وثيقة عون تطالب «مرجعيّة بكركي» بأن «تنأى بنفسها عن التجاذبات»
وسط شبه الإجماع العلني على الرئيس المقبل، وتزايد «المتبرّعين» بإيجاد المخارج للتعديل الدستوري، تبلورت أمس ملامح أزمة جديدة متمثلة بخلاف على مرحلة ما بعد ملء الفراغ. فهل يكون التوافق ضمن سلة واحدة أم خطوة خطوة؟

إذا كانت الكرة قد انتقلت مرحلياً إلى ملعب المعارضة، بإعلان قوى الموالاة ترشيحها لقائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، فإن الملعب السياسي انكشف أمس أمام سلسلة من الهجمات والهجمات المضادة ظاهرها «اللعب النظيف»، وباطنها حرص كل طرف على تسجيل الأهداف في مرمى الآخر.

«لا بحث في التعديل قبل التفاهم»

فمع تداول أكثر من فكرة للتعديل الدستوري الذي بدا فجأةً «سهلاً»، برزت أمس عقدة الشروط التي رافقها الرفض المسبّق. وخطة الحل التي تردد أنها موجودة عند رئيس مجلس النواب نبيه بري، بقيت في جاروره، ولم يجد النائب ميشال المر بعد زيارته عين التينة أمس، إلّا الإيحاء بما يفرج عنها، قائلاً «ستجرى بعض المشاورات حتى نستطيع تعجيل الخطوات التي يجب أن تحصل في أسرع وقت ممكن»، معتبراً أن المرحلة «يمكن أن تكون النهائية، وتتطلب بعض التوضيحات بين الأفرقاء». ونفى في الوقت نفسه وجود شروط وسلة متكاملة «الرئاسة شيء والشروط شيء آخر».
لكن الموقف الأوضح قاله النائب ميشال عون خلال مؤتمر صحافي للإعلان عن «وثيقة المبادئ والثوابت المسيحية»، وبعد لقائه سليمان ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي زار بري أيضاً، إذ جزم بأن البحث في تعديل الدستور «لا يبدأ قبل التفاهم السياسي»، وأن «النقاش في تصحيح الخلل يتم قبل إتمام الاستحقاق الرئاسي»، مكرراً أن دعمه لترشيح سليمان كان على أساس مبادرته الأخيرة.
وفيما كشف النائب سليم عون أن المعارضة بصدد خطوات سلمية لتسريع عملية التوافق، تحدث النائب حسن حب الله عن أزمة ثقة بين الموالاة والمعارضة، وقال إنه «من الطبيعي أن تطالب المعارضة بما يطمئنها للوصول الى التفاهم، وأن تطرح الاتفاق ضمن سلة واحدة». وأشار النائب ميشال موسى الى وجود «إشكالية في موضوع الحكومة»، مطالباً بتعديل دستوري «سقفه التوافق بين القوى السياسية اللبنانية وهذا الأمر حاصل».
كذلك دعت أحزاب المعارضة إثر اجتماع لها في صيدا، الى أن يكون الاتفاق «سلة واحدة ويشمل رئاسة الحكومة والبيان الوزاري وقيادة الجيش». فيما أعلن رئيس جبهة العمل الإسلامي الداعية فتحي يكن أن المعارضة بصدد وضع برنامج مرحلي في حال التوافق مع الموالاة ينتهي بالتوازي مع ضمان مجيء سليمان الى سدة الرئاسة، ومن ذلك تحركات شعبية، ومن ثم الإعلان عن فك الاعتصام بشكل جماهيري.
وفي المقابل، انطلق رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، من اتصال تلقّاه من الرئيس فؤاد السنيورة، ليوحي بأن الأخير هو العراب المحلي لترشيح سليمان، عبر القول إن رئيس الحكومة «أثنى» على موقف 14 آذار بترشيح سليمان والقبول بتعديل الدستور، وإنه بدوره، أبدى قلقه «من نيات الفريق الآخر تجاه الانتخابات الرئاسية، لأن المؤشرات الأولى تدل على رغبته في إبقاء سدة الرئاسة فارغة بدليل طرحه مجموعة شروط في غير مكانها وزمانها». وذكر أنهما اتفقا «على إبقاء الاتصالات مفتوحة لإزالة العقبات والصعوبات التي تواجه حل الأزمة الرئاسية».
وإلى جعجع، اتصل السنيورة بالأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وعدد من القيادات الروحية اللبنانية والرئيس أمين الجميل.

مبارك وموسى يتبنّيان ترشيح سليمانوذكرت وكالة «نوفوستي» أن لافروف شدّد خلال الاتصال على أن موسكو ستواصل العمل على حل الأزمة اللبنانية بما يأخذ في الحسبان مصالح جميع الأطراف، وأنه بحث قضايا تتعلق بمؤتمر أنابوليس.
وأشاد موسى بترشيح سليمان، معتبراً أنه «اختيار سليم وجاد»، وأن التوافق عليه «أمر مطمئن، وهو خيار نؤيده، لكن الأمر يعود في النهاية الى اللبنانيين من دون أي تدخل خارجي».
وتلقى السنيورة مساءً اتصالاً من وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الذي اتصل أيضاً ببري. ثم ترأس اجتماعاً وزارياً تشاورياً، جرى خلاله استعراض للأفكار المتداولة لتعديل الدستور.
كذلك رأى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني أن رفض «طرف لبناني» مرور آلية التعديل الدستوري عبر الحكومة «تناقض ظاهر لا يخدم مشروع التوافق». ودعا الى التعالي على الخلافات والتعاون على آلية التعديل بالتوافق.

