حسن عليق
وحدها لجنة التحقيق الدولية حققت عام 2007 تقدماً في التحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما أكثر الجرائم الإرهابية الأخرى، فلم تقدّم القوى الأمنية للسلطات القضائية بعد ما يمكنها، حتى، من إصدار مذكرات توقيف، في وقت يعاني فيه القضاء من عدم تحسين المحاكم وتعطيل التشكيلات وغياب الكبار، إما وفاةً أو تقاعداً، من دون تعيين بدلاء أصيلين

بعد مرور أكثر من 11 شهراً على أحداث الجامعة العربية يوم 25 كانون الثاني 2007، لم تقدم السلطات الأمنية والقضائية جواباً شافياً للمواطنين عما جرى. فما قيل إنه مجموعة من القناصين الذين انتشروا على أسطح البنايات، وروّعوا المواطنين ويشتبه في تسببهم بمقتل 5 أشخاص على الأقل، «عادوا إلى قواعدهم سالمين»، من دون تقديم أي منهم إلى المحاكمة. ورغم محاكمة عدد من المشتبه فيهم بجرم إطلاق النار أو مقاومة العناصر الأمنية وأعمال الشغب وقطع الطرقات، إلا أن القضية لم تتوضح جميع ملابساتها بأحكام تصدر باسم الشعب وتمنحه طمأنينة إلى قدرة نظام العدالة على حمايته وإعادة حقوقه له.
ملف أحداث الجامعة العربية لم يكن الاستثناء، فأكثر الملفات والحوادث الأمنية والجرائم الإرهابية الكبرى التي شغلت البلاد على مدى الأعوام الثلاثة السابقة، إضافة إلى ما جرى خلال العام المنصرم، لم يحصل فيه تقدّم ملحوظ أمنياً أو قضائياً، باستثناء جريمة عين علق وعدد من تفجيرات شرق صيدا والتفجير الذي استهدف الكتيبة التانزانية يوم 17 تموز 2007.
في الأخيرة، أحيل من أوقفتهم مديرية المخابرات في الجيش، والذين يشتبه في ارتباطهم بأمير فتح الإسلام في مخيم عين الحلوة أبو محمد عوض، على القضاء العسكري، لكن من دون قرار اتهامي بعد. وفي الثانية، أوقف فرع المعلومات شابين اعترفا، وبحسب قرار الهيئة الاتهامية في بيروت، أن أبو محمد عوض كلفهما بعدد من التفجيرات وبسرقات في بيروت. ولا يزالان قيد التحقيق لدى القضاء العسكري. أما جريمة عين علق، فبعد شهر على وقوعها، أعلن وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي يوم 13 آذار 2007 توقيفَ المشتبه فيهم بارتكابها وانتماءهم إلى «فتح الإسلام». وحتى اليوم، لم يصدر قرار اتهامي.
أما التفجيرات المتنقلة بين الأشرفية وفردان وعاليه وسد البوشرية وذوق مصبح، والتي واكبت العمليات العسكرية التي شهدتها منطقة الشمال بين القوى الأمنية و«فتح الإسلام» ابتداءً من 20 أيار 2007، فلم تُكشف تفاصيلها بعد، رغم توجيه قيادة الجيش أصابع الاتهام إلى خلايا مرتبطة بـ«فتح الإسلام» بالوقوف خلفها. كما أن التحقيق في التفجير الذي استهدف الكتيبة الإسبانية في سهل الخيام يوم 24/6/2007، وأوقع ستة قتلى في صفوف الكتيبة المذكورة، لم يتوصل حتى اليوم إلى خطوط يُعتدّ بها في التحقيق تسمح بتوقيف أحد.
أما قضية أحداث الشمال، التي ينظر فيها قاضي التحقيق العدلي الرئيس غسان عويدات، فلا تزال قيد المتابعة ببطء يفرضه العدد الكبير للمدّعى عليهم الموقوفين (أكثر من 200)، والذين لا يوجد مكان يتسع لمحاكمتهم، سوى «هنغار» اقتُرِح بناؤه قرب سجن رومية.

