حاوره نادر فوز تصوير مروان طحطح

أُعلنت الهدنة بين الوزير السابق سليمان فرنجية وبكركي وأنصارها السياسيين. مرّ عمرو موسى إلى لبنان ولم يلتق زعيم زغرتا، فيما كان خط بنشعي ـــ اليرزة «شغّالاً» والطريق إلى دمشق مفتوحاً على حوار جدّي. المبادرة العربية أفشلها حاملها، بحسب فرنجية، والحل ليس بالحوار ما لم تكن النيّة الوفاقية موجودة لدى الجميع

• لماذا هذا الهجوم على بكركي؟
أولاً لأنّ سيّدنا أقرب إلى الفريق الآخر، وهو طرف في السياسة، يستقبل الوفود ويشكر السنيورة. بكركي لا تمثّلنا في السياسة وليست مرجعيّتنا السياسية، ونحن فريق أساسي في المسيحيين. بكركي هي مرجعية دينية فقط. ونحن لا نتعاطى بسياسة بكركي الداخلية ومن سيُنصّب بطريركاً، لكن نتمنى من القادم بعد البطريرك نصر الله صفير ألا يحوّل بكركي إلى منبر سياسي، ومن ينتقدنا سياسياً فعليه تحمّل ردود الفعل. المشكلة ليست مع الشخص، لكن شخص صفير اليوم يتعاطى لا كأب للجميع بل كطرف. ليس ما يواجه بكركي مشروع سياسي، بل إن بكركي وضعت نفسها في مشروع سياسي مناقض لمشروعنا، ونحن نستخدم صلاحياتنا السياسية. وأنا أتصوّر أن كثيراً من المسيحيين يفكّرون مثلي. الفرق بيني وبين الآخرين هو أني أقول هذا الأمر، فيما غيري لا يقوله. والبعض يقول إنّ أسلوبي خطأ لكن هذا أسلوبي، والمهم أنّ 80% من المعارضة موافقون على المضمون وغير موافقين على الأسلوب. والأهم هو المضمون، وأنّ هناك مشكلة يجب حلّها. وأنا أرى أنّ المنبر الذي وُضع على باب بكركي هو سبب الزيارات المفتوحة من جانب فريق الأكثرية لزيارة بكركي، وهذا المنبر أصبح يصغّر بكركي. يجب رفع هذا المنبر. وأنا قلت ذلك للبطريرك صفير، وربما قلت أموراً أكثر من ذلك.

• قائد القوات اللبنانية انتقد أسلوبكم؟
مشكلة سمير جعجع أنه ليس فقط مجرماً بل مجرم وقح. لقد استغرب تصرفنا مع بكركي متسائلاً هل يتصرف أحد مع أمه هكذا؟ فهل ترك لنا أمّاً لكي نعرف كيف نتصرف معها؟ ويقول كيف لقاتل بنازير بوتو أن ينام؟ هذا إنسان مكشوف، وقد خرج من السجن أسوأ، بعدما رأى العديدون أن المرحلة السابقة كفيلة بتغييره. وأنا شخصياً كنت متعاطفاً معه في السجن، ولكنه خرج فخوراً بماضيه وبالعار. ومنذ خروجه عدنا إلى استشعار العنف.

