strong>نادر فوز
• لم تسقط الحكومة... لكنّ تجربة الاختلاط نجحت

عادت يوم السبت الماضي مكبّرات الصوت إلى ساحة رياض الصلـح، ومعهـا الخطبـاء ومنـاصرو المعـارضة محاولين إعادة الحياة إلى الساحتين المشلولتين منذ أكثر من عـام

أطفأ المعتصمون في وسط بيروت شمعتهم الأولى في ظلّ حضور جماهيري «خفيف»، حاولت بعض الشاشات بلورته بأبهى صوره، إلا أنه يمكن زائر الاعتصام أن يرى حجم المشاركة الضئيل: فـ«الدعوة لم تكن عامة، والمطلوب أن تكون الذكرى رمزية»، يشير أحد المسؤولين في المعارضة. لم يكن الاحتفال بالذكرى الأولى رمزياًَ على صعيد الحشد فحسب، بل على صعيد المتحدثين من قوى المعارضة أيضاً، إذ حضر ممثلو هذه القوى من «الصف الثاني». وكان اللافت حصر الاحتفال بساحة رياض الصلح حيث استُحدثت خيم حديدية تحسباً للأمطار.
تحدث خلال الاحتفال كل من النائب في كتلة الوفاء للمقاومة حسين الحاج حسن، الوزير السابق اللواء عصام أبو جمرا، منسّق عام التيار الوطني الحر بيار رفّول، أمين سر حركة الناصريين المستقلين خالد الرواس، أمين عام الحزب الديموقراطي اللبناني زياد الشويري، منسق الشؤون السياسية في تيار المردة يوسف سعادة، نائب رئيس المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي توفيق مهنا، منسق ندوة علماء الشمال وعكار الشيخ عبد السلام الحراش، والنواب السابقون عدنان عرقجي، فيصل الداوود، وزاهر الخطيب. وشدّدت الكلمات على إيجابيات الاعتصام وما حقّقه من أهداف سياسية ضمن الأطر السلمية والحضارية، كما جرى تشديد على ضرورة التمسّك بالوفاق والحفاظ على السلم الأهلي.

NOT FOR SALE

وقد رأى بعض المسؤولين في المعارضة أنّ الظروف الحالية أدّت إلى إحياء هذه الذكرى رمزياً. وأكّد مسؤول التعبئة في التيار الوطني الحرّ، لواء شكّور، أنّ المصلحة الوطنية اقتضت عدم تركيز قوى المعارضة على تأمين حشد جماهيري واسع «كي لا يعدّ الأمر ضغطاً على السلطة».
وقال شكّور إنّ الظروف الأمنية أسهمت أيضاً في عدم حضور وجوه الصفّ الأول، مما أضفى الصفة الرمزية على الاحتفال. ولفت شكّور أيضاً إلى أنّ تدهور الوضع الاقتصادي، الذي تحاول الحكومة التسليط عليه، يقع على عاتقها هي إذ «عليها دفع تعويضات للتجار وخفض الرسوم».
أمّا المسؤول الإعلامي في حزب الله، حسين رحّال، فرأى أنّ حجم التحرّك جاء كما أرادت القوى المنظّمة له، مشيراً إلى أنّ «الأوضاع الحالية بمختلف أبعادها اقتضت ذلكوأشار رحّال إلى أنّ الشعار الرئيسي للاعتصام بعنوان «إسقاط الحكومة» لم يتحقّق، إلا أنه سمح بتحقيق «توازن سياسي وتجربة شعبية تستحق الدراسة لما ترجمته من انصهار وطني وانفتاح واختلاط»، فيما سياسة الحكومة تتجّه نحو الفتنة والتقسيم» بحسب رحّال. وعن المسألة الاقتصادية، وأكد رحّال أنّ مؤسسات كبيرة أُقفلت مع بدء الاعتصامات عام 2005، لافتاً إلى ضرورة مراجعة مشاريع الإعمار وبناء الاقتصاد منذ عام 1992 التي «حصرت الاقتصاد اللبناني بشارع»، وطالب الحكومة «المدعومة من الأميركيين وغيرهم» بفكّ الحصار عن السرايا والوطن. ولفت كل من شكّور ورحّال إلى تحضيرات قائمة لتحركات شعبية خلال الأسبوع الحالي.
ومع الذكرى الأولى، عاد باعة الكعك وغزل البنات والبالونات، إلا أنهم لم يجدوا في الساحة سوقاً على غرار الأيام الأولى للاعتصام. أبو أحمد، أحد هؤلاء الباعة، حاول، بحسب تعبيره، «الإمساك» بالمدخل الرئيسي للاعتصام إلا أنّ الحضور لم يكن «قد ما توقّعنا»، ليضيف تمنيّاته بأن تعود الأمور إلى سابق عهدها وتهدأ الأوضاع «لكي نسترزق». في المقلب الآخر، حضرت أعلام حزب الله، التيار الوطني الحرّ، تيار المردة، حركة أمل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب الديموقراطي اللبناني، الحزب الديموقراطي الشعبي، حركة الناصريين الديموقراطيين والتنظيم الشعبي الناصري، إضافةً إلى حضور مفاجئ لحزب التوحيد اللبناني وراياته الحمراء. ومع هذه الأعلام، حضرت قوافل الجيش الذي زنّرت عناصره الوسط التجاري تحسباً لأي طارئ. وعمدت العناصر المولجة حفظ أمن المخيّم إلى إغلاق «الحدود» الجنوبية المطلّة على «ضريح الرئيس الحريري»، فيما توزّع «مدنيو» فرع المعلومات عند الضفّة الأخرى.
بدأ التجمّع صباحاً، واكتمل مع بدء المهرجان عند الساعة الرابعة بعد الظهر، وكانت مجموعات من الوافدين تصل تباعاً حاملةً لافتاتها: «عام على الاعتصام من أجل الشراكة»، «نعم للاستقلال لا للوصاية»، «الوطن Not for sale»، «احذروا ج³: جنبلاط، جعجع، جيفري» وغيرها من الشعارات الموحَّدة. فيما استحدثت مجموعة شبان شعاراً يزايد على المزايدين «يا بطرك حلّك حلّك، جاي عون محّلك».

