طارق ترشيشي
الإعلان الرسمي لفريق 14 آذار عن ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية جعل هذا الترشيح بمثابة إلقاء حجر في المياه السياسية الراكدة، وأنتج حراكاً سياسياً على المستوى الداخلي لهذا الفريق مثلما على مستوى الخارج، سواء المعارضة أو ما صدر عن البطريركية المارونية في بيانها الأخير. واللافت في هذا الترشيح ضبابيته وما أثاره من ملابسات، لا يمكن التعاطي معه أيضاً بسطحية نظراً لأهمية الموضوع والشخص المعني، كأن الجميع في مباراة لكرة القدم غير رسمية لكنها ستحتسب في الدولي النهائي المستمر بين الموالاة والمعارضة، الأمر الذي يطرح بعض الأسئلة التي لا بد من تحقيق إجابات عنها لمعرفة النهاية السعيدة أو غير السعيدة لهذا المشروع.
أوّل هذه الأسئلة: هل يمكن تحقيق وفاق لبناني بطرفة عين بعدما عجز عن ذلك كل الموفدين إلى لبنان وزياراتهم المكوكية؟
وثاني هذه الأسئلة: هل يعني أن كل هذه الوفود كانت مهمتها تقطيع الوقت أو محاولة ربح ما أمكن من مكتسبات من المعارضة لمصلحة الإدارة الأميركية التي فوّضتها قبل أن تضطر الإدارة الأميركية للتسليم بالأمر الواقع؟
وثالث هذه الأسئلة: هل يعني أن الآمر الناهي في الملف اللبناني هو القرار الأميركي الذي إذا أراد التسوية وفقاً لمعطياته ومصالحه يمكن أن تصبح الأمور سهلة وممكنة في أقل من أسبوع، وإذا لم يُرد، كما كان واقع الحال في العام الماضي فلن يستطيع أحد عربياً كان أم أوروبياً أن يؤسس لأي حل؟
ورابع هذه الأسئلة: هل الأطراف اللبنانية، ولا سيما منها طرف الموالاة، تضاف إليها بكركي، استعملت درعاً واقياً للسياسة الأميركية وتم استغلالها حتى لا يصاب القرار الأميركي بالجروح بينما اثخنت هذه الموالاة بهذه الجروح وعلى رأسها بكركي المخدوعة والمنفعلة والخائبة؟
وإذا تحققت بعض الإجابات عن هذه الأسئلة يُطرح سؤال أساسي هو: هل بدأت الإدارة الأميركية مرحلة المقايضات الإقليمية لحفظ مصالحها في العراق بالتخلي عن الساحات الرديفة والجماعات السياسية الحليفة التي تعدّ من الكماليات السياسية الأميركية أو أدوات للمشروع، على أن يبدأ التنازل في الساحات الضعيفة، وهي لبنان، بعدما أثبتت الموالاة عجزها مع كل الدعم الذي توافر لها أميركياً ودولياً؟
كل المعطيات تشير إلى أن القرار الأميركي الذي لا يزال في مرحلة المشروع أو الاقتراح لإجراء التسوية، لم يصل إلى مستوى القرار التنفيذي لبدء التوافق في لبنان. ويدلّ على ذلك الارتباك السائد داخل فريق الموالاة، وكذلك التخبط ومسح المواقف من سلاح المقاومة والقرارات الدولية، والتوافق وتعديل الدستور الذي لا يزال حتى اللحظة كلاماً لم يترجم وبالتالي لا يمكن البناء عليه.
وتشير التطورات حتى الآن إلى أن المعارضة استوعبت المناورة وتماسكت وبقيت على وحدتها، وأنها لن تخدع مثلما حصل في الماضي من التحالف الرباعي على طاولتي الحوار والتشاور اللتين أنتجتا محكمة دولية مهرّبة. وبالتالي، لن تقايض العماد سليمان بشرعية الحكومة وقراراتها، ولن تتراجع عن «السلة الكاملة» عنوان مشروع الدولة الجديد لا مشروع الرئيس الجديد. وهذا الواقع تؤكده تحضيرات المعارضة للتحرك الشعبي المرادف والموازي للحوار السياسي في انتظار صدور الموقف الرسمي لفريق 14 آذار من ترشيح العماد سليمان وطريقة التعديل الدستوري المطلوب لإجازة انتخابه وإمكاناته، وتأليف الحكومة الجديدة، حيث إن الشرط الأساسي لدى المعارضة هو استبعاد اسمي رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة عن رئاسة الحكومة الجديدة بالتوازن والتوازي مع استبعاد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون عن رئاسة الجمهورية، والمرجح أن يتولى الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة التي سيكون من أولى مهماتها إقرار قانون انتخاب جديد والإشراف على الانتخابات النيابية ربيع عام 2000. ويضاف إلى ذلك عقدة تشكيلة الحكومة حيث إن «جائزة الترضية» لـ«القوات اللبنانية» بإعطائها 3 وزراء ستستدعي اعطاء عون 6 وزراء على الأقل، مما يسلب كتلة «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط إمكان المشاركة في تسمية الوزراء المسيحيين كما كانت الحال سابقاً، لأن رئيس الجمهورية يريد حصته.
وفي ضوء ذلك فإن الاستحقاق الرئاسي يعيش في حالة «العناية المركّزة» أو «التنفس الاصطناعي» ولا يمكن التنبؤ بأن هذا الاسبوع سيكون أسبوع الحسم، وأن جلسة الجمعة المقبل مرشحة للتأجيل، خصوصاً إذا صح ما ينقل عن النائب الحريري، أنه يعطي الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية قبل البحث في الحكومة الجديدة حجماً وحصصاً وبياناً وزارياً، في الوقت الذي تصرّ فيه المعارضة على «سلة حلول متكاملة» يكون انتخاب رئيس جديد أحد بنودها، وليس الأساس فيها.