سحب وزارء الخارجية العرب أمس تفسير عمرو موسى للمبادرة العربية الخاصة بالأزمة اللبنانية، وخاصة في ما يتعلق بنسب توزيع المقاعد الوزارية في الحكومة المقبلة، التي أكدوا ضرورة تحديدها من خلال مشاورات مع الأطراف المعنية، يتوقّع أن يجريها الأمين العام للجامعة العربية في بيروت في موعد لم يُحدّد
الوزراء العرب لا يقرّون تفسير موسى: النسب تُحدّد توافقياً
القاهرة ــ خالد محمود رمضان

دعا وزراء الخارجية العرب، بعد اجتماعهم في القاهرة أمس، الغالبية النيابية والمعارضة في لبنان الى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في الجلسة البرلمانية المقبلة المحددة في 11 شباط المقبل.
وحث الوزراء، في البيان، «جميع الأطراف اللبنانية على التجاوب مع مساعي الأمين العام للجامعة العربية، والاستمرار في اللقاءات التي بدأت بين أقطاب الغالبية والمعارضة بدعوة من الأمين العام لتنفيذ المبادرة، ودعوة الأطراف الى إنجاز انتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان في الموعد المحدد لجلسة الانتخاب في 11/2/2008».
ودعا الوزراء العرب، في بيانهم، الى «إجراء مشاورات للاتفاق على أسس تأليف حكومة الوحدة الوطنية وبدء العمل على صياغة قانون جديد للانتخابات فور تأليف الحكومة».
وكلف الوزراء الأمين العام للجامعة عمرو موسى «معالجة نسب التمثيل في الحكومة مع الطرفين المعنيين في اجتماع الأطراف اللبنانية، ودعم جهود الأمين العام في مساعدة تلك الأطراف على الوصول الى حل توافقي في ما بينها».
وأعرب الوزراء العرب، في بيان منفصل، عن «إدانتهم» لاغتيال الرائد وسام عيد من قوى الأمن اللبنانية الجمعة الماضي. وأكدوا أنه «في ضوء ما شهده لبنان من أحداث أمنية مؤسفة، فإنهم يدعون جميع الأطراف اللبنانية الى التكاتف درءاً للفتنة، والى التزام التهدئة وضبط النفس وعدم شحن الأجواء ونقل التوتر الى الشارع واحترام القانون والنظام العام».
وأكد عمرو موسى، في مؤتمر صحافي، أن لا تغيير في المبادرة العربية، التي تمسك بها الوزراء العرب «نصاً وروحاً»، مشيراً إلى أن الجامعة العربية تريد مساعدة اللبنانيين على التوصل إلى حل توافقي، ما يعني أنه لن يكون ما تريده الأكثرية بالكامل ولا ما تريده المعارضة بالكامل.

• الفيصل والمعلم

وكانت أجواء إيجابية قد سادت بداية الاجتماع، حيت تأبّط وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، ذراع نظيره السوري وليد المعلم ودخلا معاً إلى قاعة الاجتماع. لكن أصوات الاحتجاجات الدامية التي شهدتها بيروت سُمعت بقوة في قاعة الاجتماع الذي تأخّر انطلاقه بضع ساعات عما كان مقرراً بسبب استمرار المشاورات بين الوزراء المعنيين بشأن مقرّرات البيان الختامي للقاء، الذي عُقد وسط إجراءات أمنية اعتيادية وحضور إعلامي لافت.
وتحفّظت سوريا على التقرير الذي قدّمه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى المجلس الوزارى العربي بشأن جهوده لتسوية الأزمة اللبنانية وزيارته الأخيرة إلى بيروت. وقال مشاركون في الاجتماع، لـ«الأخبار»، إن التحفّظ السوري مبعثه أن دمشق رأت أن موسى قد انحاز للأكثرية اللبنانية أكثر مما ينبغي.
ونفى مصدر دبلوماسي سعودي لـ «الأخبار» حدوث مشادة كلامية بين المعلم والفيصل من جهة، وبين المعلم وموسى من جهة أخرى، بشأن تقرير الأمين العام، فيما قال مسؤول سوري إن موسى وعد بأخذ الملاحظات السورية، التي تقبّلها في هدوء، بالاعتبار.

