بنت جبيل ــ داني الأمين
تواجه مادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة في المدارس معضلة لم تخرج منها منذ اتّفاق الطائف. فبعدما نصّ هذا الاتّفاق على ضرورة إيلاء المادّة الاهتمام الكافي لكونها تنمّي روح الوحدة لدى الطلّاب، لم تجد من ينقذها، سواء من إدارات المدارس أو من وزارة التربية والتعليم العالي التي لم تبادر إلى فرض صيغة واحدة لإعطائها رغم الكتاب الموحد الذي يصدره المركز التربوي للبحوث والإنماء.
انطلاقاً من هذا الواقع، يشكو الطلّاب قلّة اهتمام مدارسهم بالمادّة، رغم أهمّيتها، فتشدّد الطالبة في الصف الثانوي الأول زينب فقيه على ضرورة تدريس المادة بطريقة موضوعية لما لها من فوائد كثيرة في وحدة الوطن والانتماء إليه. وإذا كانت فقيه تعرف أنّ حصّة التربية تعرّفنا أيضاً إلى الحقوق والواجبات والوحدة الوطنية، إلّا أنّها تشكو من سوء تدريس المادّة إذ تؤدّي إلى نتائج سلبيّة، وخصوصاً عندما يكون التلامذة متعصّبين لعقيدتهم الدينية أو الطائفية، ويرفضون كل ما يتعلق بغيرهم فتخلق لديهم حب المنازعة والتحدي.
ويذهب الطالب الجامعي محمد السيّد إلى أن «أستاذ المادة في غالبيّة الأحيان يتعمّد إظهار رأيه السياسي، ويبدو جليّاً من خلال حديثه عن وسائل الإعلام المنحازة وغير المنحازة، أو الانتخابات أو أيّ موضوعٍ آخر يتعلّق بالفرز الحاصل في البلد».
غير أنّ المشكلة لا تكمن في توحيد الكتاب أو انحياز الأستاذ، بقدر ما تتصل بالسياسة التربويّة نفسها، وخصوصاً في ما يتعلّق بكيفية تدريس هذه المادة ومراقبة تطبيقها والإشراف عليها وإجراء دراسات ميدانية عن الجدوى منها وتعديلها وتطويرها بما يحقّق الفائدة المرجوّة. وفي هذا الإطار، يلفت أديب، أحد مدرّسي المادّة في صور «إلى أنّ المادة تحتوي في بعض دروسها على موضوعات معقّدة، أو تفوق مستوى طلّاب الصفوف الذين يدرسونها». ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يشير الأستاذ إلى «أن بعض العاملين في لجنة الامتحانات الرسمية التابعة لوزارة التربية اعترفوا لي بأن الوقت المعتمد للمادة لا يكفي، فالمادة تحتاج إلى أكثر من حصّة في الأسبوع كي تحقق الغاية المرجوّة من تدريسها». أمّا نجيب، أحد مدرّسي المادة في النبطيّة، فيرى أن بعض الدروس لا تقنع الأستاذ نفسه أثناء تدريسها، ولا سيّما تلك المتعلقة بالعلاقات العربية ـ العربية المميزة، متسائلاً عمّا يمكن «أن يفهمه طالب الصف التاسع الأساسي من هذه العلاقات؟ فهل هناك علاقات مميّزة في الأساس؟ وطالب من جهةٍ ثانية وزارة التربية بأن تقارن بين ما يجب أن يكون وبين ما هو كائن للوقوف على التناقضات والأخطاء على الأقل لمعرفتها والعمل مستقبلاً على تفاديها.
من جهته، يضع رئيس الهيئة اللبنانيّة للعلوم التربويّة الدكتور عدنان الأمين مادّة التربية بين خيارين «فإمّا إلغاؤها أو تنفيذ خطة تربوية متكاملة، تعطيها حقّها والوقت الكافي لتدريسها بشكل يتناسب مع أهمّيتها، إضافة إلى إعادة النظر في موضوعاتها». من جهة أخرى، لم يعف الأمين أيضاً المدارس من المسؤولية، ولا سيّما مدارس الإرساليّات والفئات الحزبية والدينيّة المختلفة. وتساءل «عمّن يحمي وحدة التربية والوطن في هذه المدارس؟ أليس هناك من يعمد إلى أسلمة هذه المادة أو نصرنتها؟ ألا تعطي هذه المادة حيّزاً كبيراً لأستاذها كي يلوك المعلومات بحسب نظرته السياسية أو الأيديولوجية؟». كذلك طالب بزيادة عدد الحصص المقرّرة أسبوعياً للمادّة ومعالجة الموضوعات بشكلٍ موضوعي. ويعلّق أديب على كلام الأمين، مشيراً إلى «إمكان أن يستغلّ أستاذ المادة بعض الدروس لتمرير رأيه السياسي أو العقائدي كالدروس التي تتحدّث عن الأحزاب السياسية ودورها»، لافتاً إلى «أنّه من الممكن أن يقوم الأستاذ بتوجيه الطلّاب نحو الأحزاب العلمانية ورفض الأحزاب العقائدية أو العكس». وشدّد على «أنّ حصانة المادة تكمن في عرض موضوعاتها بشكل عام دون الغوص في التفاصيل إلا إذا رغب الأستاذ في إدخال أفكاره عنوة وتجاوز حدود المادة والمنهاج المقرر».