60 كيلوغراماً من المتفجّرات و5 شهداء و42 جريحاً
حسن عليق ـ رضوان مرتضى

■ عبوة عند نقطة «السرعة صفر» على مستديرة الشيفروليه ـ الحازمية ـ فرن الشباك
■ ردود فعل تعتبر الاعتداء رسالة إلى اجتماع وزراء الخارجيّة العرب

وجوه رجال قوى الأمن الداخلي الذين تجمّعوا، صباح أمس، عند مستديرة الشفروليه ـ الحازمية ـ فرن الشباك، أعادت إلى الأذهان ملامح زملائهم في الجيش يوم اغتيال اللواء فرنسوا الحاج قبل شهر ونصف في بعبدا. أما المواطنون فكالعادة: منهم من يسأل عن قريب أو صديق، ومنهم من دفعه الفضول.
عند العاشرة تماماً، دوى الانفجار على تقاطع طريقين، يؤدي أحدهما إلى حيث اغتيل النائب أنطوان غانم في أيلول الماضي، ويوصل الآخر إلى مكان اغتيال الوزير السابق إيلي حبيقة عام 2002. بالتحديد، تحت الجسر الممتد من المرفأ إلى مستديرة الصياد، اختلطت الأجساد المحترقة بالحديد والنار. وبين أكثر من 6 سيارات مدمّرة ومحترقة بالكامل، وأشلاء بشرية تناثرت على رقعة يزيد قطرها على 150 متراً واختلطت بالتراب والزيوت والزجاج، انتشر عدد هائل من رجال الأمن، أكثرهم من الجيش، إضافة إلى عناصر الصليب الأحمر والدفاع المدني الذين أخمدوا النيران المشتعلة في السيارات الباقية. دقائق قليلة، وتيقن الأمنيون أن المستهدف ضابط من قوى الأمن الداخلي. بعدها مباشرة، حُدّد الشخص المستهدف: النقيب وسام عيد، رئيس الفرع الفني في فرع المعلومات، وأحد أكثر الضباط قرباً من رئيس الفرع المقدم وسام الحسن، وكان معه الرقيب أول أسامة مرعب.
في عدد من السيارات أجساد متفحمة. واحدة من الجثث دفعها الانفجار عالياً لتصطدم بسقف الجسر حيث شوهدت بقايا لأشلاء ودماء، وأخرى غير مكتملة قذفها العصف فسقطت فوق الجسر، مع أشلاء بشرية وأجزاء من سيارات وأغراض شخصية. مرّت 40 دقيقة قبل أن تعلم الأجهزة الأمنية عبر أحد المواطنين بوجود جثة مقذوفة على الجسر، وأن الناس والسيارات يدوسون عليها من دون قصد. عندها، أمر أحد ضباط الجيش جنوده بقطع الطريق فوق الجسر.
على مقربة من مكان الانفجار، مواطنون يحاولون لملمة الأضرار، وخاصة تلك التي لحقت بمبنى شركة مياه صحة ـ نستلة. بعد أكثر من نصف ساعة، سيطرت قوى الجيش على فوضى المكان، فارضةً طوقاً على مسرح الجريمة، ومانعة أياً كان من الدخول بمن فيهم عناصر من أجهزة أخرى. وحده رجل أربعيني تمكّن من الدخول وهو يصرخ باحثاً عن ابن شقيقته بعدما رأى سيارة الأخير في المكان. عاين الجثة وخرج من مسرح الجريمة ليحدّث سيدة فقدت وعيها بعد سماع الخبر: آلان مات.