• تقرير موسى

وكان موسى قد قال في تقريره إن «المخاوف كبيرة من أن تؤدي حالة الاحتقان والانقسام السياسي السائدة حالياً في لبنان إلى توترات وانفجارات أمنية سيكون من الصعب التعامل معها، وخصوصاً أن المعلومات المتداولة بين اللبنانيين تشير إلى أن هناك عمليات تمويل وتسليح واستعدادات لتصعيد الموقف ونقل المواجهة إلى الشارع، الأمر الذي يقتضي التحذير من مخاطر جمود المساعي العربية في معالجة الأزمة اللبنانية الذي سيؤدي في ظل حالة الفراغ في سدة الرئاسة إلى الانزلاق نحو أتون الفتن والاضطرابات الأمنية بما تحمله من تداعيات خطيرة على مستقبل الأمن والاستقرار في لبنان وكذلك في المنطقة».
وقال موسى إن «الخلاف المحتدم على حصة كل طرف في تشكيلة الحكومة المقبلة... يحمل في طياته أبعاداً وتوجّهات تتجاوز الأرقام (وزير أو وزيرين بالناقص أو بالزيادة لأيّ من الطرفين)». وأوصى بأن «تأخذ الجهود العربية لحل الأزمة في الاعتبار المخاوف والهواجس السياسية والأمنية للطرفين وموقعهما في اللعبة السياسية اللبنانية بأبعادها العربية والإقليمية والدولية».
وأكد موسى، في تقريره، أنه تقدم باقتراح، بعد اتصالات عديدة، بأن تؤلّف الحكومة على قاعدة 13 وزيراً للأكثرية و10 للمعارضة و7 يختارهم رئيس الجمهورية، وأن «فريق الأكثرية وافق من حيث المبدأ» على هذه الصيغة لكن المعارضة رأت أنه لا بد من اعتماد المثالثة في توزيع الحقائب الوزارية (10-10-10) أو الحصول على «الثلث الضامن». وأوضح أن سوريا «ترى أن صيغة المثالثة هي الصيغة المنطقية لكونها تحقق التوازن المطلوب بين الأفرقاء وتضمن تطبيق الصيغة اللبنانية: لا غالب ولا مغلوب».
وقال دبلوماسي عربي شارك في الاجتماعات، لوكالة «يونايتد برس انترناشونال»، إن موسى وجه اتهامات إلى معظم السياسيين اللبنانيين بأن «لديهم ارتباطات خارجية يعتمدون عليها لفرض شروطهم».
وأوضح الدبلوماسي نفسه أن موسى قال، خلال تقريره، إن «السياسيين اللبنانيين يعتمدون في اتفاقهم على اتصالات الخارج». وقال إن معظم وزراء الخارجية العرب رفضوا طلباً سورياً بأن تفسّر المبادرة العربية للبنان على قاعدة المثالثة (10+10+10)، لافتاً إلى أن ليبيا كانت الدولة العربية الوحيدة التي أبدت تعاطفها مع المطلب السوري.
وأكد الدبلوماسي أن موسى حذر خلال عرضه لتقريره عن لبنان من أنّ عدم انتخاب رئيس جديد قبل 11 شباط سوف يعقّد مهمة عقد القمة العربية في دمشق في آذار المقبل. ونقل عن موسى قوله إن «القمة العربية جاءت وفق ميثاق الجامعة العربية، وإن عدم انعقادها سوف يوجّه ضربة للميثاق، وإذا حدث ذلك، فسوف تكون المسؤولية واضحة عمن سيتحملها».

