strong>عفيف دياب
• «البرازق» تعبر من سوريا بكميّات كبيرة فمتى يحين وقت «السنيورة»؟

لم تكن العلاقات اللبنانية ـ السورية سليمة يوماً. دمشق تعدّ لبنان قاصراً وشوكة في خاصرتها وتقلقها التبدلات السياسية ورجالاتها في الوطن الصغير، ولبنان لم ينظر بعين الرضى إلى السياسة السورية المتّبعة عبر التاريخ تجاه بلد لم يستطع يوماً إدارة شؤونه كما ترتئي دمشق

لم تعرف المعابر الشرعية بين لبنان وسوريا هدوءاً يذكر منذ نال البلدان استقلالهما الرسمي في أربعينات القرن الماضي، فالعلاقة السياسية والأمنية الملتبسة بين البلدين، في قديمها وجديدها، تترجم دوماً من خلال المعابر الحدودية التي تحوّلت الى صندوق بريد ترسل من خلاله الرسائل السياسية والأمنية وكانت آخرها الرسالة السياسية التي أرسلها بعض قادة الأكثرية وإعلام 14 آذار إلى دمشق من خلال اتهامها بمنع تدفق المواد الغذائية الى لبنان وبدء محاصرته في مشهد مقتبس من الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، على حدّ تعبير وزير الرياضة والشباب أحمد فتفت الذي سرعان ما ناقض كلامه زملاء له.
هذا الاتهام، رأى فيه بعض أقطاب المعارضة «رسالة سياسية من الموالاة الى دمشق بغية تأليب الرأي العام الدولي ضدها بعدما تعرقلت محاولة اتهامها بإفشال المبادرة العربية، فكان لا بد من ترويج إعلامي يتهم دمشق بشيء آخر». ويوضحون أن «المحاولة فشلت وإقفال المعابر كان سياسياً أكثر مما هو ميداني».
إقحام السياسة في حركة التنقل والتبادل الغذائي ــــــ التجاري بين سوريا ولبنان ليس أمراً جديداً أو طارئاً أو حديث العهد. فسوريا ابتدعت هذا العقاب السياسي منذ عام 1949 ولبنان لم يقدم عليه رغم كل الخلافات التي كانت ولم تزل تعصف بالعلاقة الثنائية، فبقي إغلاق المعابر أو التشدد الأمني عليها طقساً سورياً صرفاً وصولاً الى قمته عام 2006 حين أرسلت دمشق رسالة سياسية ــــــ اقتصادية قوية اللهجة إلى بيروت عبر منعها عبور شاحنات الترانزيت من لبنان عبر أراضيها الى البلاد العربية، فارتفعت أصوات لبنانية تتهم دمشق باستنساخ حصارها الجديد من اسرائيل.
اتهام سوريا بمحاصرتها للبنان ومنع عبور الحلويات والخضر واللحم الأبيض والأحمر، تنفيه الحاجة أم محمد حمادة (62 عاماً) التي عبرت جديدة يابوس نحو الأراضي اللبنانية ومعها 4 علب برازق هدية لبناتها الأربع، وتقول: «وصلت للتو من دمشق ولم يتحدث أحد عن منع عبور المواد الغذائية (...) وأنا أتبضّع أسبوعياً للمنزل من سوريا، ولا علم لي بأي تغيّرات، ربما وزراؤنا يعلمون أكثر»!
وزراء السرايا يؤكدون العكس، استناداً الى خبر إعلامي عاجل وغير دقيق، يقابله في الجانب السوري اتهامات مستندة أيضاً الى ترويجات «مخبرين» لبنانيين وسوريين يعيثون فساداً في جسم العلاقات بين البلدين، إذ سرعان ما تسود كلمتهم فتبدأ الإجراءات الأمنية السورية على خطوط المعابر الرسمية مع لبنان بتنفيذ قراراتها القمعية أو المتشدّدة وغير المستندة إلى معطيات واقعية، فيتحوّل العبور وتدفق البضائع إلى رهينة مزاج أمني يستبد بمصالح الناس.
