strong>غسان سعود
يزداد التنافس، منذ سنتين تقريباً، بين حزبيّ القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على استقطاب تلامذة المدارس، فالطرفان يسعيان إلى خطف الكتلة الأكبر، وإن كان الثمن دفع الأموال وشراء «الفيلدات» العسكريّة للطلّاب. وخلافاً لتوازن القوّة الصوري بين الطرفين في انتخابات الهيئات الطالبيّة في الجامعات، ترجح كفة القواتيين في المشهد المدرسيّ

يوماً بعد يوم، يزداد نجاح اللجان المدرسية في حزب «القوّات اللبنانيّة» في رفد الجامعات بمئات الشبّان المندفعين «من أجل القضية وإكمال المشوار»، في ظلّ العناية الكبيرة التي توليها قيادة «القوّات» لهذا القطاع، وخصوصاً أنّه يسهم في تأمين استمراريّة الحزب لعشرات العقود الإضافية. وباتت الصورة واضحة في غالبيّة المدارس في بيروت وجبل لبنان والشمال، التي لا تبدي امتعاضاً من تفشّي المظاهر الحزبية ضمن أروقتها، إذ يُمكن للمهتمين من رصد عشرات التلامذة المرتدين «فيلد» القوّات الزيتي عند خروجهم، كما يُمكن رؤية عشرات الصلبان القواتية التي تؤكّد على انتمائهم إلى الحزب، ولعلّ اللافت أيضاً في المشهد، أنّ التلامذة ما عادوا يكتفون بالزيّ، فبدأوا بتوسيع نشاطاتهم خارج حرم المدرسة، بدءاً من توزيع البيانات الحزبيّة والصور، وصولاً إلى أغاني وخطابات قائدي القوات بشير الجميّل وسمير جعجع. فيما يكاد العونيون يغيبون عن الصورة لأسباب عدّة، يجدها أحد تلامذة المون لا سال في عين سعادة، حيث يحظى التيّار بوجود كبير، «عاديّة، كون التيّار يحاول قدر الإمكان الابتعاد عمّا يستفز الآخرين»، موضحاً أنه وزملاءه العونيين يفضّلون «العمل الهادئ الذي يعود على التيار بنتائج صاخبة».

تضحيات سريّة

يحاول تلامذة القوّات التعويض عمّا تعرّض له الحكيم ببذل المزيد من التضحيات من أجل القضيّة والحكيم، فتقول إحدى التلميذات إنها خالفت رأي أهلها، وتوجّهت صوب القوات بعد أن تمكنت من مشاهدة الصورة كاملة، وبعدما عرفت بالتضحيات التي قدمتها القوات للحفاظ على وجود المسيحيين في لبنان. وبحماسة، يقاطعها زميلها البالغ من العمر ستة عشر عاماً، ليؤكد أن ماضي القوات يتلاقى مع المستقبل «الذي يعدنا الحكيم كلما التقيناه بأن يكون مشرقاً ومزدهراً، ويمكن الاطمئنان إلى جديّة القواتيين في العمل لأجل وطن أفضل عبر متابعة نشاطهم الكبير وديناميكيتهم في معظم المدارس التي هم فيها».
وجود يرفض مسؤولو القوات الكلام عنه أو التطرق إلى تفاصيله، فيما يصفه آخرون بالوجود الإعلاني البحت، الذي يحاول تشويه الحقيقة عبر تضخيم الأمور. ويشير أحد ناشطي التيار إلى أن القواتيين اعتادوا خلال الحرب «إقفال شارع يسكنه 600 شخص بشابيّن مسلحين فقط، وهم الآن ينتهجون الأسلوب نفسه في بعض المدارس التي يرونها قواتيّة». من جهته، يشدّد مسؤول لجنة المدارس في التيّار شادي مراد على ضرورة التمييز بين حضور القواتيين في الجامعات، وخصوصاً أن القواتيين نجحوا، باشتراك عفوي من بعض العونيين، بالقول إن الكلمة في الجامعات لهم وحدهم.