• مذكرتان

ووزعت الأمانة العامة للجامعة العربية على وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم أمس نص مذكرتين متعارضتين للأكثرية والمعارضة في لبنان. وقالت الأكثرية، في مذكرتها، إن المبادرة العربية «لم تصطدم بغير جدار النظام السوري»، واتهمت «البعض في الداخل، برعاية مباشرة من النظام السوري، برفع الجدران أمام أي حل للأزمة السياسية».
أمّا مذكرة المعارضة، فتضّمنت ألا «يكون التحرك العربي منحازاً لأي طرف في لبنان حتى يؤدي الغايات المرجوة منه». وطالبت بضرورة أن يتعامل التحرك العربي وفقاً لمبدأ «الموالاة عين والمعارضة عين، والعينان هما لوجه واحد ويجب عدم تفضيل عين على أخرى أو السماح لواحدة بأن تقود الأخرى».
وكانت اللجنة الخماسية العربية المعنية بالأزمة اللبنانية قد عقدت اجتماعاً تشاورياً مغلقاً في النادي الدبلوماسي المصري بحضور عمرو موسى ووزراء خارجية مصر والسعودية وسوريا وسلطنة عمان وقطر.
وقالت مصادر مطلعة إنه جرى خلال الاجتماع بحث استئناف المسعى العربي لحل الأزمة السياسية في لبنان وحل إشكالية التفسير الخاص بالبند الثاني في خطة العمل العربية لحل الأزمة اللبنانية المتعلقة بتأليف حكومة الوحدة الوطنية.
وقال دبلوماسي عربي، لـ«يونايتد برس انترناشونال»، إن مصر والسعودية أصرتا على تثبيت المبادرة العربية وضرورة انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية «فوراً» ورفض تقديم أسماء مرشحين آخرين. وقال الدبلوماسي نفسه إن الاجتماع شهد توتراً بعدما اشتكى المعلم من «موقف عدائي» من دمشق اتخذه موسى خلال جولته بين بيروت والعاصمة السورية الأسبوع الماضي.
بدوره، شدّد وزير الخارجية بالوكالة طارق متري للصحافيين على ضرورة إعطاء الأولوية القصوى لانتخاب رئيس للبنان، وخصوصاً أن «الجامعة العربية والمجلس الوزاري العربي، للمرة الأولى مرة في تاريخه، يزكّي ترشيح من أجمع عليه اللبنانيون وهو العماد ميشال سليمان»، موضحاً أنه «يجب ألا يغيب ذلك عن بال أحد، وخاصة أن المبادرة العربية شددت على ضرورة انتخاب رئيس للبنان فوراً». وقال إن «لبنان بحاجة إلى دعم عربي، والمبادرة العربية هي الإطار الوحيد الذي يساعد اللبنانيين على الخروج من أزمتهم وهي تحظى بتأييد دولي كبير». وأوضح أن «المبادرة العربية لم تصل إلى طريق مسدود. إلا أنه قال إن هناك بعض الأبواب التي أوصدت في وجهها».
ورداً على سؤال عن مخاوف المعارضة من أن يصبح الرئيس المقبل للبنان رهين الأكثرية، قال متري إن «هناك مبادرة عربية وهناك الدستور اللبناني وهناك تقاليد سياسية في المجلس النيابي، ولرئيس الجمهورية دوره في الحفاظ على وحدة البلاد وتيسير الحوار والارتفاع فوق الانقسامات».

المبادرة العربية ما بين الموالاة والمعارضة

◄ منذ صدور المبادرة العربية، وقبل وصول عمرو موسى إلى بيروت، فتح النقاش في الأمر الخاص بالتفسير المتعلق بالبند الثاني والمتصل بالتركيبة الحكومية، وصدرت روايات وتقديرات من جانب المعارضة والموالاة. وإذا كان ما أورده في تقريره قد عكس المناخات الواقعية لما دار في لقاءاته، فإن تهمة الانحياز ظلت موجهة إليه من المعارضة