إرهاب من دون محاسبة

زياد الغندور وزياد قبلان، اختطفا يوم 14/4/2007 ووجدت جثتاهما في جدرا بعد ثلاثة أيام. أحيلت القضية على المجلس العدلي وتولى التحقيق فيها القاضي مالك عبلا. ورغم توقيف عدد من الأشخاص منذ ذلك التاريخ، إلا أن المشتبه فيهم الرئيسيين لا يزالون متوارين عن الأنظار. ويصرّ أهالي عدد من الموقوفين على أن هؤلاء أبرياء مما ينسب إليهم، وأن المشتبه فيهم الرئيسيين كانوا على علاقة شخصية بهم من دون أي تدخل لهم في الجريمة.
وفي جريمتي اغتيال النائبين وليد عيدو وأنطوان غانم، لا تزال ملفات التحقيق من دون تحديد أي مشتبه فيهم. أما الجريمة التي اختتم بها هذا العام، وهي اغتيال العميد الركن فرانسوا الحاج، فلا تزال التحقيقات في بدايتها، وينتظر أن تسمح الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة للمشتبه فيهم بشراء السيارة بالمساعدة على تحديد هوية هؤلاء الأشخاص.

القضاء المنهك

على الصعيد القضائي، لا تزال التشكيلات، غير المقرّة بسبب خلوّها من توقيع رئيس الجمهورية، تعيق عمل القضاء وتمنع من تغيير بعض المواقع الشديدة الأهمية وضخ دم شاب في السلك من خلال تعيين ثلاث دفعات من القضاة الجدد. الشلل النسبي الذي تعاني منه السلطة القضائية لم يسمح بتعيين بدلاء أصيلين مكان القضاة الذين بلغوا السن القانونية للتقاعد عام 2007، بل جرى انتداب زملاء لهم في أماكنهم. وأبرز هؤلاء كان رئيس هيئة القضايا القاضي بشارة متى ورئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي ميشال أبو عراج ورئيس الهيئة الاتهامية في بيروت القاضي جميل بيرم.
وحتى لو استخدم مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية لإقرار التشكيلات، فإن قضاة يشغلون مراكز رئيسية سيحالون على التقاعد خلال العام المقبل، وأبرزهم: رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي أنطوان خير ــ رئيس هيئة التفتيش القضائي الرئيس محمد علي عويضة ــ رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي عفيف شمس الدين ــ النائب العام المالي خليل رحال ــ الرئيس الأول الاستئنافي في جبل لبنان صلاح مخيبر ــ النائب العام الاستئنافي في البقاع عبد الله بيطار، إضافة إلى رؤساء محاكم تمييز ومستشارين وعدد كبير من القضاة.
ويعدّ هؤلاء القضاة الكبار، بحكم الخبرة والمراكز الحساسة التي يتبوّأونها، العمود الفقري لعدد من المحاكم الرئيسية، وخاصة محاكم الاستئناف والتمييز.
«الشلل» الذي تعانيه سلطة العدل، والأوضاع الصعبة التي تعيشها لناحية تأثرها بالأوضاع العامة في البلاد وعدم صلاحية أماكن عمل القضاة، لم يمنع هؤلاء من القيام بواجباتهم في تسيير شؤون المواطنين. ففي بيروت وحدها، نظر قضاة التحقيق خلال العام الفائت في 1697 ملفاً، وأصدروا 2857 مذكرة توقيف. واستقبلت النيابة العامة 14957 شكوى وسُجِّل لديها 21954 محضراً. أما القضاة المنفردون الجزائيون، فقد نظروا في 8643 قضية. وورد إلى سجلات محكمة الجنايات 1136 قضية، في حين أن الهيئة الاتهامية تلقّت 997 ملفاً.