ويقول وزير بقاعي متقاعد في قصره إن «العلاقات اللبنانية ـــــ السورية لا يمكنها أن تتطور نحو الأفضل إذا بقي العقل الأمني يتحكم فيها»، وإن «بعض ساسة لبنان وسوريا أساؤوا كثيراً الى العلاقة بين البلدين، وتحوّل بعضهم الى مخبرين صغار يعتاشون من الفتنة».
واذ لا يستبعد الوزير السابق إقدام دمشق على رفع مستوى التهديد بإغلاق المعابر مع لبنان، فإنه في المقابل لا يجد في سياسة الموالاة إلا تكملة لسياسة بعض الرؤوس الأمنية في دمشق التي تمارس مزاجيتها على المعابر الشرعية قمعاً وتشدداً، وصولاً الى نصف إغلاق أحياناً من خلال منع بعض المواطنين من حمل مواد غذائية». ويتابع أن «الرئيس السنيورة لم يبادر الى رفع الاتصال مع دمشق في الجانب الاقتصادي كحد أدنى، ولم تكلّف حكومته أي وزير أو مدير عام البحث مع السوريين في إيجاد حل نهائي لقضية المعابر الشرعية وعدم إخضاعها للمزاجية السياسية أو الأمنية»، وختم بالقول: «البرازق تعبر من سوريا يومياً على أمل أن تعبر السنيورة من لبنان الى سوريا ونضع حداً لسياسة الكر والفر والكيدية في إغلاق المعابر وفتحها».
الكر والفر في علاقة لبنان وسوريا عبر صندوق بريد المعابر الشرعية يجد فيهما بعض زعماء الموالاة «سياسة سورية متّبعة منذ أكثر من نصف قرن» على حدّ قول نائب أكثري من تيار المستقبل. ويضيف: «أحب كثيراً البرازق السورية، لكنّ دمشق حرمتنا إياها بعد انسحابها من لبنان، فهي تسيء يومياً الى العلاقة بين البلدين المفترض بها أن تكون طبيعية جداً».
ولا ينكر النائب المستقبلي تقصير الحكومة الحالية في إيجاد حلول ناجعة لأزمة المعابر المتكررة، إلا أنه يقول: «نحن نريد علاقات طبيعية وندية مع سوريا، لكنها تمارس علينا كل أنواع الترهيب والقتل. وكلما طالبنا بتصحيح العلاقة وإقامة علاقات دبلوماسية يأتي الرد من خلال جديدة يابوس، وما جرى في اليومين الماضيين أكبر دليل على نوايا سوريا في فرض حصار اقتصادي على لبنان»، وإن «دمشق تريد أن نكون تحت حكمها وننفذ سياستها، أو أن نتحمّل تبعات إغلاق الحدود بين فترة وأخرى».

عصا
الزعيم


في أيار عام 1949 نفذ حسني الزعيم انقلاباً عسكرياً في سوريا هو الأول من نوعه في العالم العربي، وفوجئ سكان دير العشاير في لبنان بقوة من الجيش السوري تدخل قريتهم لاعتقال أحد المواطنين بتهمة التجسس لإسرائيل، إلا أن الجنود السوريين قتلوا المطلوب بدل اعتقاله، ما أثار ردود فعل استنكارية، فأقدمت قوة من الجيش اللبناني على اعتقال أفراد الدورية العسكرية السورية مستثيرة غضب حسني الزعيم الذي أمر بإغلاق الحدود مع لبنان عبر... وضع عصا في وادي الحرير قرب جديدة يابوس!
وتدخّل حينئذ الزعيم الاشتراكي الراحل كمال جنبلاط والمير مجيد أرسلان وعملا مع الجانب السوري على فتح الحدود ورفع العصا السورية من منطقة وادي الحرير.