يتحدّث أحد وزراء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عن الساعات الأولى بعد اجتماع مجلس الوزراء العرب. ويتذكّر جيداً هذا الوزير كلام عضو كتلة نواب «حزب الله» النائب حسن فضل الله بعد دقائق عبر شاشة فضائيّة «العربيّة» أن تفسير مبادرة الجامعة لموضوع الحكومة، ينصّ على تأليف حكومة على أساس المثالثة. فاتصل الوزير فور سماعه هذا الخبر بالرئيس فؤاد السنيورة وسأله عن الأمر فقال له السنيورة: «هذا ليس صحيحاً، وسأرسل لك نص المبادرة». ثم حصل اتصال بين الرئيس السنيورة وموسى، أكّد له خلاله موسى أن تفسير المبادرة هو أنه لا أحد يملك النصف زائداً واحداً، أو الثلث زائداً واحداً.
وعقدت قوى 14 آذار اجتماعاً قبل وصول موسى، واتفقت على آلية متكاملة للتعاطي معه، ووافقت على المبادرة، لكنها اتفقت على عدم الإعلان عن هذا الاجتماع أو أي من تفاصيله في الإعلام حتى ترى ردّة فعل المعارضة على المبادرة واكتشاف نياتها. وحضر الاجتماع كلٌّ من: النائب سعد الحريري، النائب وليد جنبلاط، الرئيس أمين الجميّل، سمير جعجع والوزير غازي العريضي.
وفي الاجتماع مع موسى، حاول قياديو 14 آذار القول إنه لا داعي للحوار المباشر مع المعارضة، كما هو مقترح، وإن العماد عون ليس مفوضاً بالصورة التي يتحدث عنها الآخرون. لكن موسى لفت انتباه الحاضرين إلى أمرين: الأول، هو أنكم لا تقدرون على رفض طلب الحوار، ثم إن المعارضة قررت أن تندب عون، وهذا أمر لا يخصكم. والثاني أن مبدأ الحوار مطلوب حتى يتم التفاهم على بقية الأمور، وبالتالي فأنا أنصحكم ـ تابع موسى ـ بأن لا تتخذوا موقفاً سلبياً وأن تدرسوا آلية المشاركة إذا كان لدى بعضكم ملاحظات على مبدأ التحاور مع عون. وفي الاجتماع اللاحق أبلغ قياديو 14 آذار موسى أنهم يفكرون في تفويض شخصية أخرى غير الحريري. فقال المسؤول العربي إن هذا هروب من الحقيقة، ثم حصل نقاش انتهى إلى اقتراح يقول بانتداب الحريري مع الرئيس الجميّل أو قائد القوّات اللبنانيّة سمير جعجع لتمثيل الأكثريّة فقال جعجع: «أنا أفضّل أن يذهب الشيخ أمين، وإذا كان لا يريد أذهب أنا»، وهو أخذ بعين الاعتبار موقع الجميّل رئيساً سابقاً للجمهورية. وأعلن الجميّل استعداده لحضور الاجتماع، فخرج موسى ليبلّغ المعارضة «نصره».
من جانبها تقول المعارضة إن الوزير طارق متري لم يشارك في الاجتماع الذي ضمّ الوزراء الخمسة في منزل موسى، وهو كان على علم بأنّ الموقف العربي الحيادي يربك الأكثرية. فالمفاوض اللبناني كان مستشار الرئيس فؤاد السنيورة محمد شطح، لا طارق متري. هذا الأمر شبيه بين أي علاقة بين مسلمين ومسيحيين في تحالف 14 آذار فحضور الجميّل خلال اللقاء الرباعي مجرد «ديكور».
كما أن الوزراء العرب يرون، خلال قمّتهم الأولى، أنهم خرجوا بشيء جديد على مستوى تقديم الحلول للخروج من الأزمة الداخلية اللبنانية، ما يعني أنّ ما فسّره موسى مختلف عما اتّفق عليه العرب، إذاً هذه الصيغة العربية لا تحمل ذاك التفسير الذي قدّمه موسى. كما أن المبادرة العربية نقضت مطلب قوى السلطة ومنطقها في الذهاب لانتخاب رئيس للجمهورية وحلّ أزمة الحكومة لاحقاً. ويمكن اعتبار المبادرة إقراراً عربياً بتهميش منصب رئاسة الجمهورية منذ اتّفاق الطائف. وإذا جاء هذا الإقرار لتغيير الوضع مرحلياً، فلا قيمة للأمر.
كذلك فإن موسى لم يأتِ إلى لبنان حاملاً تفويضاً بمناقشة التفسير الذي طرحه، فالنص واضح، وليس ملتبساً عربياً وسياسياً. وما حصل في مصر هو أنّ كل الوزراء هربوا من تظهير الاتفاق بسبب العلاقات العربية ـ العربية المتوتّرة، وقد تكون بعض المواقف قد ظهرت في اجتماعات ثنائية بين الوزراء. والتفويض الوحيد الذي أوكل لموسى هو تنفيذ هذه المبادرة عبر الحوار، لا تفسيرها. والفرق هو تماماً ما بين النص الاشتراعي ونية المشترع.
وفسّر موسى المبادرة بهذه الطريقة، 13ـ10ـ7، لأن هذا التفسير هو الوحيد القادر على إنقاذ الأكثرية. وعندما زار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أبلغه تفسيره (13ـ10ـ7)، كما قال إنه سيعقد مؤتمراً صحافياً بعد استكماله لجولته للبوح باسم من يتعمّد التعطيل (تهديد). دفع هذا الأمر السيّد نصر الله إلى الطلب من موسى عدم تأجيل مؤتمره الصحافي، وعدم انتظار إكمال جولته، والقول إنّ الأمين العام لحزب الله هو من يعطّل المبادرة إذا كان الطرح هو 13ـ10ـ7.
