strong>سجلت المفوضية العامة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى نهاية آب 2007، 7766 لاجئاً عراقياً في لبنان، فيما حددت لـ1600 عراقي مواعيد لديها للتسجيل، وهو ما سيرفع العدد إلى 9 آلاف لاجئ مسجل. ماذا تقول هيومان رايتس ووتش عن أوضاع هؤلاء؟ تنشر «الأخبار» أهمّ ما جاء في التقرير الذي صدر أمس
يستضيف لبنان حالياً خمسين ألف لاجئ عراقي من أصل 2.2 مليون مواطن عراقي سعوا للجوء إلى دول أخرى منذ بدء الحرب العراقية. والخمسون ألفاً الذين يستضيفهم لبنان لا يتمتعون سوى بوسائل حماية قليلة ومحدودة للغاية، رغم أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منحت صفة «لاجئ» لكل الرعايا العراقيين القادمين من وسط وجنوب العراق ممن سعوا للحصول على اللجوء في الأردن وسوريا ومصر وتركيا ولبنان.
وبناءً على تلك الحماية المحدودة وتبعاتها المأسوية على أوضاع وظروف اللاجئين العراقيين في لبنان، أعدت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريراً حول واقع أولئك اللاجئين تحت عنوان «شقاء هنا أو موت هناك، خيارات بائسة للاجئين العراقيين في لبنان»، أضاءت فيه على مأسوية الإجراءات المتخذة بحقهم من قبل السلطات اللبنانية وأرباب العمل، فضلاً عن أوضاعهم القانونية وما يتعرضون له من احتجاز تعسفي، وممارسة السلطات بحقهم مبدأ الإعادة القسرية إلى العراق. «فلبنان كما بعض جيرانه لا يدعم قرار المفوضية بالاعتراف باللاجئين العراقيين بالإنفاذ القانوني للقرار» كما ذكر التقرير. لكن رغم أن لبنان ليس طرفاً في اتفاقية 1951 (اتفاقية اللاجئين) أو بروتوكولها لعام 1967، ورغم أن لا قانون داخلياً لبنانياً مطبق على اللاجئين، أشار التقرير إلى «تحمل واسع» لقوى الأمن الداخلي تجاه العراقيين «فهي لا تعتقل من ليس معه تأشيرة نافذة أو تصريح إقامة بشكل منهجي». ورأى أن التوقيفات الحاصلة بحق العراقيين إنما هي لضمان استمرار إحساسهم بخطر الاعتقال القائم. وقد أدى ذلك الإجراء إلى وجود 580 لاجئاً عراقياً رهن الاحتجاز حتى لحظة إعداد التقرير في تشرين الثاني 2007.

العودة القسرية إلى العراق

أحد العراقيين الذي كان محتجزاً في رومية، قال في مقابلة لهيومن رايتس ووتش، بعد لحظات من «اختياره» العودة إلى العراق، إنه كان قد انتقى خيار البقاء في الحجز لأجل غير مسمى بعد انقضاء محكوميته جراء دخوله خلسة إلى لبنان، إلا أنه عاد وفضل العودة إلى العراق. ولدى سؤاله عن الأمر «رفع إصبعه الذي كان ما يزال مغطى بالحبر الأزرق، وكان قد استعمله ليوقع ببصمته على أوراق عودته إلى العراق، وقال: أترى هذا؟ إنني عائد! هذا السجن أفقدني صوابي، الأرجح أنني سأتعرض للقتل هناك، لكنني عائد، لم أعد قادراً على البقاء في هذا السجن». فالمشكلة بالأصل كما يورد تقرير المنظمة الحقوقية هي في فترة ما بعد الاحتجاز. فعندما تنتهي محكومية المحتجزين داخل السجن تنتقل السلطة إلى الأمن العام اللبناني «الذي يبقي على المحتجزين ولا يرحلهم التزاماً من لبنان بالقانون الدولي بألا يعرضهم للإعادة القسرية إلى حيث تواجه حياتهم أو حرياتهم التهديد». وبالتالي يبقى العراقيون رهن الاحتجاز إلى فترة غير محددة، رغم أن المفوضية تعمل على إخراج عدد ضئيل منهم بعد تسوية أوضاعهم. فيما الغالبية لا تستطيع الخروج من دون الموافقة على العودة إلى العراق. وعليه، فإن الخيار الأخير يعدّ إجباراً للعراقيين، الذين لا يمكنهم تسوية أوضاعهم، على العودة إلى مكان قد يتعرضون فيه للاضطهاد أو التعذيب.

