأمور على الأرض»، مجدّداً الإشارة الى أن الحكومة الحالية «شرعية، ولا تحتاج إلى قرار دولي جديد لدعمها».
وربط كوشنير عدم إمكان استصدار قرار دولي في هذا الشأن، بـ«عدم وجود أدلّة حسيّة على تدخّل مباشر من الخارج» لمنع الانتخابات الرئاسية في لبنان. وتساءل بصوتٍ عالٍ متوجّهاً الى الصحافيين الذين تحلّقوا حوله: «قولوا لي لماذا ترفض المعارضة اليوم العماد ميشال سليمان؟.. ألم يكن سليمان مرشح المعارضة قبل أن تبدّل موقفها منه بعدما أقنعنا الأكثرية بهذا الترشيح، بعدما كانت تعارضه؟»، مجيباً عن سؤاليه بالقول: «سوف أعطيكم الجواب الحقيقي: إنهم لا يريدون الانتخابات». ومشيراً بإصبع الاتهام الى «العقدة الأساسية» دمشق، لأنها «تسعى، عبر حلفائها في لبنان، إلى تعيين رئيس للجمهورية ورئيس لمجلس الوزراء والتفاوض على أسماء الوزراء، إضافة إلى تحديد برنامج عمل الحكومة المقبلة»، ولم يخف كوشنير «اطمئنانه» حيال وضع لبنان الذي «ما زال بعيداً عن حافة الحرب الأهلية، رغم انسداد أفق التسوية»، معتبراً أن «الأمور ما زالت في حدود المقبول، لأن أحداً لم يحتكم بعد الى السلاح»، ومكرّراً مرات عدة العبارة ذاتها: «هذا ما نرجوه».
وإذ جدّد إعلان استعداده للذهاب الى لبنان في حال الضرورة لـ«المساعدة على حلحلة الأمور»، رأى أن «الوقت لم يحن بعد» لزيارة دمشق، و«لن أقوم بهذه الزيارة قبل أن تنفّذ سوريا ما وعدت به، في شأن لبنان».
وبعيداً عن هذه «الدردشة»، يرى المراقبون أن الدبلوماسية الفرنسية لم تعد تعوّل كثيراً على «التمرين» الذي تقوم به الجامعة العربية، إذ لفت أحدهم الى أن «باريس تستعدّ للعودة الى بيروت»، والى أن كوشنير «يرغب في زيادة الضغوط على المعارضة»، وهو «اقتنع» بما بشّر به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من «دبلوماسية التوفيق» التي تقوم على مبدأ «مخاطبة الخصم قبل الصديق».