أمّا الرئيس نبيه برّي، فأبلغ موسى أن تفسيره يمكن أن يهزّ المبادرة. وقال بري إنه مستعد للمضي بصيغة 10ـ10ـ10 حتى من دون موافقة حلفائه لحثّ المبادرة ودفعها، وإعطائها الزخم الكامل لدفع الأكثرية إلى القبول بها. أما تكرار موسى لتفسيره فدفع برّي إلى القول: «لا يريدون فهم اللغة العربية».
وخلال اللقاء مع النائب عون، اعترف موسى بأنّ نص المبادرة العربية هو لمصلحة المعارضة. لكن عون طلب منه تفسير البند الثاني، فأجاب موسى: «فسروها إنتو بين بعضكو»، مشيراً إلى ضرورة عقد لقاءات لبنانية ـ لبنانية. فأكد عون أنه لا مانع من البحث مع الحريري، على قاعدة أن يكون الحوار مقدمة لاتفاق مكتوب، وفيه كل التفاصيل، وموقعاً في حضور الجامعة العربية شاهداً وضامناً لهذا الاتفاق الذي يجب أن يكون ملزماً للطرفين، لا للتنفيذ فوراً فحسب، بل أن يكون ساري المفعول حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
وخلال اللقاء الرباعي، اقترح موسى أن تقبل المعارضة بصيغة 13ـ10ـ7 مقابل ضمانات. لكنه لم يحدد الضمانات، فأعطى مثلاً «المادة 65»، التي تلزم موافقة ثلثي الحكومة في القرارات المصيرية. ولم يحصر موسى الضمانات التي عرضها بهذه المادة، بل فتح الباب على ضمانات أخرى. ويمكن اعتبار هذا الاقتراح أقوى وأفعل نظرياً من الثلث الضامن، إذ لا يمكن الأكثرية النيابية اتخاذ أي قرار في ما يخص القضايا الأساسية. ولم يبحث أمر الضمانات بالتفاصيل. فأكد عون، بعد اقتراح موسى، حرص المعارضة على صيغة 10ـ10ـ10، إلا أنه أبلغ المجتمعين أنّ هذا الاقتراح جديد يجب بحثه مع الحلفاء.
وأكّدت المعارضة أن الضمانة التي لها معنى هي الضمانة الدستورية، أي الثلث الضامن. فقد جرّبت المعارضة قوى الأكثرية مرات عديدة وفي مناسبات عديدة، ولم تتعدّل سياسة الحكومة، ولم تلتزم الأكثرية تعهداتها. ففي السابق قالوا للمعارضة: «أعطونا المحكمة الدولية وخذوا المشاركة التامة في الحكومة: 15ـ15، ثم عادوا وتراجعوا».
وخلال اللقاء الرباعي في مجلس النوّاب، كان واضحاً تردّد كل من سعد الحريري والجميّل خلال اللقاء. وكان هدف الجميّل أن يبقي بحث القانون الانتخابي في ضبابيته. واللافت تراجع مجلس المطارنة الموارنة عما سبق أن طرحوه بشأن القانون الانتخابي، أي قانون القضاء. ويقضي اقتراح المعارضة بأن يكون حجم القضاء وفق ما كان معمولاً به في قانون عام 1960، فوافق الحريري على القضاء دائرةً انتخابية، أما الجميّل فهرب من الموافقة وتحديد القضاء، على اعتبار أن على المجلس النيابي بتّ الأمر، والأمر ليس سوى لعبة تقسيمات. أمّا في ما يخص «خذوا الثلث وأعطونا قرار السلم والحرب»، فالجميّل لم يتحدث في الأمر خلال الجلسة، بل نطق بها بعد خروجه. والواضح أنّ مهمته كانت الاستفزاز والتعطيل، وأنهم حضروا على مضض.
واتّهم الجميّل المعارضة خلال اللقاء بتغيير النظام، وحين أطلق عبارة «يريدون تغيير النظام» متوجهاً إلى موسى ومشيراً بإصبعه إلى العماد عون، وبعدما تكرّرت هذه الحادثة مرّات عديدة، انتفض عون طالباً من الجميّل السيطرة على نفسه وتهدئة أعصابه. وتماشياً مع اتّهامه، طرح الجميّل تصوّراً كاملاً لتغيير النظام، فقال لعون: «أنتم تمونون على الشيعة، ونحن نمون على السنّة، فهيّا بنا نغيّر النظام»، فطرح الصورة المتكاملة للمسألة وخرج أمام الإعلام يتّهم المعارضة بمحاولة تغيير النظام.
وقبل اللقاء الرباعي الثاني الذي عقد نهار السبت (بحضور مندوبين عن الأربعة)، حصل لقاء يوم الجمعة بين كل من هشام يوسف، جبران باسيل، حسين الخليل، علي حسن خليل، حيث نقل يوسف أجواء الموالاة لهذه الشخصيات فقال: «إنهم يرون أنّ الضمانات المتمثّلة بالمادة 65 كبيرة». وفي مؤتمر صحافي، قال الجميّل إنّ الضمانات التي طلبتها المعارضة تعجيزية، مع العلم بأنّ موسى هو من تقدّم بها، لا المعارضة.
وخلال الاجتماع الثاني الذي تعطل على مستوى الأقطاب بفعل مرض عون المفاجئ، وهو أمر شكك فيه ممثلا الأكثرية، هاني حمود وسليم صايغ، بأن عون تمارض، وأشارا إلى أنهما في الاجتماع لأخذ الأجوبة لا للمناقشة، مع العلم بأنّ عون ليس لديه ما يهرب منه. فأصرّ جبران باسيل على الصيغة الأساسية للمبادرة 10ـ10ـ10، فكان أن تدخل مساعد موسى السفير هشام يوسف حاصراً النقاش في البند الثاني من المبادرة وعدم التطرق إلى البندين الأول والثالث.
وخرج هاني حمود خلال اللقاء، لإجراء اتصال هاتفي وعاد قائلاً: «لا يمكن أن نضيف شيئاً إلى ما قيل سابقاً، ولا يمكنني إعطاء أي جواب». وكان اللافت صمت مستشار الجميّل سليم الصايغ الذي حاول التكلم قليلاً، ثم عاد والتزم الصمت طوال اللقاء.