نقاط قوة الطرفين وضعفهما

يستفيد القوّاتيون من تعاطف إداري كبير معهم في معظم المدارس الرهبانيّة، الأمر الذي يسهل حركة تلامذتهم السياسية ويضيق على المناوئين لهم، فيتمكنون عبر الأموال الكثيرة المرصودة لموازنة المدارس من تنظيم أكثر من نشاط مجاني خلال العام الدراسي، إضافة إلى توزيع أشياء صغيرة تشغل التلامذة وتبقي شعارات القوات بين أياديهم. ويضاف إلى هذا التعاطف، نجاح مسؤولي القوات المدرسيين بإقناع عدد كبير من التلامذة بصوابية التوجهات القواتية، وتصوير مواقف العماد ميشال عون كمجموعة تناقضات لا تستحق المراهنة عليها. أمّا العونيون فيرون أن الإيجابيات التي تحققت خلال العامين الماضيين كثيرة. وأهمها، التوسع خارج نطاق جبل لبنان وبمختلف الاتجاهات، إضافة إلى الانتقال من التوجه السياسي بامتياز لتلامذة التيار إلى رؤية أبعد تأخذ بعين الاعتبار مطالب التلامذة الأكاديمية والترفيهية. وكذلك يعد التيار بإصدار نشرة شبابية شهريّة، تبتعد عن السياسة قدر المستطاع، بالتزامن مع العمل على إعداد ورقة تربوية تنطلق من قناعات التيار وتستقطب أكبر عدد ممكن من التلامذة. وفي ما يخصّ السلبيات، يرى مراد أنّ المشكلة الأساس تكمن بعدم وضوح مكانة الطلاب والتلامذة ودورهم في حزب التيار الوطني الحر، حيث لم يحدّد نظام الحزب الداخلي هذه النقاط. وافتقاد لجنة المدارس للتمويل المناسب الذي يمكنها من مقارعة القواتيين الذين يعمدون إلى توفير بعض المنح التعليمية لهؤلاء، وتعبئة هواتفهم الخلوية، ومخاطبة غرائز البعض عبر إعطائهم «فيلدات» وخناجر، بحجّة ضرورة الحفاظ على الجهوزية للدفاع عن المسيحيين حين تدعو الحاجة.
أمام هذا الواقع، يقول أحد التلامذة المحايدين إنّ معرفة حقيقة الطرف الأقوى في المدارس تستدعي رصد نتائج السنة الأولى في الانتخابات الجامعيّة، حيث نادراً ما يفوز أحد الطرفين بفارق كبير، ولا سيّما أنّ النتائج تظهر تقارباً كبيراً في الأصوات وتبادلاً لأدوار الفائزين والخاسرين بحسب الكليات. ورغم ذلك، لا يتوانى الطرفان عن كيل الاتّهامات، والتفاخر بامتلاك كتلة طالبية كبيرة، متناسين إحصاءات المحايدين التي تغلّب أحدهما على الآخر.

عجز عوني

في الوقت الذي ينشغل فيه العونيون باقتناص الفرص لخوض التجربة في المدارس، بدأ القوّاتيون نشاطهم منذ بداية العام الدراسي الجاري بتوزيع أفلام على أقراص مدمجة تضم مقتطفات من أحاديث للعماد ميشال عون، يعود بعضها إلى ما قبل عام 1988، بهدف إظهار بعض التناقضات في مواقفه. وقبل أن يسترجع العونيون أنفاسهم نتيجة هذه المفاجأة، وزّع القواتيون آلاف الفيلدات وخناجر صغيرة، الأمر الذي كشف عن الميزانية الكبيرة التي يخصصها القواتيون لقطاع المدارس. وهم يعمدون في الوقت الحالي إلى توزيع بيانات أسبوعية وصور وأقراص مدمجة لحزبهم. وفيما يعمد القّواتيون إلى إغراء طلّابه بالرحلات الشهريّة شبه المجّانية، لا يجد العونيّون ما يقدّمونه للطلّاب مجّاناً، فهم غالباً ما يجمعون من أعضاء المجموعة الناشطة تكلفة طباعة البيانات. ويقول أحد مسؤولي التيار في المدارس ادغار عيسى إنهم يشعرون بالعجز أحياناً، وخصوصاً أن استيعاب كل مؤيدي التيار في المدارس يتطلب قدرة تنظيميّة وماليّة كبيرة. ومعظمهم يفضلون أن يكونوا «عونيين من دون تيار». ولعلّ ما يسهم في محدوديّة قدرة التيّار المادّية، أنّ غالبية عونيي المدارس، بحسب عيسى، ينتمون إلى الطبقة الوسطى، فيما ينتمي معظم القواتيين إلى طبقتي الأغنياء ... أو الفقراء.