• التحقيقات الأولية
وتفقّد موقع الاغتيال كل من: المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، رئيس وحدة الشرطة القضائية العميد أنور يحيى وكل من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وقاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر، وأعطوا توجيهاتهم للقائمين على التحقيق.
التخمينات الأولية حول طبيعة الانفجار الذي أحدث حفرة يزيد قطرها على ثلاثة أمتار وعمقها على متر ونصف، أشارت إلى أنه ناتج عن سيارة ملغمة بنحو 60 كيلوغراماً من المتفجرات، كانت مركونة أسفل الجسر، على اعتبار أنها النقطة التي تكون فيها سرعة السيارة قريبة من الصفر، مما يجعل منها هدفاً شبه ثابت. وعلمت «الأخبار» أن المحققين اشتبهوا، بداية، بسيارتين: الأولى من نوع BMW وجد محركها على بعد 30 متراً من الحفرة. والثانية من نوع «نيسان ساني» تضررت بشكل كبير. ومساءً، أسفرت التحقيقات الأولية عن تحديد السيارة المشتبه في تفخيخها، وهي من نوع BMW /320، كحليّة اللون، وتبيّن أنها مسروقة.
التحقيق بدأ بإشراف مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا، وأجهزة التحقيق على الأرض تتألف من الجيش وفرع المعلومات ووحدة الشرطة القضائية، وبشكل خاص قسم المباحث العلمية التابعة لها، والتي أجرت مسحاً شاملاً للمنطقة. فيما استمع المحققون إلى إفادات شهود عيان، بينهم عمال ومهندس كانوا يعملون في ورشة لإصلاح الأرصفة في المنطقة.
«أبو تمام» بائع خضر، سوري الجنسية، يملك بسطة قريبة من الجسر، قال لـ«الأخبار»: كانت السيارات تمر من تحت الجسر ولاحظت واحدة متوقفة، وفجأة سمعت دوي انفجار هائل وطرت عن الأرض ثم أغمي عليّ. وعندما استفقت وجدت نفسي على بعد أربعة أمتار من المكان الذي كنت جالساً فيه. وقال شاهد آخر من سكان المنطقة: «كنت واقفاً على الشرفة، كانت الحركة الأمنية غريبة، سيارات درك وجيش، ورجّحت أن يمر موكب ما، دخلت إلى المنزل وفجأة سمعت صوتاً قوياً جداً.

• الضحايا
ولاحقاً أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بياناً بأسماء الشهداء وهم: النقيب عيد والرقيب أول مرعب، والمواطن جو سركيس وآخر لم تعرف هويته. وعددت أسماء الجرحى وهم: محمد ماجد، سيدة نجم، علي صالح، محمد سلوم، لينا أرزوني، ماري أبو عون، إليانا نجم، جميل طرزي، ماريا فارس، ديالا حلو، ليا الياس، زينة نعمة، فيكتور غطاس، غابي الهندي، عفيف داغر، ربيع عبود، سعيد عازار، عيد الزهرة رمال، محمود عواد، مخايل الطيار، روجيه الخوري، وليد كنعان، شارل معمار، جورج بوحرب، وديع صقر، زينة خوري، جويل حجار، ليليان سركيس، ربيع رعد، محمد هرموش، غسان ديب، أنطوان بو فرحات، روني شكر الله، خالد خير، سامية الشماس، نبيل حمدان، أندريه خوري، ريا عبد الباقي، رجا المغربي، رنا نجم، بيار بو ضرغام، وميشال الزغزغي.