مفاجأة جنبلاط


عندما التقى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى النائب وليد جنبلاط، طرح الفكرة التي حمّله إيّاها العماد ميشال عون، وهي اللقاء بالنائب سعد الحريري، أبلغه جنبلاط أنّه ملتزم تنفيذ المبادرة، ويتعاطى معها بمرونة استثنائيّة، وإذا حصلت السبت جلسة مجلس النوّاب «فسنكون في أكثر درجات المرونة مع الصيغ المطروحة لانتخاب سليمان». كما شرح له جنبلاط موقفه السياسي، وهو أن القرار 1559 لا يُمكن أن يُنفّذ إلّا بالحوار الداخلي، كما أننا مرنون في صيغة البيان الوزاري. وإذا كان لدى أي فريق أي هواجس، فإننا لن نتعاطى بموضوع سلاح المقاومة من خارج إطار الحوار الداخلي.
كذلك أبلغه جنبلاط موافقته على اجتماع الحريري بعون إذا كان يساعد على الحلّ، «لكن يجب التشاور مع الحريري وقوى 14 آذار». ورد موسى بأن اللقاء قد يكون مدخلاً لحوار موسّع شبيه بالذي عقده. وفوجئ موسى بمرونة جنبلاط، وخرج فرحاً من عنده. وقال له إنه سينقل هذا الحديث إلى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي التقاه بعده مباشرة.

