149; سلطانوف يدعو إلى انتخاب سليمان والأكثريّة تتحرّك باتّجاه السفراء العرب
رغم تصاعد التحذيرات، وخصوصاً الغربية منها، من صعوبة الأوضاع وازدياد تعقيداتها، حافظ المسؤولون اللبنانيون على تعميق الانقسام الداخلي الذي كانت آخر ثماره شطر رغيف الخبز وجرّه الى سجالات لا تسمن ولا تغني من جوع

خرج رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك، تخلّلته خلوة لثلاثة أرباع الساعة، ليشنّ هجوماً على «تعطيل» مجلس النواب وإقفاله «منذ أكثر من 15 شهراً»، مشيراً إلى أن ذلك يمنع «التلاقي» بين اللبنانيين و«يؤدي الى الخلاف في الشارع». وقال إن المبادرة العربية «هي الأمر الجدي المطروح على الطاولة من أجل الإسهام حقيقةً في مساعدة اللبنانيين على حل المشكلة، وبالتالي الدعوة الى جميع الأطراف بعدم التدخل في شؤون اللبنانيين للاتفاق في ما بينهم»، لافتاً إلى أن هذه المبادرة تنطلق «من استيعاب حقيقي للمفاهيم الدستورية والديموقراطية في لبنان»، وأنه لا يرى بديلاً منها «في هذه الآونة»، وحصر تفسيرها بالجامعة العربية. وأمل من اجتماع وزراء الخارجية العرب تأكيدها، قائلاً إن أولوية الانتخاب الرئاسي «تسحب فتيل التوتر من لبنان».
ودافع عن الأكثرية، قائلاً إنها «على مدى الـ15 شهراً الماضية هي التي تقدم التنازلات»، وكرّر «التأكيد على علاقات صحية وسليمة بين لبنان وسوريا»، وعلى الالتزام «بأحكام الدستور، ولا سيما في ما ينص عليه في منع التوطين جملة وتفصيلاً». وقال إن لبنان «آخر من يذهب الى السلام القائم على العدل والمبادرة العربية (قمة بيروت)»، و«اذا كان هناك من رأي عربي في المواجهة مع اسرائيل فلبنان على استعداد لأن يكون في المقدمة لكن ليس منفرداً». وفي المقابل غمز من قناة المعارضة، بانتقاد ما رأى أنه «تلطٍّ وراء رغيف الخبز، والمطالب المعيشية، للحصول على مكاسب سياسية». والتقى السنيورة في مقر إقامته في القاهرة مساعد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى السفير هشام يوسف.
وفي بيروت، رد المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري: «توضيحاً لما أدلى به الرئيس فؤاد السنيورة بضرورة فهم هواجس الآخرين والعودة إلى الحوار وعودة المجلس النيابي المعطّل منذ 15 شهراً... للعمل، نوافقه على رأيه هذا تماماً في ما لو أضاف معلّلاً سبب تعطيل المجلس، ومردّه الى حكومته الفاقدة للشرعية والدستورية والميثاقية... بجهوده».

سلطانوف قلِق ويؤيّد جهود موسى

وكان بري قد تلقّى اتصالاً من السفير السعودي عبد العزيز خوجة الموجود في الرياض. والتقى نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر سلطانوف الذي زار أيضاً قائد الجيش العماد ميشال سليمان. وأعرب عن قلقه من الوضع، وقال إن بلاده تحاول المساعدة على «تجاوز المرحلة الأليمة». وإذ رأى أن الأطراف اللبنانية «قطعت طريقاً لا بأس بها للخروج من الأزمة، بالتوافق على انتخاب سليمان، وأن الوقت حان لتطبيق هذا التوافق»، لفت الى وجود «مشاكل أخرى تحتاج الى حل». وأعلن ترحيب روسيا بالمبادرة العربية وتأييدها لمهمة موسى وجهوده «التي من شأنها تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف».
كذلك التقى بري النائب السابق بهاء الدين عيتاني، ثم وفداً من كتلة «الوفاء للمقاومة» برئاسة النائب محمد رعد الذي ذكر أن البحث تناول الاجتماع الوزاري العربي، وقال:
«الرؤية حتى الآن لا تسمح بإرسال بشارة الى اللبنانيين بقرب حل الأزمة، لكن لا يزال هناك إمكان لأن تفتح الأبواب على حلول، وخصوصاً إذا كانت القراءة العربية لوزراء الخارجية قراءة صحيحة. نحن نتوقع أن نحاط كلبنانيين، معارضة وموالاة، بعناية متكافئة توصل إلى حل مرضٍ لجميع اللبنانيين». وطالب الوزراء العرب بتوضيح المبادرة. وأعلن أن «التشاور والتواصل قائمان بين كل أطراف المعارضة، لكن التحركات مرهونة بقرار سياسي يحدد في وقته».
وردّ على ردّ المكتب الإعلامي للسنيورة عليه، بالقول: «الإمام الشافعي بيّن في شعره، المنسوب إليه، كيفية التعاطي مع الخطاب السفيه، ولذلك أربأ بنفسي أن أرد على بيان السنيورة وأكتفي بهذا المقدار».

