فاتن الحاج
تبدلت حياة لينا حمادي بعد وفاة والدها، ففيما لم تكن تسأل عن المال الذي أنفقه لتعليمها في الـ«IC»، صار لزاماً عليها أن تعمل لتتعلم في LAU

أصرّ والد لينا حمادي على تعليم أولاده الثلاثة في «الانترناشيونال كولدج» (IC) دون تمييز بين أي منهم رغم تراجع مردود عمله في الآونة الأخيرة. «لم أكن أسأل من أين كان يدفع القسط، كل ما أعرفه أنّه كان يدعمني كثيراً»، تقول لينا بتأثر. فالأب الملهم رسم مسار ابنته منذ كانت طفلة، إذ كان رفيقها الدائم في الطبيعة كما في اختيار برامج التلفزيون. «جعلني أعشق الحيوانات لكثرة ما كنتُ أشاهد وإياه قناة National Geographic»، تشرح لينا التي قررت يوماً أنّ تخوض مجال الطب البيطري، لكنها عدلت عن ذلك «لأنني لا أتحمل أن أرى دماً». ثم فكرت لينا كيف تجمع بين حبها للحياة البرية والتصوير الذي تعلمته من خالها المخرج في النروج، فاختارت دراسة الإذاعة والتلفزيون في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU)، عل الظروف تسعفها في ما بعد للتخصص في الأفلام الوثائقية لتصوير الحياة البرية.
صوّرت لينا «فيلمها الوثائقي» الأول (القرى تتحوّل إلى المدن) مع خالها وهي في الثانوي الثالث، ونالت جائزة عليه بعد اشتراكها في مسابقة للأفلام الوثائقية تنافست فيها خمسون مدرسة. وفي الأسبوع الثاني لدخولها الجامعة، توفي والد لينا، فانتقلت العائلة إلى بيروت، بعدما كانت تعيش في نبع الصفا، «أحب الجبل وأنتظر الصيف لأبقى في ضيعتي وإن كنت أحتاج إلى العجقة والطبيعة في آن». يذكر أنّ لينا خصت والدها بفيلم عن عمله في تصنيع خراطيش الصيد وبيعها.
بعد غياب الأب الملهم، راحت لينا تبحث عن عمل لتسديد نفقات الدراسة، فقُبلت في القيام بمهمة التصوير الفوتوغرافي لكل نشاطات الجامعة، كما نجحت في تثبيت المساعدة المالية بعد حفاظها على معدل 3.93/4 وتغطيتها عدداً معيناً من ساعات العمل في قسم المسرح. وتوضح لينا هنا أنّ الحاجة المادية لم تكن السبب الوحيد للعمل، فقد سبق لها أن التحقت بإحدى حضانات الأطفال حين كانت في الثانوي الثالث، كما عملت مضيفة في مطعم في السنة الجامعية الأولى، «ولولا تحضيري لعمل مسرحي لكنت قد بحثت عن عمل إضافي خارج الجامعة، فالعمل يجعلني أشعر بقيمة الحياة».
وتعترف لينا بأنّ العمل صقل شخصيتها الخجولة وحقق لها بعض الاستقلالية «بتُّ قادرة على أن أقول لا ساعة أريد وأميز أين مصلحتي، بعدما كنت أخجل في السابق وأقبل بكل شيء يعرض عليّ».
عاشت لينا نشوة الإخراج لنصف ساعة في فيلمها ابراهيم أفندي، بعدما وجد فيها رفاقها القدرة على القيام بهذا الدور «شوي صعب تدير أصحابك، بس هيدا هوي العمل، وانبسطت كتير لأنو شعرت بحرية من دون علامات». وقد قادت الاستقلالية لينا إلى السفر بمفردها للمرة الأولى إلى الولايات المتحدة الأميركية في الفصل الدراسي السابق حيث تابعت مقررات لمدة أربعة أشهر في جامعة جورج تاون، بموجب برنامج (NESA)، وهو برنامج جنوب شرق آسيا للتبادل الأكاديمي الممول من الحكومة الأميركية، الذي يقضي بالتعرف إلى الثقافة الأميركية. لكن لينا لا تعرف ما إذا كانت جامعتها ستعادل لها هذه المقررات، وخصوصاً أنّ البرنامج دراسي وليس مجرد محاضرات وحلقات نقاشية. وفي أميركا، أنجزت لينا فيلماً عن مكان خاص يساعد الفقراء والمحتاجين.
تتخرّج لينا من الجامعة اللبنانية الأميركية في السنة المقبلة، وتطمح إلى متابعة الماستر في مجال الأفلام الوثائقية، لكنها تخشى أن لا تستطيع تغطية التكاليف. أما اليوم، فتشتاق لينا إلى حياتها القديمة حيث كان يجتمع شمل الأسرة في الضيعة، علماً بأنّ أخاها رجا يعمل في الهندسة الميكانيكية خارج لبنان، فيما حازت أختها زينة منحة كاملة إلى قطر لاستكمال الدراسات العليا في الغرافيك ديزاين.