أنطوان سعد
أعاد شرط المعارضة المتعلق بضرورة الاتفاق على تقسيم الدوائر الانتخابية، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، تسريع البحث داخل الدوائر القريبة من البطريركية المارونية عن التقسيم الانتخابي الأفضل على مستوى صحة التمثيل لكل الطوائف اللبنانية، ومن بينها المسيحية. إذ بعد تعثر الاستحقاق الرئاسي، لم تعد هذه الدوائر تولي قضية قانون الانتخاب الأولوية القصوى ما دام مصير الجمهورية برمّته بات على المحك.
بيد أن اشتراط المعارضة تعهد الأكثرية بالقبول بالقضاء دائرة انتخابية، حرّك الدوائر القريبة من البطريركية المارونية. فالقضاء الذي كان مطلب المسيحيين في فترة سيطرة سوريا وحلفائها على لبنان، لم يعد ملائماً لهم بعدما نال الاستهداف لدورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولدور لبنان بلداً ضامناً لمختلف أبعاد الحرية لمكوناته، من قدرتهم وديناميكيتهم التي ساهمت في إعطاء لبنان طابعه الخاص المتمايز عن سائر الدول العربية. وبات من الضروري البحث عن تقسيمات انتخابية أخرى تؤمن صحة التمثيل من أجل تأمين دور مسيحي فاعل في المعادلة السياسية التي تحكم لبنان.
وتشير هذه الدوائر إلى أن تقسيمات تراعي الوضع المسيحي إلى أبعد حدود مطلوب على الأقل بانتظار استعادة الوسط المسيحي عافيته وإعادة بناء مؤسساته السياسية التي تفتقر كلياً إلى الديموقراطية وآلية العمل الحزبي الداخلي السليم. ولا بد أيضاً من انتظار استكمال عودة المهجرين إلى قراهم واستعادة التوازن في الإدارات العامة والمؤسسات الدستورية قبل التفكير بأي إصلاحات أو مشاريع سياسية واقتصادية طويلة الأمد. وكل ذلك ليس قابلاً للتطبيق ما دام قانون الانتخاب لا يلحظ تقسيمات تؤمن انتخاب النواب المسيحيين بأصوات الناخبين المسيحيين. وهذا ما كان قد عبّر عنه البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في ربيع عام 2005 بالقول: «إن اتفاق الطائف أعطانا أربعة وستين نائباً، نريد أربعة وستين نائباً». وكان قد حذر حينذاك أيضاً من تداعيات تقسيمات انتخابية مجحفة بحق المسيحيين بقوله الشهير: «وقد أعذر من أنذر»، وغني عن البيان أن المأزق الحالي الذي تمر فيه البلاد هو وليد تلك الانتخابات.
إن اعتماد القضاء دائرة انتخابية من شأنه اليوم أن يمنح المسيحيين فرصة انتخاب أقل من أربعين نائباً بأصوات الناخبين المسيحيين. وبنتيجة استمرار مفاعيل الهجرة والتهجير ومرسوم التجنيس والاستهداف السياسي الذي تعرض له المسيحيون في الخمس عشرة سنة التي تلت اتفاق الطائف، سيتضاءل حتماً عدد النواب المسيحيين المنتخبين بأصوات المسيحيين في العشرين سنة المقبلة. وهذا بالطبع غير مفيد للتركيبة اللبنانية القائمة على التوازن بين المجموعات الطائفية التي تتعايش في لبنان.
لذلك، ترى الأوساط المارونية أن اشتراط المعارضة الاتفاق على القضاء دائرة انتخابية قبل تسهيل أمر الانتخابات الرئاسية هو مضر بالمصلحة اللبنانية والمسيحية في شكل مزدوج: إذ إن الموقع الأول الذي يفسح في المجال أمام مشاركة المسيحيين في عملية إدارة شؤون البلاد معطّل، والثمن لإزالة تعطيله هو تقسيم انتخابي مؤذ للمشاركة المسيحية في المؤسسات الدستورية الأخرى.
وتكشف مصادر مطلعة عن معلومات تفيد أن اتجاه الدوائر التابعة لبكركي التي تدرس هذا الملف هو نحو قانون انتخابي يعتمد القضاء دائرة انتخابية، انسجاماً مع مواقف كل الأطراف السياسية اللبنانية، ولكن مع الإصرار على مبدأ صوت واحد لكل ناخب. أما إذا تعذر هذا الأمر، فلا مانع عندها من مناقشة التصور الذي وضعته الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب التي ترأسها الوزير السابق فؤاد بطرس، وإنما بعد إزالة الاستثناء المتعلق بتقسيم دائرة جبل لبنان إلى قسمين. كما تبدي هذه الدوائر استعداداً للبحث في خيار اعتماد القضاء دائرة انتخابية، شرط ألا يتعدى عدد المقاعد في كل قضاء ثلاثة أو أربعة، وفق ما كان قد اقترح الوزير السابق ناجي البستاني في خريف عام 2004.
انطلاقاً من هذه المعطيات، تتحضر مجموعات لا تتعاطى السياسة مباشرة للقيام بحملة مشاورات مع قيادات مسيحية موالية لإقناعها بإثارة موضوع قانون الانتخاب في مجلس الوزراء، أو في اجتماعات قيادات الرابع عشر من آذار وحثها على اتخاذ مواقف علنية والتزامات بهذا الشأن، إذا لم يكن بالإمكان إقرار مشروع قانون في هذا الاتجاه يكون واحداً من بين مئات القرارات ومشاريع القوانين التي أقرّتها الحكومة. ومن ثم ستتحرك هذه المجموعات باتجاه القوى السياسية المسيحية المعارضة لحملها على القبول بهذا التقسيم وإقناع حلفائهم به، كما كان قد فعل الموالون من قبلهم.