149; الجيش يدهم الشياح وعين الرمّانة ويعتقل 25 شخصاً و{حزب الله} يطالب بالكشف عن مطلقي النار
عاش لبنان أمس ساعات عصيبة هي الأخطر منذ نشوب الأزمة السياسية، إذ تجمعت خلالها بعض مظاهر الحرب الأهلية وخصوصاً القناصة الذين استهدفوا برصاصهم شوارع الضاحية الجنوبية موقعين ثمانية قتلى وأكثر من 30 جريحاً

فيما كان التوتّر يخيّم على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، شهدت عدة مناطق لبنانية بدءاً من الضاحية الجنوبية وصولاً الى العاصمة وامتداداً نحو الجنوب والبقاع ، توتراً أمنياً اقترب من حافة الانفجار بعد دخول مسلحين مجهولين على خط احتجاجات مواطنين على استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن مناطقهم، علماً بأن هذه الاحتجاجات بدأت متقطعة منذ فترة طويلة ولم يسقط خلالها ضحايا كما حصل يوم أمس.
وكانت الأحداث قد بدأت إثر إقدام عدد من سكان الضاحية قرابة الرابعة من بعد الظهر على قطع طريق كنيسة مار مخايل ـــ الشياح بالإطارات المشتعلة احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي عن منطقتهم منذ يومين حسب ما أفاد المحتجون، فتدخلت وحدات من الجيش اللبناني لفتح الطريق بعدما طوّقت المنطقة بالملالات والآليات العسكرية، فتحول الاعتصام الى عملية كرّ وفرّ بين المعتصمين وعناصر الجيش الذين فشلوا في تفريقهم، فانهالوا على بعضهم بالهراوات على ما قال شهود وأضافوا أنه في هذه الأثناء ظهر مسلحون على أسطح المباني في عين الرمانة، وكان يحمل بعضهم مناظير وراحوا يطلقون النار على المعتصمين ما أدى الى سقوط عدد من الجرحى بينهم المسؤول في حركة «أمل» أحمد حمزة الذي كان يعمل في لجنة التنسيق مع الجيش لتهدئة الوضع، ونقل حمزة إلى مستشفى الساحل لكنه ما لبث أن فارق الحياة. وإثر شيوع الخبر عاد المحتجون إلى طريق صيدا القديمة، بعد انسحاب قوّة الجيش التي كانت في المكان، وأعاد المعتصمون إشعال الاطارات. وقرابة السادسة مساءً عادت أصوات الطلقات النارية فأخلى المحتجون الشارع فيما تقدمت ملالات الجيش وأطلقت رصاصات تحذيرية فوق رؤوس الذين كانوا يحاولون التجمّع مجدداً.
ومساءً ألقى مجهولون قنبلة يدوية على حيّ المطاحن في عين الرمانة ما أدى الى إصابة سبعة أشخاص بجروح طفيفة فيما نفى بعض سكان المنطقة إطلاق النار منها تجاه المتظاهرين. وأشاروا الى أن بعض الشبان صعدوا الى السطوح لمشاهدة الأحداث الحاصلة فقط. كما نفى مصدر في «القوّات اللبنانيّة» لـ«الأخبار» ما وصفه بـ«الشائعات التي ترددت عن مسؤولية عين الرمانة عن إطلاق النار».
وامتدت حركة الاحتجاج الى طريق الليلكي وأتوستراد المطار الجديد والقديم قرب مفرق المجلس الشيعي الأعلى، وشارع مار الياس في بيروت حيث أقفلت هذه الشوارع بالإطارات المشتعلة، فيما ناشد مسؤولون في حركة «أمل» و«حزب الله» عبر مكبّرات الصوت المتظاهرين الانسحاب من الشوراع، وانحسر التوتر مع تقدم ساعات المساء.
وبعيد العاشرة ليلاً، حضرت قوة كبيرة من الجيش إلى منطقة الصفير ـــ مار مخايل، ودهمت عدداً من الأبنية في منطقة مار مخايل ومدخل حيّ ماضي، وأوقفت أكثر من 10 أشخاص، ذكرت مصادر أمنية أن أكثرهم ممن شاركوا في قطع الطرق، مؤكدة أن أياً منهم لم يكن يحمل سلاحاً. من ناحية أخرى، أوقفت قوى الجيش نحو 15 شخصاً في منطقة عين الرمانة، ذكرت المصادر أن أحدهم كان يحمل مسدساً.

بيان قيادة الجيش حول الأحداث

وصدر عن قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه البيان الآتي: «عند الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم (أمس) تجمع حشد من المواطنين في حي معوض وتقاطع كنيسة مار مخايل ـــ الشياح، احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي، على أثر ذلك تدخلت وحدات الجيش لإعادة فتح الطرقات وتفريق المتظاهرين، وتزامنت هذه الاحتجاجات مع حصول إطلاق نار أدى الى مقتل مواطنين اثنين، أحدهما كان يعمل في إطار تهدئة الوضع، إضافة الى إصابة آخرين بجروح، فيما بوشر التحقيق لكشف ملابسات الحادث وتحديد هوية مطلقي النار».
وأكد البيان «أن قوى الجيش تعمل على ضبط الوضع، وأهابت بالمواطنين التحلي بروح المسؤولية الوطنية والتعاون مع هذه القوى الساهرة على أمنهم واستقرارهم».
وأصدرت حركة «أمل» بياناً دعت فيه مناصريها الى الهدوء وعدم القيام بردود فعل في الشارع، لافتة الى أن الشهيد حمزة كان يعمل ضمن لجنة التنسيق مع استخبارات الجيش لتهدئة الأمور في منطقة مار مخايل وقد أصيب برصاص مجهولين ما أدى الى استشهاده. وأكدت أن قيادة الجيش سوف تفتح تحقيقاً جدياً في الحادثة.