• ما هو برأيك دور الفاتيكان؟
دوره وفاقي كمرجعية دينية. لم أر يوماً الفاتيكان يتدخل في سياسة إيطاليا أو سياسة أي دولة كاثوليكية. وهو ليس معي. بالتأكيد يمكنه القول إنه إلى جانب بكركي، لكن بالتأكيد إن الفاتيكان مع الوفاق المسيحي ومع أن يكون جميع المسيحيين مرتاحين وليس مع أن تكون هناك مشكلة داخل الطائفة. وأنا أتمنى على الفاتيكان أن يجري استطلاعاً للرأي لنعرف ما الذي يقوله الناس: هل يبقى البطريرك أم يتنحّى؟... وبالتأكيد فإن الاستطلاع يجب ألا يقوم به أنطوان الشويري (صاحب شركات الإعلان) بل آخرون.
• كيف هي علاقتكم مع المطران سمير المظلوم؟
إنه إنسان محترم والعلاقة معه ممتازة ووظيفته الدفاع عن بكركي. وإذا قال إني على حق فهو خائن لقضيته. لكن في الوقت نفسه، العلاقة ممتازة وهو يحاور ويناقش ويتصرّف كمطران. الفرق بين مظلوم والبطريرك، أنه عندما تحدثنا عن المطران يوسف بشارة، قال لي صفير «بدو أكثر، لم تقصّر بحقه»، فيما مظلوم كان يدافع عن بشارة، لأنه يرى أنّ هذا الكلام ليس جيداً بحق مطران. إنها عقلية تختلف عن أخرى، والمطلوب تغيير العقلية السائدة في بكركي.

• بالانتقال إلى ملف المبادرة العربية، لماذا لم يحصل لقاء بينكم وبين عمرو موسى؟
ربما بعد لقائي وزير الخارجية الفرنسية برنارد كوشنير وآخرين حصلت بعض «الكرايز» عند بعض الوزراء والسياسيين اللبنانيين، حتى صار اللقاء معنا يوجب لقاءات مع آخرين. ثم إن المعارضة انتدبت الجنرال عون محاوراً عنها، وقد لا يكون الأمر أني أحب رؤية موسى أو هو يحب رؤيتي. هذا اللقاء لن يُنقص من قيمتي أو يزيد من قيمته. وهو يعرف رأيي جيداً.

• ما هي المعطيات عن الاجتماع الوزاري العربي؟
المعطيات بسيطة جداً. الكاتالوغ الذي وضعوه ليعمل اللبنانيون على أساسه لم ينجح. سيجتمعون إما لتغيير هذا الكاتالوغ وتحسينه، وإما ليعترفوا بأنهم لم ينجحوا. فقد وضعوا برنامجاً علينا تنفيذه، دون أن يسألوا عن وفاق أو رأي السياسيين أو الناس. و«أهضم» ما يطرحه البعض هو أنه يجب تبنّي المبادرة بالكامل أو رفضها بالكامل، كأنّها أمر يجب تنفيذه ولا يحق لنا مناقشته. وأنا أتمتّع باستقلالية ذاتية تمكّنني من قبول أي شيء أو رفضه. والمفارقة أنّ قوى الموالاة كانت تقول إننا ننفّذ أوامر سوريا وإيران، ومشكلتهم اليوم معنا أننا لا ننفذ أوامر سوريا وإيران.
تنصّ المبادرة على أنّه لا أحد يملك حق التعطيل. وتفسير هذا الأمر بنية حسنة يعني أنّه لا أحد يملك الثلث، وتفسيره بنيّة سيّئة يعني أن على رئيس الوزراء أن يكون حيادياً. طرحنا المسألة بنيّة حسنة، مع العلم بأنّ رئيس الحكومة يملك حقّ التعطيل. إلا أنهم فسّروا الأمر كما شاؤوا عبر 14ـــ10ـــ6 متمسكين برئاسة الحكومة. مع العلم بأنه حصل جدل في الاجتماع الذي عقد في منزل عمرو موسى، وفسّر الأمر مثالثة متساوية إلا أنّ الأمر فُسّر لاحقاً بصورة مغايرة.

• هل رفض العماد سليمان العشاء مع العماد عون عبر رسالة قصيرة؟
هذا الأمر ليس صحيحاً. نقلت أنا شخصياً دعوة العماد عون العماد سليمان إلى العشاء، إلا أنّ سليمان لم تعجبه المسألة، وهذا من حقّه، فاعتذر عن عدم حضور العشاء. لكن الرسالة القصيرة كانت اعتذاراً مني عن عدم تلبية هذا الأمر. وأنا زرته أكثر من مرّة كممثل للمعارضة. تباحثنا في عدة أمور، تفاهمنا على بعضها ولم نتفاهم على أمور أخرى. وفي أحد الأيام سنكشف ما حصل.