أوضاع العراقيين في السجون

ورأى التقرير أن الاعتقالات الحاصلة تدفع العراقيين إلى عدم التقدم من مفوضية اللاجئين أو سلطاتها خوفاً من الاعتقال على الحواجز الأمنية، لكن ذلك يؤدي فعلياً إلى الاعتقال. أحد السجناء العراقيين في رومية، قال في مقابلة مع المنظمة الإنسانية: «لم يخبرني أحد كم ستطول إقامتي في السجن. أرى أشخاصاً موجودين هنا منذ ثمانية أشهر. وإذا لم أتمكن من تنظيم وضعي القانوني فسوف أعود إلى العراق، وإذا عدت إلى العراق فسوف أقتل. لكن من الأفضل لي أن أعود على أن أقضي هنا يوماً آخر محبوساً مع المجرمين. لم أدخل إلى السجن في حياتي، إنها المرة الأولى. لقد عانيت الأمرّين وأفضّل الموت على البقاء». وذكر التقرير أن «في رومية أنواعاً مختلفة من الزنازين: زنازين مخصصة لشخص واحد يوضع بداخلها أربعة، وأخرى مخصصة لثلاثة أفراد، يوضع فيها ستة، أما المخصصة لثمانية فيشغلها 9». ويذكر التقرير «زنازين كبيرة جداً لم تكن يوماً مخصصة لاستضافة محتجزين، إلا انها الآن تحوي من 100 إلى 120 شخصاً»، ناهيك عن أوضاع النوم وطعام السجن ودورات المياه المزرية، فضلاً عن إيداع العراقيين، المحتجزين لدخولهم خلسة، في الحبس مع مجرمين عاديين.
قدم التقرير عدة توصيات إلى لبنان: «إصدار تصريح تنقل قابل للتجديد لجميع اللاجئين المسجلين لدى المفوضية العامة لشؤون اللاجئين، بغض النظر عن قدرة المفوضية على إعادة توطين هؤلاء اللاجئين في دولة ثالثة. منح اللاجئين العراقيين وضعاً قانونياً مؤقتاً في لبنان وضمان التعليم الأساسي المجاني والإلزامي للأطفال العراقيين. إصدار تعليمات واضحة للشرطة والأجهزة الأمنية بعدم اعتقال أي لاجئ عراقي فقط لكونه موجوداً بصفة غير قانونية، فضلاً عن تعديل قانون 1962 لتنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه لإعفاء طالبي اللجوء واللاجئين من العقوبات الخاصة لكونهم في البلاد بشكل غير قانوني». أما التوصيات إلى القضاء اللبناني فكانت بتفسير قانون الدخول المذكور وإضفاء المراقبة القضائية لكل حالات الاحتجاز لأجل غير مسمى. ووجه التقرير توصيات إلى كل من المنظمة الدولية للهجرة، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الحكومات المانحة، ودول إعادة التوطين ولا سيما تلك المشاركة في تحالف الحرب في العراق، فكانت التوصية بعدم استئناف الأنشطة المتصلة بإعادة اللاجئين العراقيين إلى العراق جبراً، إضافة إلى عدم تمويل تلك الأنشطة. أما الدول، فطولبت بالإسهام بالدعم المالي والتقني لمساعدة لبنان على الحفاظ على الملاذ الأول للاجئين وتمكينهم من الحياة بشكل غير مهين، حتى بلوغ حل دائم لأزمة اللاجئين. كما دعيت الدول والمنطمات الدولية إلى تبديد خوف لبنان من مسألة التوطين على أراضيه.
يبقى الخوف من الاعتقال سيد الموقف في حياة اللاجئين العراقيين إلى لبنان، حتى أن الأمور وصلت إلى حد ما روته أم عراقية عن كيفية اغتصاب ابنتها القاصر (13 سنة) من دون أن تتمكن من اللجوء إلى السلطات اللبنانية: «ذهبت إلى المفوضية أسأل المساعدة، لكنهم سألوني إذا كنت قد ذهبت إلى الشرطة لأبلغ عن الاغتصاب. لكن كيف أفعل؟ ليس لديّ وثائق قانونية، سأدخل السجن إذا ذهبت إلى الشرطة».