أنطوان سعد
بانتظار انقشاع الضباب بالكامل عن العوامل التي أدت إلى اعتبار قائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً بعد فيتوات أعلنها أفرقاء الأكثرية النيابية عليه، لا يبقى أمام المراقبين سوى المراهنة على العوامل نفسها لإخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة. ذلك أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، رغم تأكيده وتأكيد أنصاره المستمرين، على دعم وصول العماد سليمان إلى قصر بعبدا، لا يزال مصراً على أن يأتي هذا الانتخاب وفق مبادرته التي أطلقها قبل نحو أربع وعشرين ساعة على انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود. أي إنه لا يزال يتطلع إلى انتخاب رئيس للجمهورية مستعد للاستقالة بعد انتهاء الانتخابات النيابية في ربيع عام 2009 التي يظن أنه سيحصد فيها مع حلفائه ثلثي عدد مجلس النواب.
وفيما تؤكد كوادر في التيار الوطني الحر وفي الأحزاب والتيارات المسيحية المتحالفة مع العماد عون أن هذا الأخير سيتراجع في الساعات المقبلة عن مطلب تعهد الجنرال سليمان بالاستقالة بعد سنتين، تبدي الأوساط المراقبة قلقها من أن يؤدي تصلّب رئيس تكتل التغيير والإصلاح إلى تبديد الفرصة المتاحة لانتخاب رئيس للجمهورية، تماماً كما حصل في تشرين الثاني من سنة 1989. حينذاك، رفض عون اتفاق الطائف بحجة غياب الضمانات لتنفيذه، وفق ما ذكر في رسالة إلى الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا ميتران، ورفض تسليم القصر الجمهوري للرئيس رينيه معوض المنتخب بشبه إجماع محلي إقليمي ودولي. وبعد ثمانية عشر يوماً من المفاوضات السرية والعلنية في المطالب والضمانات، اغتيل الرئيس معوض وتفردت سوريا بلبنان وسائر استحقاقاته السياسية وغير السياسية مدة خمس عشرة سنة تخللتها شتى أنواع الاستبعاد والتهميش للمسيحيين والضرب والتقويض لمقومات الكيان اللبناني.
تسارع أوساط التيار الوطني الحر إلى التأكيد على أن المطلوب من خلال التصلب الذي يبديه الجنرال عون هو إفساح المجال أمام وصول العماد سليمان في شكل مرتاح من دون الحاجة به إلى خوض مواجهات مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من أجل تحقيق المشاركة الحقيقية بين الطوائف اللبنانية في عملية إدارة شؤون البلاد في مختلف المؤسسات الدستورية والإدارية. وتضيف هذه الأوساط: «في هذه الحال، يُنتخب العماد سليمان رئيساً وتنفتح كل الطرق أمامه، فلا تواجهه أي عقبات في تشكيل الحكومة أو في صياغة البيان الوزاري أو في تعيين قائد الجيش وكبار الموظفين». غير أن هذه الأوساط لا تجد جواباً عن السؤال: «ماذا لو تبددت الأجواء الإيجابية لإجراء الانتخابات الرئاسية وفاتت الفرصة
السانحة؟».
في المقابل تبدي أوساط مسيحية معارضة من خارج التيار الوطني الحر قلقها من إضاعة الوقت وربما فرصة انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، وذلك للأسباب التالية:
ـــــ الفراغ الرئاسي والابتهاج في الشارع السني أثناء مغادرة الرئيس إميل لحود القصر الجمهوري، شكّل عنصر ضغط هائلاً على تيار المستقبل وحلفائه المسيحيين، وعزّز موقع العماد عون، لكن إلى حين إعلان الأكثرية نيتها ترشيح قائد الجيش. ومع ظهور تحفظات عون وشروطه انقلبت الصورة وباتت الضغوط على الجنرال الذي يبدو كأنه المعرقل الوحيد لإجراء الانتخابات. وإذا أجهضت مساعي انتخاب قائد الجيش فستقع مسؤولية الفراغ واستمراره بأكملها عليه.
ـــــ إن القبول بوصول العماد سليمان، المعروف أنه أقرب إلى المعارضة، أقله حتى الآن، سيعزز موقع هذه الأخيرة في عملية التفاوض الداخلي على كل التفاصيل. وبالتالي فإن تفويت الفرصة وبقاء الرئاسة الأولى شاغرة سيجعل المعارضة أضعف في المفاوضات التي ستأتي عاجلاً أو آجلاً، وخصوصاً أن مسؤولية الفراغ الآن ستلقى على العماد ميشال عون أحد أركان المعارضة الأساسيين.
ـــــ إن إصرار عون على الحصول على الضمانات والتعهدات التي يطلبها لن يؤدي إلا إلى زيادة الهوة بينه وبين قائد الجيش. فالأكثرية ليست على الإطلاق في وارد القبول بإعطائه نصراً عليها والتسليم له بكامل المرجعية السياسية المسيحية. وهي في أية حال، قد تفضل تجيير هذه التنازلات لأعضائها المسيحيين وفي أسوأ الحالات للرئيس الجديد للجمهورية، ما يعني أنه مع استمرار تصلب عون ستصبح المشكلة شخصية ومباشرة مع قائد الجيش الذي لن يقبل بدوره أن يكون مجرد صورة في عملية إعادة تفعيل الحضور المسيحي في الدولة.
انطلاقاً مما سبق تبدي أوساط مسيحية محايدة قلقها، رغم تطمينات أركان المعارضة العونية وغير العونية، من عودة الجنرال إلى لعبة «كل شيء أو لا
شيء».