• ردود الفعل
وقد ندّد بالجريمة البطريرك نصر الله صفير، معتبراً أن «اليد لبنانية، لكن العمل غير لبناني». ونعى الوزير حسن السبع عيد ومرافقه، ووقّع مرسوماً بترقية الأول إلى رتبة رائد، والثاني إلى معاون، ومنحهما ميدالية وزارة الداخلية.
وإذ رأت الوزيرة نائلة معوض أن الجريمة تأتي في إطار مسلسل «يهدف إلى ضرب المؤسسة العسكرية الضامنة للأمن والاستقرار وللشرعية»، قال الوزير مروان حمادة إن منطقة الانفجار «قريبة من المربع الأمني الذي لا يخضع لسلطة الدولة». كما استنكر الوزير المستقيل طلال الساحلي الاغتيال، مشدّداً على ضرورة «قيام الوفاق الداخلي».
وحذر «التكتل الطرابلسي» من وجود «مخطّط لإحباط اللبنانيين وزعزعة ثقتهم بمؤسساتهم الأمنية». وقال النائب اسماعيل سكرية إن الجريمة «لا تخدم سوى مستهدفي الأمن والاستقرار»، ووضعها النائب علي خريس في خانة «تسعير نار الفتنة الداخلية، والذهاب بلبنان، بعيداً عن أي وفاق».
ورأى النائب روبير غانم في الجريمة «استمراراً لمسلسل زعزعة الاستقرار، وحلقة ضرب المؤسسات وتعطيلها». وقال النائب إبراهيم كنعان إن «من يستهدف الوضع الأمني في لبنان يريد إبقاء الانقسام بينهم». ورأى النائب محمد عيتاني أن الاغتيال «يهدف إلى ضرب الكيان اللبناني».
ووجّه الشيخ عبد الأمير قبلان نداءً، دعا فيه المسؤولين لـ«أن يصحوا»، ووضع «حزب الله» التفجير في سياق «زعزعة الاستقرار الداخلي، وضرب المؤسسات الأمنية والعسكرية». ورأت «حركة أمل» أنه «استهداف للاستقرار والسلم الأهلي، عبر إرباكات وتفجيرات لا يستفيد منها سوى الأعداء».
واعتبرت الأمانة العامة لقوى 14 آذار عملية الاغتيال استمراراً لـ«مسلسل القتل والتخريب الذي يشنّه النظام السوري».
ورأى الحزب الديموقراطي أن اغتيال عيد يصبّ في إطار «زعزعة الأمن، على قاعدة الفوضى الخلاقة»، كما رأى حزب البعث أنه «عمل إرهابي يهدف إلى إبقاء البلاد في حالة من التوتر والقلق»، ودعا الحزب الشيوعي إلى «تحصين لبنان من أجواء التوتر الدولي والإقليمي».
وقال رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع إن «لبنان يتعرض لحرب غير معلنة»، واضعاً الجريمة في سياق «الهجوم المستمر على الدولة الفعلية». وقال «التيار الوطني الحر» إن «الإجرام المتمادي ما زال مستمراً في محاولاته لتقويض الاستقرار»، كما دعا الحزب القومي السلطة إلى «تحمّل مسؤولية الانكشاف الأمني».
ووضع النائب السابق نسيب لحود الجريمة في خانة «الالتفاف على المبادرة العربية ومحاولة إجهاضها أو حرفها عن هدفها الأصلي».
عربياً، رأى الأمين العام لجامعة الدول العربية أن هذا الاعتداء «يؤدي إلى اتساع الفجوة بين اللبنانيين»، محذّراً من «انزلاق لبنان إلى الهاوية، جراء الفشل في التوصل إلى توافق حول الاستحقاق الرئاسي الذي تأخر كثيراً».
وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إن «أي طرف يخطئ إذا تصوّر أن الاغتيالات يمكن أن تحسم الأزمة السياسية في لبنان لمصلحته»، مضيفاً أن «حملة الاغتيالات التي يشهدها لبنان باتت أمراً لا يمكن القبول به».
ودولياً، دان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «الاعتداء الإرهابي»، مجدداً دعوته اللبنانيين لـ«مواصلة ضبط النفس». واتهمت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا برينو «الذين يسعون الى تقويض مؤسسات لبنان والعملية الديموقراطية وزيادة تأخير اختيار رئيس جديد»، وقالت رداً على سؤال: «لا يمكنني إعفاء سوريا من المسؤولية.. لكنني لست متأكدة من ذلك». كما نددت السفارة الأميركية في لبنان بالجريمة.
وشدّدت فرنسا على أهمية «تسليط الضوء على ملابسات هذا العمل الإرهابي، وسوق مرتكبيه والمحرّضين عليه أمام العدالة». ودعت الأسرة الدولية الى «وضع حد» لهذه الجرائم.
ووضعت الخارجية البريطانية الاعتداء في إطار «الهجمات التي شنّها أخيراً الساعون لزعزعة استقرار لبنان»، كما دانت الخارجية الروسية الهجوم، داعية الى «انتخاب رئيس في أقرب وقت»، لأن «التأخير غير مقبول».