وثيقة عون من الكيانيّة إلى الخلاص

وبالنسبة إلى وثيقة عون، فقد تضمنت 10 بنود، استهلها بالتشديد في «المسألة الكيانية» على الحرية والتعددية وقبول الآخر والشراكة والتوازن والديموقراطية التوافقية ورفض سياسة المحاور الإقليمية والدولية، داعياً الى قراءة متأنّية لوثيقة التفاهم مع حزب الله. ثم تناول موضوع تهميش المسيحيين، قائلاً: «فيما تبوّأت الزعامتان الشيعية والسنية منصبي رئاسة مجلس النواب والحكومة، كان للخارج مع بعض الداخل دور كبير في إنكار هذا الحق على المسيحيين».
ولرعاية العلاقة بين الأطراف المسيحيين، حدّد مبدأين: الأول هو الحفاظ على التنوع الفكري والسياسي والتعدد الحزبي وغير الحزبي، والثاني الاعتراف بالآخر وعدم الانقلاب على الديموقراطية وتداول القيادة السياسية، وركيزتين: الأولى حق القيادة للأكثرية، والثانية خيار الأقلية بالانضمام الى الأكثرية وفقاً لحجمها التمثيلي او تشكيل معارضة. كما حدّد مرجعية هي بكركي «الضامنة والساهرة على احترام هذه القواعد»، والتي «كانت وستكون المرجعية الروحية والوطنية التي لا نزاع عليها. ولكي تبقى كذلك يجب أن لا يُسمح لأحد باستخدامها كسلطة موازية أو منافسة للسلطة السياسية، وأن تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية».
ودعا الى «احترام أصول الديموقراطية التنافسية البسيطة ضمن الجماعة الواحدة المتجانسة طائفياً، والديموقراطية المركّبة التوافقية ضمن المجتمع الأكبر غير المتجانس والمتنوع طائفياً». وطالب بإعادة إنتاج الطبقة المتوسطة والاهتمام باللامركزية والتنمية المتوازية والمستدامة. ورأى أن الإصلاح ومحاربة الفساد «حجر الزاوية في بناء الدولة القوية القادرة والعادلة»، رافضاً «كل مقولات الأمن الذاتي الذي يحمل في طياته سمات التقسيم والتفتيت في مقابل إرساء منظومة دفاعية تكسب لبنان المناعة والاستقرار وتمثّل قوة رادعة في وجه الأعداء». وحذّر من خطرين داهمين «يتهدّدان لبنان ومسيحييه: التوطين، والفائض المالي الذي يستعمل في شراء الأراضي وتبديل هويتها»، إضافة الى المديونية العامة «التي يخشى معها أن تفرض عليه مقايضتها بالتوطين أو سواه من الأخطار».
وختم بأن طريق الخلاص للمسيحيين «هو في الانتقال من مرحلة الاعتراض والممانعة إلى فعل المقاومة السياسية الكفيلة وحدها بالمحافظة على وجودهم ودورهم»، معتبراً الوجود الحر «تحديّاً كبيراً وتاريخياً مطروحاً على شركائهم المسلمين إن أرادوا لهذا الوطن أن يبقى مطرحاً للتلاقي والتنوع والحوار، مثبتين بذلك أن الإسلام دين رحمة وتسامح وقبول للآخر». ورداً على سؤال، نفى أن تكون الوثيقة «إعادة تسويق» للتفاهم، قائلاً: «لم تسقط ورقة التفاهم مع حزب الله لكي نعمل على إعادة تسويقها». كما نفى أن تكون انتقاداً للبطريرك نصر الله صفير بل «لتحصين موقع بكركي ولسلامته لا لانتقادها. هناك ألم في صدر البطريرك لأنه أقحم، ألا تشعرون اليوم بأنه متألم لأنه ضُغط عليه وأقحم؟».

البرلمان الأوروبي: لحل يناسب الجميع

من جهة ثانية، جال وفد من لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي على السنيورة والنائبين وليد جنبلاط وحسين الحاج حسن، واجتمع الى لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين في مجلس النواب وقال رئيس اللجنة خوسيه إينياسيو سلافرانكا، في مؤتمر صحافي، إن الوفد أدرك بعد لقاءاته «وخاصة بعد زيارتنا لسوريا، أن هناك توافقاً في الآراء بشأن التوصل إلى الاسم، وهو قائد الجيش العماد ميشال سليمان»، داعياً إلى تجاوز العقبات الدستورية للوصول إلى حل يناسب الجميع»، وإلى حل المشاكل «خطوة خطوة».