إبراهيم الأمين
يروي رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ولش اختلى به في مكتب خاص في عين التينة لدى آخر زيارة له إلى بيروت، وقال له إن إجراء الانتخابات الرئاسية الآن «أمر مهم ونحن نرحّب به، وإذا لم تحصل هذه الانتخابات وبقي موقع رئاسة الجمهورية شاغراً فهذا يعني بالنسبة إلينا أمراً واحداً محسوماً هو: فؤاد السنيورة سيظل في موقعه يمارس السلطة!».
لا يقول الراوي ماذا كان رد رئيس المجلس، لكنه يكشف أن الأخير بادر فور سماعه هذا الكلام إلى مراجعة ملف الترشيح الوفاقي لقائد الجيش العماد ميشال سليمان. فتذكّر أنه يوم «كلف» النائب الحوري إعلان موقف فريق 14 آذار بترشيح قائد الجيش، كان الأخير مدعوّاً إلى تناول الغداء عند رئيس المجلس في حضور النائب علي حسن خليل الذي طلب منه بري أن يسارع إلى الاتصال بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون، والتشاور في الأمر. لم يخطر لبري أن ما يحصل أمر يجب التدقيق فيه.
لم يقف رئيس المجلس مرة خلف ترشيح قائد الجيش، إلا أنّه يقول صراحة إن ترشيحات التوافقيين مرّت على عدد من الأسماء، بعضها رفضه الأميركيون وبعضها الآخر رفضه السوريون، ولم يكن هناك مرشح حاضر سوى ميشال سليمان. لكنّ بري يسأل: لماذا قرّرت الأكثرية إعلان دعمها ترشيح سليمان؟
بحسب الراوي فإن بري حين سمع «بيان الحوري»، أدرك أن في الأمر مناورة. وهو يجزم بأنه لا فريق 14 آذار ولا أميركا من خلفه يريدان وصول سليمان إلى الرئاسة، لكنّ ثمة «ذكياً وخبيثاً أعرفه يكمن وراء هذه المناورة». ويقول الراوي إن بري كان يعرف أن ثمة من يلقي بالكرة في ملعب المعارضة وسوريا. وعندما بدأت قوى المعارضة التشاور، مر أسبوعان على الأقل قبل أن يبدأ الكلام الجدي، إذ إن البحث تناول ملف الحكومة المقبلة وملف قانون الانتخابات وملف السلة الكاملة، وبدت المسائل قابلة للتعقيد، وخصوصاً أن الجواب كان يفترض أن يأتي سريعاً. علماً بأن فريق 14 آذار أراد رمي الترشيح كأنه جمرة بين أيدي قوى المعارضة. وربما نجح هذا الفريق في مناورته هذه. و«لكن أين يهرب من الاستحقاقات التي تخصّه؟» ينقل الراوي عن بري متابعته الحديث: إذ إن على فريق السلطة أن يجيب هو، لا المرشح التوافقي، عن الأسئلة التي تتعلق بالشراكة في الحكومة وقانون الانتخابات وغيره. وحسب الراوي، فإن مناورة الأكثرية «توخّت إرباك المعارضة ونجحت إلى حدّ ما، لأن عدم السير سريعاً بانتخاب الرئيس التوافقي عكس صورة غير دقيقة، وكأن المعارضة لا تريد سليمان أو هي تريد الفراغ».
ويلفت الراوي إلى تطورات كثيرة حصلت خلال هذه الفترة، منها النقاش بشأن موقف العماد ميشال عون. وينقل عن بري قوله: «نحن في المعارضة اتفقنا على ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، فأنا وقوى كثيرة في المعارضة نرى أن عون يمثّل هذا الموقع الذي نأمل أن نراه في الرئاسة، ولن يكون في قدرة أيّ منا التخلي عن هذا الترشيح لأسباب كثيرة ليس أقلّها العامل الأخلاقي. لكن ترشيح سليمان وتبنّيه يتطلّبان دعماً مفتوحاً من جانب قوى المعارضة كافة».
كانت الأزمة قد بدأت بالتفاعل حيال الموقف من سليمان، وبدا أن هناك مشكلة فعلية بينه وبين العماد عون، ويبدو أن بري كان هو من استعجل حضور الوزير السابق سليمان فرنجية لتولي وساطة بين سليمان وعون، وقام بمهمته دون أن يتوصل إلى نتيجة. وفي لحظة ما ـــــ يضيف الراوي ـــــ برزت الحاجة إلى خطوة من نوع مختلف، فجرى ترتيب لقاء ضم بري ونصر الله وعون وفرنجية في «منزل أحدهم» وفيه حسمت أمور كثيرة، منها:
1ـــــ أبلغ بري عون اعتراضه على اقتراح اختصار ولاية رئيس الجمهورية إلى نصف أو ثلث ولاية، لأن في ذلك ما يضر بصورة الموقع الماروني الأول.