حضرت الأناشيد وغاب «المغلي»

في الساحة، المطالب نفسها والإصرار نفسه تحت شعار «نحن»، أي نريد حكومة نظيفة. ورغم مرور عام كامل دون أن تسقط الحكومة، فإنّ المعتصمين لا يزالون يصرّون على ضرورة الإتيان بحكومة توافقية تتمثّل فيها كل الأطراف بشكل عادل.
وعلى أنغام «يا صنّاع الفتن» و«نصرك هزّ الدني» و«حيّ على الإصلاح» وغيرها من الأغاني الحماسية، استكملت التعليقات بالهجوم على رئيس هذه الحكومة وتياره السياسي، فهو بتمسّكه بالكرسي «من عطّل الحياة الاقتصادية ومن أوصل البلاد الى هذه الأوضاع». وكان لعبارة «لنّ يرفّ لي جفن»، التي أطلقها السنيورة العام الماضي، الحيّز الأكبر، فـ«كيف يمكن شخصاً كهذا لم يرفّ له جفن جراء المجازر والتدمير في حرب تموز أن يفعل ذلك اليوم».
إصرارا آخر طرحه المعتصمون على عدم السماح للولايات المتحدة و«جماعاتها» بحكم لبنان، فعاد منطق «التخوين» رغم الصفقات والمساومات التي يمكن مسؤولي المعارضة المصادقة عليها باسم التوافق.
وعلى هذه الأنغام، شُغل الأطفال باللهو ولعب «الغميضة» في الخيم الخالية من روّادها، وكانت لهم أيضاً آراؤهم في الاعتصام، وحبّهم لـ«السيّد» و«الجنرال» دفعهم إلى الحضور.
مضى عام على اعتصام ساحتي الشهداء ورياض الصلح، فغاب «المغلي» هذا العام، لتحضر «السنينيّة» احتفاءً بظهور الأسنان الأولى لابن المعارضة الأوّل الذي دخل عامه الثاني.

خارج
التوافق


في المقلب الآخر من وجه بيروت المعارض، امتعض المواطنون الموالون للحكومة من الأجواء التي عادت إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح.
فشكا البعض من التفاصيل الناتجة من الاحتفال، بدءاً بمكبّرات الصوت، فزحمة السير التي سبّبها الاحتفال، انتهاءً بالأمور السياسية الاعتيادية.
ورأى أحد سائقي سيّارات الأجرة المتوجّه من السوديكو إلى التباريس أنّه «يكفي إضعافاً للسلطات وتهديداً للشعب بالسلاح»، ليستكمل بعدها عرض المآسي المعيشية اليومية، من الوضع الاقتصادي إلى الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وإن كان احتفال السبت قد بدا خارج المشهد السياسي التوافقي الذي بدأ يلوح في الأفق، فإنّ تعليقات المواطنين من فريقي الموالاة والمعارضة دلّت كم أنّ هذا التوافق لا يزال بعيداً عن أجواء الشارع.