• هل قال سليمان إن فرنجية وإلياس المرّ خط أحمر؟
لم يقلها لي مباشرةً، بل قالها لأحد زوّاره ونقلت إليّ.
• في أي حصة سيكون إلياس المرّ؟
إنّ إلياس المرّ اليوم هو في حصة الرئيس، فأصبح للموالاة نصف الحكومة إضافةً لرئيسها. لكن علينا الانتظار لنرى في حصة من سيكون المرّ إذا حصل توافق على اسم آخر غير العماد سليمان.

• هل لا يزال العماد سليمان مرشحاً توافقياً؟
لا نقول توافقي أو غير توافقي. ربما التوافقي برأيه هو الذي لا يعطي أحداً حقاً معيّناً. ومن حقّه أن يفكر بهذه الطريقة. لكن برأينا التوافق هو الذي يعطي كل طرف حقّه، ونحن إذا أعطانا سليمان حقّنا فهو أبدى من غيره، وإن لم يفعل فنحن لا ندعمه. لكن العتب على سليمان أنه تخلّى عن مسؤولياته فكنّا ننتظر منه أن يضمن لنا الثلث الضامن كما ضمن النصف لفريق السلطة.

• ما هي النظرة السورية إلى سليمان؟
اليوم لا أعلم، لكن سابقاً كان رأيهم به جيداً على اعتبار أنه ليس من أمر عاطل بينهم وبينه.

• ماذا عن إعلانكم أنّ المعارضة لن تقبل بالتسوية حتى لو قبلت بها سوريا؟
من لا يعرف الرئيس بشار الأسد يجهله في هذا الموضوع. عندما اتّفقت سوريا مع الفرنسيين على المبادرة السابقة، بحثت المعارضة الأمر وبلّغت السوريين أنّ الثلث الضامن ليس مضموناً، إذ إنّ الرئيس لا يمكن أن يعطينا الثلث. وعندما بحثنا في قانون الانتخاب قلنا إنّ الموالاة لا تضمن أيضاً هذا القانون. وتبلّغ السوريون أننا لم نحقق مطالبنا في الثلث والقانون الانتخابي، وجاء ردّ الأسد أنه يفهم موقفنا من عدم الموافقة على المبادرة. رأى الفرنسيون أنّ على النظام السوري فرض هذه الأمور علينا، إلا أنّ الردّ السوري رفض، مشيراً إلى ضرورة تنظيم العلاقة السورية الفرنسية عن الملف اللبناني، والرئيس الأسد لا يبيعنا من أجل مصالح آنية. ربما مصلحة سوريا كانت تقتضي أن تتجاوب مع الفرنسيين خلال المبادرة التي توصّل إليها الطرفان، لكنه رفض وعود الرئيس نيكولا ساركوزي بزيارة دمشق وحصول انفتاح دولي على سوريا مقابل فرض المبادرة على المعارضة، وعادت الأمور بين الدولتين إلى الصفر.

• عقدت لقاءات عديدة وجرى حوار بين الأطراف اللبنانية، فهل تعتقد بأنّ الحوار الداخلي لا يزال هو الحلّ؟
وصلنا كمعارضة، ربما بسبب نيّتنا السليمة أو بسبب غلطة تكتيكية سياسية، إلى مرحلة لم نعد نملك فيها أوراقاً أو تنازلات نقدّمها دون أن تضرّ بمصالحنا. كل ما يمكن تقديمه بعد اليوم هو من اللحم الحيّ. أما الموالاة فتستطيع تقديم جزء كبير مما تملك دون أن تؤثر هذه التنازلات على وجودها. لذلك المطلوب هو تنازل الموالاة بوزير. ألا يرى أحد أنّ البلاد معطلة لأن الموالاة رفضت إعطاء وزير إضافي، فيعود الحوار إلى طاولة مجلس الوزراء التي تصبح طاولة حوار لأن الجميع مشارك فيها. لكن من يرفض إعطاء هذا التنازل ليس قوى 14 آذار بل إرادة إقليمية تفرض سير البلد في اتجاه معيّن في السياسية الإقليمية العالمية لا في الاتجاه الآخر.