«الخطر في صلب عملنا»

«كل واحد منا في خطر» قال النقيب وسام عيد لـ«الأخبار» قبل فترة وجيزة، مضيفاً، «لكن ذلك لا يعني أن نتوقف عن أداء مهامنا ونذهب إلى منازلنا، فالخطر في صلب عملنا». كان وسام عيد من أولئك الذين لا يُقفلون أبواب مكاتبهم أمام أحد من الرتباء أو الضباط أو من يود مراجعته من المواطنين، وتغلب ابتسامتُه وطابعُ الأخوّة على أسلوب تعامله مع من يعملون تحت إمرته.
وبعكس ما توحيه اللهجة الجنوبية التي يتكلّم بها، ولد النقيب الشهيد عام 1976 في بلدة دير عمار الشمالية. عام 2001، تطوّع في الأمن الداخلي برتبة ملازم مهندس. عام 2005، انتقل إلى فرع المعلومات، وأسهم بأكثر التحقيقات المرتبطة بالعمليات الإرهابية التي استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية، وشارك في التحقيق مع عدد من الشبكات الأصولية، أبرزها تلك التي أوقفت في شباط 2006 بتهمة الاعتداء على ثكنة فخر الدين التابعة للجيش اللبناني. في هذا الملف، بدأ عيد التحقيق يوم الثاني من شباط 2006، وقبل انقضاء 24 ساعة، أُوقِف العدد الأكبر من أعضاء الشبكة.
في الحادي عشر من الشهر ذاته، وُضعت على مدخل منزله في الحدث ـــ حي الأميركان قنبلة صغيرة، انفجرت قبل وصوله إلى الباب لفتحه. بعدها، انتقل عيد إلى منزل جديد في منطقة الدكوانة. إثر اتخاذ قرار بتحويل الفرع إلى شعبة في آذار 2006، عيّن النقيب عيد رئيساً للفرع الفني في «الشعبة»، وتركز عمله على كل ما يتعلّق بالتقنيات المرتبطة بالتحقيقات التي يتولاها فرع المعلومات. يوم 20 أيار 2007، انطلقت شرارة معارك نهر البارد عندما دهمت قوة من «المعلومات» شقةً في شارع المئتين بطرابلس كانت تؤوي عدداً من عناصر «فتح الإسلام» المشتبه في سرقتهم بنك «البحر المتوسط» في الكورة. كان وسام عيد في عداد القوة الداهمة، وأصيب بجروح طفيفة.
نجا عيد من المتفجرة الأولى، ولم يقدر عليه الموت في طرابلس، أما أمس، فقد تأكّد المحققون بعيد الانفجار من أنه استشهد بعد العثور على بطاقة مرافقه الرقيب أول أسامة مرعب. بعد ظهر أمس، رُقي النقيب وسام عيد إلى رتبة رائد شهيد.
أما الرقيب أول أسامة مرعب، فوُلِد في بلدة البيرة العكارية عام 1977، ودخل سلك الشرطة عام 1997. متأهل وأب لولدين. خدم في عدة مراكز قبل انتقاله إلى فرع المعلومات. رُقي أمس إلى رتبة معاون شهيد.
ح. ع.

يوم غابت المعايير الأخلاقيّة!