القتلى والجرحى في المستشفيات

وأدّت هذه الأحداث بحسب مصادر مستشفيي بهمن والساحل الى سقوط ستة قتلى وأكثر من ثلاثين جريحاً توزعوا على مستشفيي بهمن والساحل. ونُقل إلى الأول جثث ثلاثة شهداء هم: محمود منصور ومحمود حايك ويوسف شقير (إصاباتهم في الصدر والرقبة)، وعدد من الجرحى عرف منهم: حسين بزي، حسين كمال الدين، محمد المقداد، عباس زهوة، علي فتوح، ربيع فرحات، أحمد عيسى، حسن قرعلي، وخالد كساسين، فيما نُقلت الى مستشفى الساحل جثث الشهداء: أحمد حمزة، أحمد العجوز، ومصطفى أمهز إضافة الى 24 جريحاً، عرف منهم: جهاد منذر، عامر الشيخ، علي حوري، حسن الشيخ، محمد الطويل، ديب شعبان، محمد المقداد، علي ياسين، محمد مرعي، أحمد محمود، عباس فضل، علي بركات، ذو الفقار سيف الدين، علاء حيدر، فوزي صالح، علي نادي، حسن صعب. ونُقل الجريح محمود رسلان الى مستشفى الجامعة الأميركية لحراجة إصابته في رأسه.
من جهتها، نقلت وكالة (أ.ف.ب.) عن مسؤول في المعارضة أن ثمانية أشخاص قتلوا خلال الاحتجاجات مشيراً الى أن أربعة من القتلى ينتمون الى «حزب الله» وواحداً الى «أمل» فيما القتيلان الآخران هما مسعف ومدني.
وقال أحد المسعفين في هيئة الإسعاف الشعبي، لـ«الأخبار» إن الرصاص الذي أصاب الجرحى كان في بعضه من النوع المتفجر «إذ إن إحدى الرصاصات خرقت رئة أحد المحتجين من الخلف وانفجرت في منطقة حساسة من جسمه». وأشار الى أن الإصابات تركزت على الرؤوس والصدور والمنطقة السفلى من الأرجل.
وفي وقت لاحق انتقل التحرك الى الجنوب حيث عمد عدد من الشبان في بعض البلدات الساحلية بين صيدا وصور إلى التجمع عند المفترقات الرئيسية وقطعوا الطريق بالإطارات فتدخل الجيش وعمل على تفريق المحتجين. كذلك أقفل عدد من المواطنين الغاضبين بعض الطرقات في منطقة البقاع.
وتابع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة تطورات الأوضاع في منطقة مار مخايل ـــ الشياح، وقد أجرى لهذه الغاية اتصالات بمؤسسة كهرباء لبنان للوقوف على حقيقة الأمر ووضع التيار الكهربائي، كما بقي على تواصل مستمر مع قيادة الجيش والقوى الأمنية لتطويق الإشكالات، ودعا السنيورة الى التهدئة وأعلن اليوم الاثنين يوم حداد وطني وإقفال للمدارس والجامعات.
وقال السنيورة في بيان «إن وطننا يمر في هذه اللحظات بأصعب وأخطر أوقاته وظروفه، وما بنيناه طوال السنوات الماضية مهدّد بأن يتداعى بين أيدينا».
وأكد النائب حسن فضل الله في حديث إلى قناة «الجزيرة» أنّ احتجاجات يوم امس «ليست الأولى من نوعها وهي تندرج ضمن التحركات العفوية والمطلبية» لافتاً إلى أنّ «الناس عندما تحتج فهي تحتج بوجه السلطة القائمة» وأشار الى أنّ «القيادات في المنطقة عملت بجهد كبير لسحب الناس من الشوارع» وطالب قيادة الجيش بموقف واضح إزاء من أطلق النار على المدنيين «فهل هم جنوده أم جهة أخرى» داعياً الجيش الى تحديد هذه الجهة إن لم يكن هو مطلق النار.
وأعرب التيار الوطني الحر عن أسفه البالغ للأحداث التي شهدتها بعض الأحياء مؤكداً رفضه اللجوء الى أعمال العنف والشغب، ودعا السلطات الامنية والقضائية الى فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المخالفين.

{برسم وزراء الخارجية العرب}

من ناحيتها، اتهمت الأمانة العامة لقوى 14 آذار «قوى المحور السوري ـــ الايراني» بـ«تفجير الاوضاع وافتعال شغب خطير» محمّلة «قوى 8 آذار» مسؤولية القتلى والجرحى، وجدّدت دعمها الكامل للجيش محذرة «قوى التخريب والشغب من أن أي محاولة لإعاقة الدور الوطني للجيش اللبناني ستلقى رفضاً جامعاً من اللبنانيين وتصدياً وطنياً شاملاً من 14آذار» واضعة «وقائع هذا اليوم التخريبية في تصرف اجتماع مجلس الوزراء العرب المنعقد في القاهرة».
وبعد هذه التطوّرات التي سبّبتها أزمة الكهرباء، أصدرت مؤسسة كهرباء لبنان بياناً قالت فيه إن جميع المناطق اللبنانية خارج بيروت الإدارية تتغذى بالتساوي بالتيار الكهربائي بما فيها منطقة مار مخايل ـــ الشياح ورأت «أن المعلومات التي تناولتها بعض وسائل الإعلام عن انقطاع التيار لفترة طويلة عن بعض المناطق هي عارية من الصحة».