2ـــــ أبلغ بري الحاضرين أنه يعترض على فكرة حسم هوية رئيس الحكومة سلفاً وإهمال الاستشارات النيابية الملزمة.
3ـــــ ضرورة حسم النقاش بشأن الملفات الأخرى على نحو يضبط التوازنات كلها، على أن يتولى العماد عون أمر التفاوض بكل تفاصيله.
بعد الاجتماع أعلن عون أنه المكلّف أمر التفاوض، وحصلت مناقشات سبقت هذا الاجتماع وتلته وتناولت قضايا عدة بينها ما يتعلق بالتركيبة الحكومية. ومنذ ذلك اليوم ظهرت بوادر أزمة ثقة بين المعارضة والعماد سليمان. ويضيف الراوي أن بري قال هذا الكلام مباشرة للجميع، ولفت انتباه نصر الله وعون وآخرين إلى «أن سليمان بدأ يصاب بارتباك حيال ما تفعله المعارضة به، فهو كان صديقاً لسوريا وداعماً للمقاومة، وفجأةً تحوّل في نظر المعارضة إلى خصم». وبحسب الراوي، فإن بري عمل على تهدئة الأمر، ووصل إلى حدود القول لأركان المعارضة: «اسمعوا، أنا معكم في ترشيح العماد عون، وأنا مثلكم أدعم المرشح التوافقي العماد سليمان، وإذا شعرتم بأن الأمر لا يسير وفق ما ترغبون، ولا تريدون سليمان رئيساً، فأنا لا أمانع، وإني مستعد لأن أقول له صراحةً إننا لم نعد نريدك... ولكن عليكم أن تعطوني قبل ذلك اسم البديل».
هل يعني ذلك أن المعارضة لا تريد فعلاً الانتخابات الرئاسية؟
يعتقد سفير عربي بارز أن أمر الرئاسة يتصل بحسابات معقّدة، وهو يفضّل أن يكون الأمر على شكل حل متدرّج: «يجب انتخاب الرئيس أوّلاً، لأنه يصعب إيجاد شخصية توافقية أخرى غير العماد سليمان. هذا لا يعني أنه ليس هناك غيره، لكنه المتوافر الآن، وليس هناك في دول العالم من يضع على الرئيس قبل أن يُنتخب هذا القدر من الشروط، عدا أن هناك اقتناعاً لدى كثيرين، وأنا منهم، بأن الموضوع لا علاقة له بالتشكيلة الحكومية، وإذا وافقت الموالاة على منح المعارضة الثلث المعطل فسوف تخرج شروط أخرى تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية وأسماء وزراء رئيس الجمهورية، وقد يصل الأمر إلى حدود السؤال عن لون ثياب هذا أو ذاك...».
يقرّ السفير الأكثر نشاطاً بين زملائه بأن هناك الكثير من العقد عند الجانبين في لبنان: «عدا سعد الحريري، الذي لم يمرّ وقت على احترافه السياسة، لن تجد في لبنان من يمكن الإفلات من ثعالبه بسهولة. وأنا سمعت خطاباً لأبرز قادة المعارضة تحدّث فيه عن الحاجة إلى مرحلة انتقالية حتى الانتخابات النيابية المقبلة، وبعد الخطاب بدقائق أرسلت تقريراً إلى حكومتي قلت فيه إنني لا أتوقّع انتخابات رئاسية قريبة».
ويضيف السفير الذي ينفي تعطيلاً من جانب بلاده للمبادرة العربية أو للمبادرة الفرنسية: «المشكلة أن في لبنان دهاة يصعب الإفلات من شباكهم. حتى فرنسا التي ظنّت أنها سوف تسهّل الأمور علقت في شباك لبنان وفي شباك سوريا». وإذا كان هذا السفير يفضّل الابتعاد عن المواقف التي تظهره منحازاً، فإنه قليل التفاؤل بالمرحلة المقبلة، «لأن مأساة الشيّاح ربما أطاحت قائد الجيش مرشحاً توافقياً، ولا أعرف ما الذي سيقوم به عمرو موسى في رحلته المقبلة إلى بيروت».