عمر نشابة

نقلت وسائل الإعلام أمس صوراً تضمّنت أشلاءً بشرية وجثث مواطنين استُشهدوا في مكان الانفجار. وركّزت بعض المحطات التلفزيونية على جثة شابّ كانت في سيارة «رينو رابيد» تجارية، وعلى أشلاء في مسرح الجريمة ومحيطه، ويعدّ ذلك تجاوزاً للأخلاقيات التي يُفترض بوسائل الإعلام أن تلتزمها (راجع الصفحة 13). لكن لم يكن ذلك التجاوز الوحيد للمعايير الأخلاقية والإنسانية، بل حصلت تجاوزات أخرى في سياق نقل الأخبار والتعامل مع مسرح الجريمة، وخصوصاً في ما يتعلّق بالشهداء والجرحى. الجدير بالذكر أن مسؤولية الالتزام بالأخلاق لا تقتصر على الجهات الأمنية والقضائية فقط بل تقع أيضاً على عاتق الإعلاميين والمواطنين أنفسهم.
الملاحظات الرئيسية التي سُجّلت:
1- قذَف الانفجار جثة مواطن وأشلاءً إلى الجسر الملاصق للطريق، ولم تتنبّه السيارات المارة لوجود الأشلاء، إذ ما لبثت أن داستها قبل أن تقوم القوى الأمنية بإغلاق الطريق.
2- كانت وسائل الإعلام أوّل من أذاع اسم النقيب الشهيد وسام عيد عبر النقل المباشر، ويعدّ ذلك تجاوزاً للأصول التي يجري من خلالها تبليغ عائلة ضابط في مؤسسة قوى الأمن الداخلي بخبر استشهاده. إذ يُفترض بقيادة قوى الأمن أن تبلغ ذوي الشهيد رسمياً قبل إعلانه للرأي العام.
3- لم يحدّد نطاق التحقيق المحظور على من ليس له عمل في كامل البقعة التي تناثرت فيها أشلاء الشهداء، فشوهد بعضها في مكان يبعد أكثر من 150 متراً عن الحفرة التي أحدثها الانفجار بينما لا يتجاوز نطاق المنطقة المحظورة 100 متر.
4- لم تُسهّل عملية نقل الجرحى بواسطة الإسعافات، إذ شوهدت أعداد كبيرة من المواطنين في الطرق المحيطة بمسرح الجريمة ما أخّر تحرّك سيارات الإسعاف بسبب الازدحام.
5- شوهد عدد كبير من المواطنين في مسرح الجريمة وهم يلتقطون صوراً للأشلاء البشرية والشهداء بواسطة هواتفهم الخليوية لتناقلها فيما بعد، ما يحوّل الصور إلى مادة للحشرية وذلك يخالف المعايير الإنسانية.
6- لم تجمع جهات رسمية الأغراض الشخصية التي تعود إلى الشهداء والجرحى، والتي تناثرت في المكان، فشوهد مثلاً دفتر لونه زهريّ يحتوي على كتابات خاصة، كما شوهدت أوراق شخصية محترقة الجوانب وأشياء أخرى.

دير عمار مصدومة: ابننا مات، وبعده «ما في شي بيحرز»