جولات «أكثريّة» على السفراء العرب

وفي تحرك لافت عشية اجتماع القاهرة، التقى النائب وليد جنبلاط سفراء: الكويت عبد العال القناعي، الجزائر إبراهيم حاصي بن عودة، العراق جواد الحائري، مصر أحمد البيديوي، والقائمين بأعمال سفارتي تونس محمد بن مسعود والإمارات أحمد محمد المزروعي. وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أنه «قدّم إلى ضيوفه شرحاً لما آلت إليه الأوضاع في لبنان»، ونتائج المبادرة العربية واجتماع الوزراء العرب «ورؤيته لكيفية الخروج من الأزمة الراهنة». فيما التقت الوزيرة نائلة معوض، سفراء: اليمن فيصل أمين ابو راس، الأردن زياد المجالي وتونس محمد مسعود. وكشفت أنها نقلت إليهم «رغبة الأكثرية» في وجوب تطبيق «الانتخاب الفوري لرئيس الجمهورية»، معربة عن ثقتها بأن «الإخوة العرب سيتحمّلون مسؤولياتهم، وخصوصاً أنهم يعرفون من يعرقل المبادرة»، متهمةً «النظام السوري» بأن «خياره هو الفراغ».
وبينما رأى الوزير نعمة طعمة «أن المبادرة العربية حتى اليوم لم تفشل، بل تعثرت، وأبواب الحلول لم تقفل نهائياً»، وسأل عما إذا كان الهدف من الحصول على الثلث المعطل «هو لإمرار القرارات التي تعجبنا ورفض القرارات الأخرى؟»، قال النائب إلياس عطا الله، إنه ليس متفائلاً بنتائج اجتماع القاهرة «لأن النظام السوري كان واضحاً في الكلام الذي وجّهه إلى موسى بأنه يفضل مصالحه»، وأعلن أنه «لن تكون هناك تنازلات إضافية من جانب الأكثرية».
إلى ذلك، واصل نواب الأكثرية، وخصوصاً كتلة المستقبل، هجومهم على الإضراب المطلبي أمس، واتهام المعارضة بالوقوف خلفه، إذ استنتج النائب محمد قباني وجود خلفيات سياسية وراء هذا التحرك «لأنه جاء في وقت يدور فيه سجال سياسي كبير في البلد». وقال النائب عزام دندشي إنه متخوّف من أن تكون «القوى الانقلابية، تحاول استنساخ النظام الإيراني وتطبيقه في لبنان (...) وإلا لقدّموا مشاريع اقتصادية بديلة خلال السنوات الماضية، بدل اعتصاماتهم وقطعهم أرزاق الناس». واستغرب النائب هاشم علم الدين «كيف يسعى البعض الى خلق الأزمات والفتن والفوضى من خلال هذا التظاهر المفبرك في أقبية صنّاع الشر والفساد».