• لم يناقش قانون الانتخاب فهل من توافق عليه؟
هم متّفقون على مبدأ القضاء، لكن أيضاً في عهد الرئيس رفيق الحريري توافقنا على مبدأ القضاء واختلفنا على تقسيم بيروت. لذلك على من يوافق على المبدأ أن يوافق على التفاصيل أيضاً. ولكي تنجح هذه المبادرة، يجب أيضاً تحديد القانون الانتخابي كاملاً، بحيث يكون المشروع جاهزاً لإقراره فوراً في المجلس النيابي. قد تكون نيّتي سيّئة، لكن 70% من مسيحيي 14 آذار لا يناسبهم قانون القضاء، لذلك لن يوافقوا عليه. ولا تجوز العودة إلى قانون الـ2000، وخاصةً أنّ مسيحيّي 14 آذار يسعون للمحافظة عليه. وقائد الجيش يقول إنه ملتزم القضاء، لكن أيّ قضاء؟ فهل هو وعد سعد الحريري بعدم تقسيم بيروت، أم يقسمها بطريقة ترضي الحريري؟

«البطريرك» سليمان بيك

ثائر غندور

في يوم زغرتاوي، احتشد مناصرو سليمان فرنجية حوله يخطب. خرجت امرأة مسنّة من بين الحشود لتقول له: «إنت البطرك يا سليمان». تلقّف الزغرتاويون الكلمة وردّدوها فحوّلوها إلى أغنية.
«بطريريك» زغرتا صريح جداً. يفتخر بغنائم صيده المعلّقة في منزله الخشبي وسط غابات زيتون. لا يعتبر الصيد مضرّاً بالبيئة، لا بل يرى أن الصيّاد هو أكثر من يحافظ على بيئته. يطيل شرحه، وما يلبث أن يُقنعك بنظريّته وهو الذي اشترى 10 آلاف طير حجل وأفلتها في منطقة زغرتا. انتقل من دولة إلى أخرى في سبيل صيد دبّ هنا وغزال هناك، لتكتمل «اللوحة الفنيّة» في منزله.
سليمان فرنجيّة، الطفل الذي شاهد عائلته تُقتل أمام عينيه. هو ربما سامح، لكنّه بالتأكيد لا ينسى. واليوم، يشعر بالأمان لا بالأمن، وكيف لا يشعر بذلك، إذ إن أهالي المنطقة يتحوّلون بطرفة عين إلى حرّاس أمن «البيك» الذي لا تشعر بوجود مربّع أمني عنده.
تشعر ببساطته وتواضعه، لكن لا يُمكنك إلّا أن تنتبه أنّه وُلد في منزلي رئاسي. يمارس عليك عادات رئاسيّة تبدو الحياة الطبيعية مستحيلة في ظلها، يدمجها فرنجيّة بصراحة واضحة يراها البعض «وقحة» وهو لا يُنكر أن الكثيرين ينزعجون من أسلوبه. فتجده يتحدّث بطلاقة ووضوح عن علاقته الممتازة بالرئيس بشار الأسد «الصديق الذي أتحدث معه كما أتحدّث معك». المميّز في هذه العلاقة أنّها علاقة سياسيّة لم تمرّ يوماً بضبّاط عنجر.
لا يتحدّث فرنجيّة كثيراً عن المقاومة لكن عبارة واحدة تكفي: «عندما غيّر العرب علاقتهم بالمقاومة، غيّرت المقاومة المعادلة».
فجأة يتوجّه فرنجيّة بالحديث إلى الزميل مروان طحطح. يتسايرون عن أحوال الكاميرات، وهو المتابع لتكنولوجيا الكاميرات الرقميّة. يُخبر زميلنا عن مميزات إحدى أحدث الكاميرات في العالم، وهي ستصله بعد أسبوعين.