دير عمار ـ عبد الكافي الصمد

ما إنْ أذيع نبأ استهداف رئيس الفرع الفنّي في شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي النّقيب وسام محمود عيد في الانفجار الذي وقع أمس في محلة الشفرولية، حتى عمّ جو من الترقب والذهول مسقط رأسه في بلدة دير عمار في قضاء المنية، وأصيب ذووه وأصدقاؤه وأهالي البلدة بالصدمة، قبل أن يبادر قسم منهم بالنزول إلى بيروت بعد إجرائهم اتصالات سريعة، تأكدوا بعدها من أن ابنهم قد لقي حتفه.
لكن ما كادت تمرّ دقائق معدودة، حتى استفاق أفراد عائلته وأبناء البلدة من صدمتهم، فاندفعوا بالعشرات صوب الطريق الداخلية، فقطعوها بإطارات السيّارات المشتعلة، قبل أن يتوجهوا قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف نحو الطريق الدولية، التي تربط طرابلس بالمنية وعكّار والأراضي السورية، فعمدوا إلى إشعال إطارات السيّارات في موقعين قرب القصر البلدي، ثم في موقع ثالث عند المدخل الشمالي للبلدة قرب ثكنة الجيش اللبناني في عرمان.
الغضب كان بادياً بوضوح على وجوه المعتصمين، وعبثاً حاول بعض رجال قوى الأمن الداخلي والجيش التدخل من أجل إقناعهم بفتح الطريق. «ما حدا يحكي معنا بفتح الطريق، يلي مات ابننا، وبعده ما في شي بيحرز، ويلي بيقول إنّو مات شو نفع كل هالشغلة، يسكت أو يروح على بيته أحسن»، يقول أحد أقربائه بغضب ظاهر. فيردّ عليه عنصر من قوى الأمن الداخلي: «إنت ما بتعرف وسام أكثر مني، أنا كنت معو بالدورة، في ناس جايي تعزّي بالشهيد، عيب يلي عم بيصير، ولا بيقدم ولا بيعمل شي».
لكنّ كلّ التدخلات بقيت بدون طائل، ولم تفلح في إقناع المعتصمين الذين هدّدوا بإبقائها مقطوعة حتى الغد، وهو الأمر الذي جعل أرتال السيّارات والآليات تمتد على مسافة أكثر من ثلاثة كيلومترات، جنوباً باتجاه بلدة البدّاوي، وشمالاً باتجاه بلدة المنية، وأدى إلى ازدحام السير على الطريق الوحيدة التي تربط تلك المناطق بعضها ببعض، ما دفع العديد من المواطنين إلى الترجّل من السيّارات وعبور المكان مشياً على الأقدام. إلا أنّ ما زاد الطين بلّة، أنّ منسق «تيّار المستقبل» في المنية عامر علم الدين، ورئيس صندوق الزكاة التابع لدار الفتوى فيها الشيخ رسلان ملص، حاولا التدخّل بقوة من أجل فضّ الاعتصام وفتح الطريق، إلا أن ردّ المعتصمين كان عنيفاً، إذ تطوّر الأمر من تلاسن حاد إلى تضارب بالأيدي وركل بالأرجل، وحاول بعضهم استخدام أسلحته الفردية، لكنّ تدخل القوى الأمنية حال دون تطوّر الأمور نحو الأسوأ.
وبعد مرور نحو ساعتين، وإثر اتصالات أجراها رئيس البلدية أحمد عيد بالمعتصمين هاتفياً من بيروت، مشدّداً عليهم فتح الطريق لأنّ «هذا التصرف يسيء إلينا جميعاً»، وبعد تدخّل بعض وجهاء وفاعليات عائلة عيد والبلدة، أعيد فتح الطريق أمام حركة العبور. عيد أوضح لـ«الأخبار» أنّ «جثّة الشهيد ستنقل قبل ظهر اليوم (السبت) من مستشفى أوتيل ديو، وبعد إجراء المراسم الرسمية لها في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، سينقل الجثمان إلى دير عمار، حيث ستقام صلاة الجنازة، قبل أن يُوارى في الثرى في مدافن العائلة».

◄ لحّود: الجريمة تخدم أعداء لبنان
ندّد الرئيس إميل لحود بجريمة التفجير التي «تخدم أعداء لبنان الذين يتحيّنون الفرص لإضعاف الوطن، من خلال استهداف مؤسّساته السياسية والأمنية وزرع الفوضى والقلق في البلاد»، مؤكّداً أن الرد الطبيعي على مثل هذه الجرائم يكون بـ«التضامن والتماسك والتعاضد، لإفشال مخططات المجرمين الذين ينتقلون من هدف إلى آخر لشلّ قدرات الدولة وتعميم اليأس في نفوس اللبنانيين المدعوين، أكثر من أي وقت مضى، إلى التصدي للمجرمين ومن يقف وراءهم داخل لبنان وخارجه».

◄ الحصّ يطالب بكشف هويّة المجرمين
شجب الرئيس سليم الحص، في بيان أصدره أمس، جريمة «الشفروليه»، ونبّه إلى أن «يد الإرهاب الآثمة ما زالت تتربّص الدوائر بهذا الوطن الجريح»، مؤكّداً أن «الجناة لن يرعووا عن غيّهم في مواصلة هذا المسلسل الإجرامي الفظيع إلا عندما يكشف التحقيق هوية المجرمين، ولو مرة واحدة»، فـ«ما دام المجرم لا يلقى عقاباً، فإن المسلسل الرهيب سيستمر. والعياذ بالله».

◄ كرامي: لتحصين الوحدة في مواجهة الفتن
استنكر الرئيس عمر كرامي جريمة اغتيال النقيب وسام عيد ومرافقه وعدد من المواطنين، وطالب الأجهزة الأمنية بـ«العمل لاكتشاف المجرمين القتلة ومحاكمتهم»، داعياً إلى «تحصين الوحدة الداخلية لمواجهة هذه الأعمال الإجرامية، بمشاركة كل القوى السياسية بحكومة وحدة وطنية تشكّل سدّاً موحّداً منيعاً في وجه المؤامرات والفتن التي يتعرّض لها لبنان».

