باريس ــ بسّام الطيارة
من يمسك بزمام الدبلوماسية الفرنسية في ما يتعلق بالملف اللبناني؟ وزير الخارجية برنار كوشنير الذي أبدى تشاؤماً كبيراً بالوضع اللبناني قال: «لا تقدُّم، والأمر سلبي للغاية»، مشككاً في «إمكان خروج لبنان من المأزق السياسي الحالي»، ومتهماً سوريا بأنها «تقوم بدور المعرقل»! أو ما يصدر من بيانات «رسمية تعبر عن موقف فرنسا الرسمي»، مغلفاً برداء أوروبي و«تنسيق مع الجامعة العربية»؟
لا تنكر الأوساط الدبلوماسية أن ما يذكر على لسان الرئيس ساركوزي يعبر عن نظرة باريس إلى الواقع اللبناني، وإن كان وزير الخارجية يتجاوز في عباراته ما يريد قوله حقيقةً. وتقول مصادر مقربة من كوشنير «إن النصائح تنهال على باريس» مطالبة بـ«إبقاء المسافة متساوية بين فرنسا والطرفين اللبنانيين» إذا أرادت باريس العودة للعمل على حل أزمة لبنان. وتشدد هذه المصادر على أن مجرد «الانزلاق إلى مواقف مؤيدة للمواقف الأكثرية» يمكن أن تطيح كل آمال فرنسا بلعب دور ما في حال وصول المبادرة العربية إلى طريق مسدود أو حتى في حال تجاوز عقبة تنفيذ النقطة الأولى وبدء المشاورات في الفقرة المتعلقة بتشكيلة الحكومة العتيدة. لا بل يذهب أحد المقربين من الوزير إلى أبعد من ذلك بالقول إنه، استناداً إلى ما يصله من معلومات من بيروت تضاف إلى تواصله الدائم مع معارفه في بيروت، «بات يدرك أن لبنان الجديد مقبل على تغييرات جذرية» وأنه دخل في مرحلة «ما بعد الطائف» وأمسى بحاجة لـ«تسوية عميقة» لا يتردد البعض في تسميتها «الطائف الجديد».
وتكشف هذه المصادر أن كوشنير «نظم ابتعاده عن القضية اللبنانية» وعن صورته الملاصقة لملف لبنان بعدما توصل إلى اقتناع بأن الأمر «أكبر مما يعتقد الوسطاء» فيما هو لا يرى بعين الراحة «تداخل الوسطاء على درب المبادرة الفرنسية التي أطلقها» منذ وصوله إلى الكي دورسيه.
ويقول دبلوماسي عربي في باريس إن ابتعاد الرئيس ساركوزي عن واجهة الإعلام لأسباب شخصية تتعلق بصورته لدى الرأي العام الفرنسي، لم يترافق مع فتح «نافذة إمكانات» لكوشنير، وذلك لاقتناعه بضرورة «ترك المبادرة العربية تأخذ مجراها» حتى تتبين استحالة تحقيق تقدم عن طريقها، وهو ما تشير إليه تصريحاته في بروكسل، رغم التأكيدات أن فرنسا تدعم هذه المبادرة.
ويشير مراقبون إلى عامل جديد دخل على ميكانيكية التعامل بالملف اللبناني في الدوائر الفرنسية، يتمثل بدخول «ثقل علاقة» بعض أوساط التيار الوطني الحر بأوساط الإليزيه وانعكاس ذلك على مختلف أبعاد الملف، لافتة إلى أن وزارة الخارجية بقيت بعيدة عن «مشاورات فريق الجنرال عون مع بعض مسؤولي الإليزيه»، وهي لقاءات أكدت حصولها محافل لبنانية في باريس.
ويأتي هذا التباين ليضيف إلى الضيق الذي أحدثه تسلم كلود غيان ملف التفاوض مع دمشق، رغم أن هذه المفاوضات قد «أوقفت العلاقات السياسية بشكل تام» حسب ما يصرح به معظم المسؤولين الفرنسيين، الذين لا ينفون كون «التواصل الدبلوماسي قائماً»، مشددين على أن لباريس «سفارة في دمشق تقوم بما يلزم».
وفي انتظار ما ستؤول إليه المبادرة العربية، فإن التحضيرات لما بعد المبادرة تجري على قدم وساق، وهو ما يفسره البعض بموقف كوشنير حين قال إن «كل واحد يتخذ بمفرده الطريق إلى دمشق»، في إشارة واضحة إلى ما يمكن أن تكون عليه جهود الأوروبيين في مرحلة مقبلة.
ومن المفارقات أن وزير خارجية إيطاليا حث في لقاء حول السياسة الخارجية الأوروبية والأمن القومي على «ضرورة البحث عن سبل للحوار» بين القوى السياسية الأوروبية في ما يختص بـ«الخيارات الكبرى»، في إشارة إلى تباين في بعض الملفات، وفي طليعتها لبنان، وهو ما ظهر من تعدد زيارات وزراء أوروبيين لدمشق، بينما كان الحديث في باريس يضج حول «قطع العلاقات السياسية مع دمشق ووصلها».