strong> أحمد محسن
منذ سنة، وتحديداً في الخامس والعشرين من كانون الثاني من العام المنصرم، شهدت بيروت مشهداً ليس جديداً عليها، وإن كان قد غاب لسبعة عشر عاماً. قنّاصون على أسطح البنايات «يصطادون» طلّاب جامعات، وشبّان غرّرت بهم الغريزة المذهبيّة، فنزلوا مدافعين عن أوهامٍ في عقولهم. اليوم، ما يزال كلّ شاب حرق سيّارة أو رشق حجر مقتنعاً بروايته الخاصّة. شباب طريق الجديدة يؤكّدون أنهم دافعوا عن منطقتهم من الغزاة. وشباب الضاحيّة يؤكّدون أنهم أتوا لتخليص فتياتهم من مختطفيهم.
الرواية ليست مهمّة. فقد حصل الأمر، وبطبيعة الحال عولج الموضوع بطريقة «تبويس اللحى» دون حلّ جذري. كل ما يبقى للتاريخ صور لمسلّحين ونيران مشتعلة.
بدأ الخلاف حينها، على خلفيّة مذهبيّة. قالوا بسبب فولار عاشورائي، وبسبب شتائم مذهبيّة، لكن ما لبث أن تطوّر الأمر بسرعة ليصل إلى تبادل إطلاق نار بالقرب من المدينة الرياضيّة وتهجّم على عناصر الجيش اللبناني. ولم يهدأ الأمر رغم محاولات المسؤولين الشبابيين ووساطاتهم، وبدوا كالقادة العسكريين الذين فقدوا السيطرة على عناصرهم. أُحرقت السيّارات بالجملة، دون معرفة ولاء أصحابها السياسي، ولم تهدأ الأمور إلّا بعدما أصدر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فتوى تحرم المواجهات وتُلزم أنصاره بعدم النزول إلى الشارع، إضافة إلى دعوات من السياسيين للمواطنين للانسحاب من الشارع نهائياً وتسليم الأمر بكامله إلى القوى الأمنية.
واليوم، بعد سنةٍ على ذاك «الإشكال»، تحّولت الجامعة العربية إلى مربّعٍ أمني، يتناوب الجيش وقوى الأمن الداخلي على حراسته تجنباً لأي مشكلة. والطلاب يشكون الإجراءات الأمنية المشدّدة، التي تبدأ بإبراز البطاقة عند الدخول ولا تنتهي إلاّ بالتفتيش، الذي يعيد للطلاب شعوراً بأنهم داخلون إلى وزارة الدفاع». بعد آلة فحص المعادن، يبدأ التفتيش اليدوي من أمن الجامعة. فيبدأ معه الفرز، الإناث خلف الستارة مع «نساء الأمن»، والشبّان علناً في الباحة. وثمّة جديد أيضاً في الجامعة، فالتجمع داخلها بات ممنوعاً وإن كان بقصد الترفيه، والسياسة هي السبب. لكن عند سؤال أي طالبٍ عن الأمر يصفه بالنكتة. فالجامعة سياسية بامتياز، والوقائع تصدق هذه النظرية. فالجرائد تباع وبنصف ثمنها بشكل اعتيادي، والحالة الحزبية تطغى بوضوح على هوية الجامعة، ما عدا «شارع العشّاق» الذي فرّ من التصنيف السياسي، فهو المكان الوحيد الذي لا يمكن أن يشهد احتكاكات بين الطلاب، بخلاف الباحة الأمامية المواجهة للكافتيريا المعروفة بـ«الضاحية»، التي تنطلق منها أغلب الصدامات، ولا تزال. فمنذ فترة ليست ببعيدة، سرت أحاديث عن حادثة أمنية في الجامعة على خلفية تعليق صورة للرئيس رفيق الحريري، سرعان ما نفاها طلّاب التعبئة التربوية في حزب الله، مشيرين إلى أنّ السبب الرئيسي للحادثة هو «أنّ ناشطي تيّار المستقبل يضعون طاولةً على المدخل الخلفي للجامعة، ويوزّعون طلبات الانتساب إلى التيار». الصورة إذاً لم تكن السبب المباشر للحادثة، على الأقل بالنسبة إلى طلّاب التعبئة. أمّا مسؤول النشاطات في الجامعة، الذي رفض التصريح عن اسمه، فأكّد «أن الحادثة كانت خارج الجامعة، وقوى الأمن تكفّلت بتعليق الصورة بنفسها «ومشي الحال». ويضيف: «إنّ إدارة الجامعة تتّخذ الإجراءات المناسبة لضبط الوضع». ولكن الواقع يثبت العكس، إذ تُلفت ليال، إحدى الطالبات، التي تصف نفسها بالمحايدة،إلى أنّ الصورة التي عُلّقت أخيراً للرئيس الحريري على بعد أمتارٍ من مدخل كلية الهندسة، تحمل توقيع طلّاب الجامعة. وتشكو ليال، في الوقت نفسه، من التوتّر الموجود بسبب الطلّاب الذين يبحثون عن مشاكل في ما بينهم. حتى الإجراءات الأمنية التي تزعجهم، ينسون أنها حصلت في الأساس بسبب قيامهم بنقل خلافهم السياسي العقيم إلى الجامعة. من جهتها، تصف فاتن أحداث العام الفائت بالمأساوية، وتؤكد أنّها رأت بأمّ العين طلاباً جلسوا جنباً إلى جنب في السابق يتقاتلون بشراسة ذاك اليوم. ونادر أيضاً يؤلمه ما حدث، صابّاً جام غضبه على الإعلام الذي ضخّم الواقعة.
ولكن، رغم ألمهم والطوق الأمني المفروض عليهم منذ عام، لا يزال بعض الطلّاب يحنّ إلى السياسة، فيصرّ على حقه في العمل السياسي في الجامعة، متجاهلاً ما قد يترتب عليه من سلبيات، فيما يخاف البعض الآخر من اندلاع المشاكل من جديد.