نقولا ناصيف
لم يكتم رئيس المجلس نبيه برّي أمس قلقاً مزدوجاً من تطورين متلاحقين في الساعات الأخيرة. لم يساوِ بين آثارهما السلبية، ولكنه دقّ ناقوس خطر تجاهل تلك الآثار. تلقى مكالمة هاتفية من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي رغب في الاطلاع منه على ما حصل في أحد الشغب الأسود، وأنبأه باحتمال زيارته بيروت، الأسبوع الذي يلي، لمتابعة جهوده في سبيل وضع المبادرة العربية موضع التنفيذ، على أن يخابره الجمعة كي يتفقا على برنامج التحرّك التالي. كذلك استقبل برّي قائد الجيش العماد ميشال سليمان وألحّ عليه بوجوب إجراء تحقيق «سريع وغير متسرّع» لكشف حقيقة ما حصل الأحد، والمسببين مقتل ستة أشخاص.
خلاصة تقويم رئيس المجلس التطورين المتزامنين، كالآتي:
1ـــــ لم يتوقع أن يخرج وزراء الخارجية العرب من اجتماع القاهرة الأحد الفائت (27 كانون الثاني) بأكثر مما توصلوا إليه. وهو أنهم لم يتوصلوا إلى شيء، مكتفين بإبقاء بعض بنود المبادرة متخبطاً في غموضه. بل يستنتج رئيس المجلس إيجابية واحدة انبثقت من الاجتماع، هي أن الوزراء العرب لم يتبنّوا تفسير موسى للبند الثاني من المبادرة، المتعلق بتأليف حكومة الوحدة، والقائل بتوزيع الحصص وفق معادلة 13 + 10 + 7. وكان موسى قد قال إبان مهمته في بيروت قبل أسبوعين إن تفسيره البند الثاني يمثّل الجامعة العربية التي تدعم هذا التفسير، متصلباً في القول بأنه لا تفسير إلا واحد، ولا تفسير سواه. فيما واقع مداولات اجتماع القاهرة بيّن وجود أكثر من تفسير يتعارض والتفسير الآخر، وبيّن عدم وجود إجماع على التفسير الذي حدّده موسى يماثل الإجماع على المبادرة نفسها.
على أن ما خلص إليه اجتماع الوزراء العرب، بحسب برّي، إبقاء المشكلة حيث هي، وبين أيدي اللبنانيين. بذلك، فإن المهمة التالية لموسى هي أنه سيبدأ حيث انتهى، من غير أن يزوّده اجتماع القاهرة عناصر جديدة وممكنة للحل، على الأقل في بعده الإقليمي، وخصوصاً على صعيد العلاقات السعودية ـــــ السورية.
بيد أن برّي يتوقف عند ملاحظتين: أولاهما عدم تحديد الوزراء العرب موعداً لاجتماعهم المقبل لبتّ مصير المبادرة على غرار اجتماع 5 كانون الثاني الذي قاد إلى اجتماع 27 كانون الثاني، ما يشير إلى استمرار الأزمة اللبنانية المفتوحة. وثانيتهما اكتفاء الوزراء ببيان دون التوصّل إلى جعله قراراً يصدر عنهم يكتسب أهمية خاصة، إذ يتخذ الطابع الملزم للأعضاء كي يسهّلوا تنفيذ المبادرة. ويرى رئيس المجلس أن قرار المبادرة لا يلزم اللبنانيين بالضرورة، لكنه يلزم بالتأكيد البعد الإقليمي في المشكلة الذي يقف حائلاً دون إمرار التسوية اللبنانية، وهو الخلاف السعودي ـــــ السوري. وقد يكون الاكتفاء ببيان، للمرة الثانية في شهر، إشارة جدّية إلى أن كلّاً من الرياض ودمشق غير مستعدة بعد لتقبّل إلزامها المساعدة في إطلاق الحل اللبناني.
2ـــــ يقول برّي إن المطالبة بالمثالثة في مقاعد حكومة الوحدة الوطنية ليست هدفاً في ذاته، بل الهدف هو تحقيق مشاركة فعلية في السلطة التنفيذية. عندما اقترح المثالثة (10 + 10 + 10) على موسى مرتين متتاليتين، الأولى بعيد اجتماع الوزراء العرب في 5 كانون الثاني، والأخرى عندما استقبله في عين التينة يوم 9 كانون الثاني، كان يفسح أمام مخرج متوازن للأفرقاء الثلاثة المعنيين بحكومة الوحدة الوطنية (الغالبية والمعارضة ورئيس الجمهورية). وهو لم يفاتح حليفه حزب الله باقتراح المثالثة. إلا أن رئيس المجلس يشير إلى أن البديل من المثالثة هو الثلث الضامن للمعارضة في حكومة الوحدة الوطنية، سواء باعتماد هذا النصاب، أو بالأخذ بما ورد في ورقة الاتفاق بينه وبين رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري في اجتماع 5 كانون الأول في حضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وهو توزيع المقاعد الحكومية على الموالاة والمعارضة بحسب تمثيل كل منهما في مجلس النواب (17 + 13). ولا يتوقف برّي عند المعادلة، أياً تكن أرقامها، بل يشدّد على أن الأصل يكمن في حصول المعارضة على الثلث الضامن.
وبحسب ما يستعيده، فإن قوى 14 آذار كانت قد وافقت قبل أشهر، قبل الخوض في الاستحقاق الرئاسي، على تأليف حكومة وحدة وطنية بثلث معطل للمعارضة، وبلغ التفاهم حدّ البحث عما اصطلح على تسميته حينذاك «الوزير الملك»، قبل أن تتراجع عن موافقتها تلك.
3ـــــ يتحفّظ رئيس المجلس عن الخوض في المعلومات المتوافرة عن التحقيقات التي تجريها قيادة الجيش حيال حوادث الأحد. إلا أنه أبلغ إلى العماد سليمان اهتمامه المباشر بما حصل الذي ينطوي ـــــ يقول بري ـــــ على جملة فخاخ تنذر بفتن، وتقف وراء ردود الفعل غير المبرّرة، من أي جهة أتت، على إحراق دواليب في مار مخايل والشياح. ولم تكن هذه، يضيف رئيس المجلس، «المرة الأولى التي يحتج فيها شبان ويتجمعون ويحرقون دواليب. لكنها الأولى بإطلاق نار عليهم في منطقة تحمل دلالة خاصة، كأن المقصود بذلك توخي استعادة الفتنة»: أولاها إدخال الجيش في مواجهة مع المقاومة بغية ضرب الاثنين معاً، وثانيتها تحريض على نزاع شيعي ـــــ مسيحي، وثالثتها تعطيل آثار تلاقٍ شيعي ـــــ مسيحي عبّرت عنه ورقة التفاهم بين الرئيس ميشال عون وحزب الله، ورابعتها إسقاط انتخاب سليمان لرئاسة الجمهورية. وهو إذ استعجل التحقيق والاقتصاص من مرتكبي جريمة الأحد، شدّد على ضرورة تجنّب نتائج ما حدث في 25 كانون الثاني 2007، عندما حيل دون إجراء تحقيق جدّي في حوادث الجامعة العربية التي سقط فيها ضحايا، فانتهى الأمر بثارات شخصية فاجعة عوض قيام العدالة بواجبها.