◄ ميقاتي: التفجير حلقة في المسلسل المؤسف
أشار الرئيس نجيب ميقاتي إلى أن حادث التفجير «حلقة في المسلسل المؤسف المتنقّل الذي يصيب لبنان، قيادات وشعباً ومؤسسات»، فـ«كلما حققنا خطوة إلى الأمام في مسيرة الوفاق والاستقرار، تأتي الأحداث لتعيدنا خطوات إلى الوراء».
وكان الرئيس ميقاتي قد اتصل بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي معزياً.

◄ الحريري: الجريمة رسالة لكلّ العرب
دان النائب سعد الحريري جريمة اغتيال عيد «المعروف بسجلّه الناصع في كشف جرائم الإرهاب والتخريب»، مذكّراً بأن شعبة المعلومات «كانت هدفاً لحملات سياسية وإعلامية، محلية وإقليمية، شاركت فيها أجهزة إعلام النظام السوري ومواقع الإنترنت التابعة له».
ورأى الحريري أن جريمة الاغتيال هي «رسالة واضحة لكل العرب، بأن مصير هذا البلد سيبقى محكوماً بالإجرام والإرهاب».

◄ ريفي: الرسالة وصلت... ولن يردعنا أي استهداف
أكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، بعد تفقّده موقع جريمة اغتيال النقيب الشهيد وسام عيد في الشيفروليه، الاستمرار في «حماية لبنان»، و«لن تردعنا أو تخيفنا أي عملية استهداف».
وختم ريفي كلامه بالقول: «الرسالة وصلت. إنها رسالة إرهابية لنا، عبر استهداف النقيب المهندس الشهيد عيد الذي كان يعمل على كل الملفات التي لها علاقة بالتفجيرات الإرهابية، وله دور تقني فيها».

سيرة الإرهاب وحصيلته

شهد لبنان، خلال السنوات الثلاث الفائتة، سلسلة انفجارات واغتيالات ذهب ضحيتها 80 قتيلاً و590 جريحاً. بدأت الاستهدافات في 1 تشرين الأول 2004 بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة. وفي ما يلي جدول بتسلسل هذه الأحداث:
بدأ عام 2005 باغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط.. تلت ذلك 5 انفجارات استهدفت المواطنين خلال أشهر: آذار، نيسان وأيار. ثم عادت سلسلة الاغتيالات في 2 حزيران، فطالت الصحافي سمير قصير، وبعده السياسي جورج حاوي في 21 حزيران، تلتها محاولة اغتيال وزير الدفاع الياس المر في 12 تموز. أعقب ذلك 3 انفجارات طالت المواطنين خلال أشهر: تموز، آب وأيلول.
في 25 أيلول، نجت الزميلة مي شدياق من محاولة اغتيال، قبل أن يستشهد النائب والزميل جبران تويني يوم 12 ك1.
بدوره، شهد عام 2006 استشهاد القائد في «حركة الجهاد الإسلامي» محمود المجذوب وشقيقه نضال في 26 أيار. وفيما نجا المقدّم في فرع المعلومات، سمير شحادة، من الاغتيال يوم 5 أيلول، استشهد في 21 ت2 وزير الصناعة بيار الجميل بإطلاق نار في الجديدة.
أما عام 2007، فقد بدأ باستهداف المواطنين بتفجير حافلتين مدنيتين في عين علق، يوم 13 شباط، واستتبع بـ5 انفجارات خلال شهري أيار وحزيران. ثم اغتيل النائب وليد عيدو في 13 حزيران، واستهدفت دورية للكتيبة الإسبانية في اليونيفيل في 24 منه، والكتيبة التانزانية في 17 تموز.. وانتهى العام باغتيال النائب أنطوان غانم في 19 أيلول، والعميد فرنسوا الحاج في 12 ك1.
أما ك2 2008، فقد بدأ باستهداف الكتيبة الإيرلندية في الثامن منه، ثم سيارة للسفارة الأميركية في 15 منه، وصولاً إلى استشهاد النقيب في فرع المعلومات وسام عيد أمس.