الخيام ــ عساف أبو رحال
أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في أوائل الأربعينيات، بنى الجيش الإنكليزي مطاراً عسكرياً في أقصى الجزء الجنوبي من سهل مرجعيون، قبالة مستعمرة المطلة، عمل فيه مئات العمال اللبنانيين ثلاث سنوات. ويضم مدرجين ومرائب للطائرات وأبراجاً للمراقبة وغرفة قيادة. وتحوطه تحصينات عسكرية وخنادق أقامها الجيش الإنكليزي لحماية منشآته وطائراته من أي هجوم محتمل، ويعرف اليوم بـ«مطار المرج».
يقول طانس الخوري من بلدة القليعة: «مطار المرج بناه الإنكليز في أوائل أربعينيات القرن الماضي، خلال فترة انتدابهم على فلسطين، على مساحة من الأراضي الزراعية كانت عبارة عن بساتين من التفاح، أسهم في بنائه مئات العمال اللبنانيين من القرى المجاورة طوال ثلاث سنوات». وقال إن «شاحنات عسكرية، تابعة للجيش البريطاني، كانت تنقل العمال من قراهم إلى المرج والأماكن المحيطة به، حيث كان يجري العمل بوتيرة سريعة. ولفت إلى أن الملاحة الجوية في المطار استمرت نحو خمس سنوات، مذكراً بحوادث عدة وقعت فيه أدت إلى تحطم عدد من الطائرات عند هبوطها، لوقوع المطار في منطقة سهلية ضيّقة، تحيط بها المرتفعات من ثلاث جهات: تل دبين شمالاً، تل الحمامص شرقاً، وتل النحاس غرباً».
وأوضح جورج عطا الله من بلدة برج الملوك «أن أجر العامل اليومي كان ليرة ونصف الليرة»، مشيراً إلى أن مشروع بناء المطار سبقه شق شبكة من الطرق لربطه بالقرى المجاورة، وأعقب ذلك بناء مراكز عسكرية في الجهتين الشرقية والغربية، تقوم إلى جانبها خنادق ودهاليز وحواجز صخرية على مكعبات لسد الممرات الطبيعية أمام المدرعات والآليات العسكرية. وكانت المرحلة الأخيرة بناء المطار الذي عمل فيه نحو 200 عامل يومياً لمدة ثلاث سنوات».
أضاف: «استخدمت الحجارة في بناء المرائب ورصف الطرق الداخلية ومهابط الطائرات، ونقلت من مقالع قريبة في منطقة سردا وتل النحاس على ظهور الجمال لعدم توافر وسائل النقل آنذاك. ويضم المطار مدرجين، أحدهما شمالي والآخر غربي. وقد أقيم على مساحة من الأراضي الزراعية تبلغ قرابة عشرة كيلومترات مربعة، تعود ملكيتها حالياً إلى الدولة اللبنانية التي تسلمتها بعد جلاء الانتداب وترسيم الحدود. هذه الأراضي زراعية خصبة، ترويها مياه نبع الدردارة بواسطة أقنية للجر أُنشئت قديماً، ويستثمرها حالياً مزارعو القرى المجاورة بواسطة «الضمان» عن طريق المزاد، وتزرع بجميع أنواع الحبوب».
يضم المطار تسعة مرائب، مساحة كل منها 500 متر مربع، وتتسع لتسع طائرات حربية. ويتكون كل مرأب من ثلاثة جدران مبنية من الحجر الصلب، يرتفع كل منها أكثر من ثلاثة أمتار، وتركت الجهة الرابعة مفتوحة لتسمح بدخول وخروج الطائرات. وفي الجهة الشرقية يقوم مقر القيادة، ويضم عدداً من الغرف، وقد هُدم سقفه بفعل مرور الزمن. وهناك أبراج مراقبة تحوط أرض المطار، لم يبق منها سوى الجزء السفلي، أدت دورها سابقاً في إرشاد الطائرات وتوفير الحماية لكونها مرتفعة عما حولها.
وأقام الجيش الإنكليزي، لحماية مطار المرج العسكري، حواجز عند أسفل المنحدرات المحيطة به لإعاقة تقدم آليات العدو، كما حفر عدداً من الخنادق موزعة في أماكن مختلفة استخدمت سابقاً لأغراض عسكرية تصب في خدمة حماية هذه المنشأة العسكرية من أي هجوم عسكري.
وتعرضت الأراضي الزراعية المحيطة والقريبة من المطار لسرقة كميات كبيرة من التربة تقدر بآلاف الأمتار المكعبة، نقلتها قوات الاحتلال بعد انسحابها في عام 2000 إلى داخل فلسطين المحتلة، وتحديداً إلى داخل البساتين المحيطة بالمستعمرات الشمالية، ما ألحق ضرراً بالأراضي التي باتت على شكل خنادق وممرات يصعب سلوكها واستثمارها قبل إعادة تسوية الأرض.
ويقول إبراهيم شيت، من بلدة كفركلا، يعمل في الزراعة وتربية المواشي ويقيم في السهل قرب المرائب، إن هذه المساحات هي ملك للدولة اللبنانية، يجري ضمان الأرض عبر القائمقام بسعر 15 دولاراً للدونم الواحد، والمطار الإنكليزي في سهل مرجعيون يعدّ معلماً أثرياً بحاجة إلى إعادة ترميم ليكون منشأة عسكرية تدرج على لائحة الأماكن السياحية. لكنه للأسف، بات عبارة عن جدران منسية، صامدة وسط السهل، وشاهدة على التبدلات العسكرية الميدانية، وكان آخرها عدوان تموز 2006.