غسان سعود
سبّبت زيارة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع لمكتب قائد الجيش العماد ميشال سليمان إرباكاً كبيراً في أوساط ضباط وعسكريين حاليين ومتقاعدين وجدوا في صورة «الحكيم» مبتسماً في صالون اليرزة استفزازاً لكرامتهم ومعنوياتهم وتضحياتهم. وبعفوية، أجرى هؤلاء العسكريون عدة اتصالات بالقيادة للاستفسار عن هذا الاستقبال المفاجئ لرجل «ألحق بالجيش أكبر خسائر مادية ومعنوية منذ وجدت المؤسسة».
ورغم التطمينات التي أشاعها المقرّبون من سيد اليرزة انطلاقاً من «ضرورة الزيارة للتفاهم على قضايا تجنّب الوطن حروباً وويلات جديدة»، أكد عدد كبير من الضباط الحاليين والمتقاعدين أن لديهم تحفظات كثيرة على استقبال جعجع في اليرزة كمرجعية سياسية، «حتى لو لضرورات رئاسية»، وخصوصاً أنّ جعحع لم يقدّم اعتذاراً علنياً من المؤسسة التي أساءت إليها «القوات اللبنانية» يوم كانت ميليشيا.
وينطلق أحد العمداء المتقاعدين في مقاربته الساخطة للزيارة الأخيرة من «قاعدة مقدسة في الجيش اسمها حفظ معنويات العسكر»، والتي تقوم على معاقبة كل معتد على الجيش. ويلفت العميد الطيّار المتقاعد إلى صدور إدانات واضحة عن المحكمة العسكرية بحق قياديين في القوات اللبنانية بتهم متنوعة تصب جميعها في خانة ضرب المؤسسة العسكرية. ويضيف: إن زملاءه لم ينسوا بعد مقولة جعجع الشهيرة «خلّي الجيش يجي يلتحق بالقوات»، إضافة إلى تصفية الجنود ونهب ثكنهم ومصادرة عتادهم.
وينقل ضابط آخر غصّته وزملاءه حين شاهدوا صورة جعجع في وزارة الدفاع، خلال تناولهم الغداء في منزله الواقع في بلدة أنطلياس. واستغربوا عدم طلب سليمان، الذي يشدد دوماً على فصل السياسة عن الجيش، استقبال جعجع في مكتب وزير الدفاع حفاظاً منه على رمزية مكتب قائد الجيش. ويؤكد الضابط أن زملاء له متقاعدين، يشاركونه الغضب، سيعدون مذكرة احتجاجية تطالب بـ«محاكمة جعجع على ما ألحقه بالعسكريين بدل اعتباره شريكاً في الوفاق الوطني، وإرجاعه إلى مكانه في زنزانة وزارة الدفاع بدل استقباله في صالون اليرزة».
وفي السياق التصعيدي نفسه، يقول أحد الضباط المتقاعدين إن قائد الجيش مطالب بتوضيحات، وخصوصاً أنه ابن بلدة عمشيت الشاهدة على مآثر استثنائية لقوات جعجع بحق ثكنة الجيش فيها. ويقول الضابط إن أهل عمشيت يذكرون جيداً بطولة الرائدين كنعان عيد وأنطوان حداد وعشرات الرتباء الذين تمت تصفيتهم على أيدي مقاتلي القوات المؤتمرين بجعجع.
وإذ يمضي الضابط في تعداد شهداء الجيش من ثكنة عين الرمانة إلى عمشيت، مروراً بأدما وضبية، يقاطعه زميله مؤكداً أن الرئيس أمين الجميل كان الضيف الرئيسي في مكتب قائد الجيش يوم السبت الماضي، وحضور جعجع كان ثانوياً ولا يستحق تحويله حدثاً كبيراً، مشيراً إلى أن سليمان يعي جيداً نظرة جعجع للجيش و«لا يمكن أن يبلعها مهما كان الثمن»، داعياً إلى قراءة الزيارة بالمقلوب، من منطلق أن عودة جعجع مكسوراً إلى اليرزة وطلبه لقاء قائد الجيش وقبوله بترشيح «سيد اليرزة» إنما تشكل استخفافاً في مشاعر قواتيين كثر اعتادوا شتم هذه المؤسسة، وتنكراً لشهداء دفعهم بنفسه إلى الموت من أجل قضية، أحد أبعادها تزوير العبارات لتغدو «القوات هي الحل».