نصف دقيقة بين الفيصل والحريري

خلال الاجتماع الوزاري الخماسي في منزل عمرو موسى في القاهرة جرى التفاهم على أمور كثيرة، وكان واضحاً أن السجال كبير بشأن من يمون أكثر على من هم في دائرة الأصدقاء أو الحلفاء أو التابعين له، وقد بادر الوزير السعودي سعود الفيصل إلى الاجتماع بالنائب الحريري لأقل من نصف دقيقة، قال له المسؤول السعودي فيه: «هذا قرارنا، وعليكم السير به». ما يؤكّد أنّ الصيغة التي طرحها العرب هي المثالثة، وأنّ التسويق لتفسير موسى حصل خلال حركته في لبنان، علماً أن الحريري عاد ونفى الرواية، قائلاً إن الفيصل أبلغه حصول اتفاق ولم يبلغه تفسيراً معيّناً.
لم يكن موسى ساذجاً عندما انتبه إلى أن تجاوز الوزراء لعبة الأرقام يعني أن مهمته صعبة، لكنه كان يتّكل على أن لديه مساعدين أبرزهما وليد المعلم وسعود الفيصل، إلّا أنّه لم يكن يتوقع أن يقوم الخلاف على التفسير بمجرد مغادرة الاجتماع، وهو ما لمسه في لقاءاته مع المعارضين والموالين.
ويروي أحد المشاركين في الاجتماع، أن وزيراً في دولة عربية كبرى كان يريد أن يجري النقاش على مسمع جهات لبنانية، وأثار هنا مسألة حضور الوزير طارق متري بوصفه ممثلاً للحكومة اللبنانية، فكان على المعلم أن يوضح أن متري كما نعرف جميعاً يمثّل طرفاً في الأزمة، التي نحن في صدد البحث عن حل لها، وبالتالي، إذا كان حضوره ضرورياً فهذا يعني ضرورة دعوة من يمثّل الطرف الآخر. فكان أن حسم موسى الأمر بأن الاقتراح ليس عملياً. وفيما كان مساعدون للوزيرين المصري والسعودي يتواصلون مع فريق الموالاة في بيروت، كان المعلم يتابع الأمر هاتفياً أيضاً مع قادة في المعارضة.

سليمان لموسى: سوريا معي

قبل مغادرته الى دمشق، زار الأمين العام للجامعة العربية اليرزة والتقى المرشح الرئاسي العماد ميشال سليمان، وبحث معه الأوضاع من جوانب عدة، لكن المرشح كان مهتماً أكثر بالكلام الذي تنشره «الصحف» عن وجود ملاحظات واعتراضات من جانب سوريا وقوى المعارضة على ترشيحه، وكان مهتماً بأن يقول لموسى: أنت ذاهب الآن الى دمشق وسوف تلتقي هناك الرئيس بشار الأسد وسوف تتأكد بنفسك أن ما يقال عني ليس صحيحاً وأن سوريا تدعم ترشيحي وأنا أقول لك إن علاقتي مع المقاومة والسيد حسن نصر الله جيدة. وكل ما يقال هو في إطار الحملات غير الصحيحة.

رأى عمرو موسى في تقريره الموزّع على الوزراء العرب أن الحد الأقصى المطروح لتفسير المبادرة العربية في ما يتعلّق بالحكومة يمكن أن يكون 15 للأكثرية +10 للمعارضة +5 للرئيس (بنظر الأكثرية)، والحد الأدنى كما تطرحه المعارضة هو 10+10+10. وفي كل الأحوال، فإن المعارضة لن يكون باستطاعتها الحصول على الثلث +1، والأكثرية لا يمكن أن تحصل على النصف +1. بعد الخلاف على هاتين القراءتين، قدّم موسى اقتراحاً بأن يكون التأليف على النحو التالي: 13 (للأكثرية) + 10 (للمعارضة) + 7 (للرئيس).