... والمعارضة تطالب بالحيادية لإنتاج الحل

وفي المقابل، رأى الرئيس إميل لحود أن «من غير الجائز الادّعاء أن كل تحرك نقابي سلمي له خلفية سياسية لتجنّب مقاربته جدياً ووضع الحلول المناسبة له لمنع إرهاق اللبنانيين في لقمة عيشهم ورزقهم». وناشد اللبنانيين «ألاّ تشغلهم الخلافات السياسية الداخلية الراهنة عن حتمية توحيد مواقفهم الرافضة لمخطط التوطين في لبنان»، داعياً الى عدم الاكتفاء بإطلاق المواقف والتعليقات، بل «اتخاذ خطوات عملية لمواجهته ومنع تمريره». واستقبل لحود أمس الوزراء السابقين ليلى الصلح ويوسف سلامة وعدنان عضوم.
كما جدّد نواب المعارضة نفيهم التحريض على الإضراب، مع تأكيدهم على أحقية المطالب. فقال الوزير المستقيل طراد حمادة إن المعارضة «لن تتلطّى خلف المطالب المعيشية المحقة»، معلناً أن تحركها «منوط بوقته»، ومؤجل «ما دامت هناك مبادرات عربية وقبول داخلي بالحوار». وشدّد على حقها «بالوصول الى مطالبها بكل الوسائل الديموقراطية اللازمة». وأيّده النائب علي خريس بأن الخطوات «شكلاً وتفصيلاً تبحث في حينه وبعد انسداد أفق التوصل الى انفراجات»، مؤكداً أن التحرك أمس «محصور بالنقابات المعنية ولا علاقة له بتحركات المعارضة مستقبلاً».
وبعدما زار سفيري اندونيسيا باجاس هابساورو ورومانيا دانيال باناس، انتقد النائب مروان فارس الوزراء الذين «لا يجرؤون على مواجهة الناس، ويختبئون في قلاعهم، مما ينذر بخطورة الوضع الذي يذهب باتجاه الانفجار».
وإذ رأى النائب جمال الطقش «أن الحيادية في أيّ مبادرة تعطي الحل»، دعا الى عدم النظر بالنظرة نفسها «الى مستأثر ومن لا يملك التدفئة، الى من يستغل موارد هذه الدولة ومن يحرم مواردها».
وانفرد الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة بالقول إن «من الطبيعي أن يكون هناك وجه سياسي لأي تحرك نقابي. فما دامت القرارات الاقتصادية الاجتماعية هي قرارات سياسية فالرد عليها وإن كان نقابياً سيأخذ شكلاً سياسياً». ورأى أنه كان الأجدر بالسنيورة «أن يلعن من قام بالفتنة بدل لعنه من يوقظها فقط، وأن يلعن من انتهج سياسة اقتصادية أفقرت الناس وجوّعتهم»، معتبراً أنه «من المسؤولين تاريخياً عن الأزمة الراهنة».
ورأى مجلس العُمد في الحزب السوري القومي الاجتماعي، أن «استغلال فريق 14 شباط مناسبة التحرك النقابي، لإعلان جهوزه في مواجهة التحرك، هو بروفة تفصح عن نياته حيال تحركات المعارضة في المستقبل، وهذا أمر مثير للقلق، وننصحه بعدم تكرار اعتداءاته كما فعل في 23 و25 كانون الثاني الماضي لأن تكرار الاعتداء سيرتّب نتائج وخيمة».
وفيما استدعت دعوة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، أمس، إلى «أن الإضراب يجب أن يكون في وجه من يقفل مجلس النواب»، قول النائب غازي زعيتر له: «من حقك أن تضيق ذرعاً بمن هو في رئاسة الجمهورية إضافة الى رئاسة الحكومة، أخيراً وضعت يدك على الجرح، طبعاً قصدك الرئيس السنيورة الذي هو سبب إقفال المجلس»، فإن مواقفه على شاشة «المستقبل» مساء الأربعاء، أثارت جملة ردود، فاتهمه مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» نواف الموسوي بـ«اجترار أكاذيب سبق أن أطلقها الراعي الإقليمي الخدّام للراعي الأميركي، ويكفي بها كذباً أن ينطق بها لسانه، فكيف تنطلي على من لا ينسى أن من كان يقترض أبوه على معاشه، قد أنفق على عرسه العقيم 3 ملايين دولار في أوائل تسعينيات القرن الماضي، من أموال نهبها من الحوض الخامس ورجال الأعمال المسيحيين وعامتهم». وقال: «إن مسيرة الدفاع عن لبنان وعن حريته من الاحتلال الإسرائيلي، لا ينال منها صغار العملاء السابقين ـــــ اللاحقين».
وتوقف النائب نبيل نقولا أمام تشبيهه لمهنة طب الأسنان بـ«الحدادة والبويا للأسنان»، بالقول «إن مهنة الحدادة والبويا مهنة شريفة يكسب منها حاملها معيشته من عرق جبينه»، داعياً نقابة أطباء الأسنان الى الرد عليه، وسأل: «أين شهادته أو شهادة الطب التي ينتحل صفتها؟»، وقال: «ليس هناك مهنة حقيرة بل إنسان حقير، ونسأله من أين لك هذا؟». كذلك استنكرت الهيئة الطالبية في كلية طب الأسنان في الجامعة اللبنانية «الطريقة الاستهزائية التي تناول بها جعجع المهنة».
وكان خير تعبير عن الوضع السائد، هو الحيرة التي عبّر عنها سفير الدنمارك يان توب كريستنسن، بعد لقائه نقيب المحررين ملحم كرم، إذ قال: «التقيت السياسيين اللبنانيين من المعارضة والموالاة وسمعت منهم وجهات نظرهم، وهناك تباين في الآراء الموضوعة لهذه الحلول». وأضاف: «الصعوبة هي في التمييز بين المعلومات الصادقة والمعلومات غير الصحيحة التي أتلقّاها». ووصف الوضع بأنه «معقّد»، مضيفاً «لست كثير التفاؤل نظراً للمعطيات التي أتلقاها كل يوم».