أنطوان سعد
ما يتوافق عليه القادة السياسيون اللبنانيون اليوم هو فقط ثلاثة أمور: أولاً، تحييد الجيش اللبناني والتمسك به وتحصينه، ثانياً، إجراء تحقيق «جدي وشفاف ودقيق» يصل إلى نهايته، إلى حد تسمية الأمور بأسمائها وتحميل المسؤوليات دون مراعاة أو محاباة، وثالثاً، انتظار توافق سوري ـــــ سعودي لا يزال يبدو بعيد المنال. وكل ما هو دون ذلك يندرج في خانة الاستهلاك السياسي وتعبئة الجماهير وتقطيع الوقت بانتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، أو بكلام آخر لا يليق بالطبقة السياسية اللبنانية انتظار التعليمات الخارجية.
في موضوع الجيش، على رغم الضوضاء التي صحبت أحداث يوم الأحد المؤسفة والخطيرة وتلتها، لمست قيادة الجيش، بحسب مصادر سياسية محايدة مطلعة على ما يجري داخل المؤسسة العسكرية، في الأيام الماضية، حرص كل القيادات السياسية اللبنانية، وفي مقدمها القيادات المعارضة، على تحصين الجيش وتحييده عن النزاع المفتوح بين المعارضة والموالاة. وتضيف هذه المصادر أن ثمة محاولات للتمييز بين الجيش والموقف من قائده العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً وحيداً لرئاسة الجمهورية، وأن الانتقادات المباشرة له رمت لتطييب خاطر العائلات والعشائر المستاءة التي فقدت أبناءها ولم تعط تفسيراً لما جرى في منطقة مار مخايل.
كما تشير المصادر نفسها إلى أن الهزة مرت على خير وستنتهي كلياً مع صدور نتائج التحقيق، لافتة إلى أن قوى المعارضة، بغض النظر عن الضجيج الإعلامي، لا تربط بين الأحداث المأسوية وترشيح العماد سليمان، بدليل أن الاجتماعين بين قائد الجيش ورئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لم يأتيا أبداً على ذكر الانتخابات الرئاسية لا من قريب أو بعيد، وانحصر التداول خلالهما في كيفية توضيح الملابسات من أجل حماية الجيش وتحصينه. إذ إن اعتراضات المعارضة على ترشيح قائد الجيش سابقة لهذه الأحداث وهي واضحة وغير بسيطة وليس من ضرورة لاستعمال المأساة للتلطي وراءها لنزع صفة التوافق عنه.
في موضوع التحقيق، أكدت المصادر أنه سيكون بخلاف تجربة اللبنانيين مع التحقيقات، أي سيتم وضع كل الحقائق والمعطيات بتصرف اللبنانيين لأن العماد ميشال سليمان يصر يومياً، و«أكثر من مرة في اليوم» على الشرطة العسكرية واللجنة العسكرية المكلفتين بالتحقيق الإسراع وعدم إخفاء أي معطى أو حقيقة، بغض النظر عن الاتجاه الذي سيأخذه التحقيق. فهو لا يريد أن يذكره تاريخ الجيش اللبناني على أنه القائد الذي تضررت صدقية الجيش في عهده، أو أن المؤسسة العسكرية تضررت لأن القيادات السياسية المعارضة والموالية رشحته ليكون رئيساً توافقياً للجمهورية.
وتشير الأوساط المتابعة للتحقيق إلى أن ما توافر لديها من معطيات مختلف جذرياً عما تتداوله وسائل الإعلام التي يعكس بعضها تمنيات الفريق الذي تناصره، وأن ما بدأ يتضح تباعاً هو مسؤولية كل الأطراف المعنية بالتحقيق. بكلام آخر، ثمة معطيات تدل على أن المتظاهرين بالغوا في طريقة التعبير عن احتجاجهم وأن العسكريين كانوا سريعين جداً لإطلاق النار، فيما لا تزال مسؤولية الأطراف الأخرى الموجهة الأنظار إليها غير واضحة وتحتاج إلى المزيد من التحقيقات قبل جلاء الصورة.
وفي هذا الإطار، ترى هذه الأوساط أن كل اللبنانيين، وبخاصة السياسيين، مسؤولون عما جرى أكثر من الذين كانوا في الشارع. فالناس العاديون يؤخذون بخطاب السياسيين الذي غالباً ما يعظّم الأمور ويعبئ الجماهير ويزيدها احتقاناً لإبقائها على جهوزيتها. وبعد أكثر من عام على هذه التعبئة دون أفق، ومع ازدياد الأوضاع السياسية تعقيداً والأوضاع المعيشية والاجتماعية سوءاً، ما الذي يمكن توقعه من الناس العاديين العاطفيين؟ كما أن لوسائل الإعلام التي تبالغ في انحيازها إلى حد تشويه الحقائق أو التلاعب فيها أيضاً مسؤولية في ما جرى الأحد الماضي.
ومن الأمثلة على المسائل التي أثارها الإعلام في شكل غير دقيق قضية تشكيلات الوحدات العسكرية التي أجراها الجيش أخيراً. إذ قيل إن فوج التدخل الخامس قد نُقل من المتن استجابة لأحد أركان الموالاة لأن قائده متعاطف مع العماد ميشال عون، ولكن ما جرى إغفاله هو أن هذا الفوج نُقل إلى الضاحية الجنوبية وكان مسؤولاً عن الأمن في يوم الأحد الأسود.
أما مسألة انتظار التوافق السوري ـــــ السعودي لحلحلة الأزمة، فعلى الأقل كان لرئيس مجلس النواب شجاعة إعلانها أكثر من مرة، فيما لم ينف أحد، من الموالاة والمعارضة، هذا الكلام الذي لا نعت ملائماً له.