غسان سعود
• حقوق المسيحيين: أمس هدرت بـ«أهون الشرور» واليوم بـ«خطورة الفراغ الرئاسي»
عبثاً تحاول الأكثرية النيابية تجاهل مبادرات العماد عون، وآخرها «وثيقة الطروحات المسيحية اللبنانية» في ظل تسليم المعارضة أمرها لسيد الرابية الذي يحرص والمحيطين به على إشهار علمانيتهم رغم تمسكهم بالحفاظ على حقوق أهل الطوائف ورفض استهداف طائفة معينة

يوماً بعد يوم، يزداد ارتياح ميشال عون إلى موقعه في التركيبة اللبنانية، مطمئناً القلقين إلى استحالة حصول شيءٍ في المستقبل أسوأ مما سبق للحالة العونية أن مرت به. وهو ينطلق أساساً من ثقته بانتماء أنصاره إلى فئة عنيدة ترفض التنازل عن الحقوق حتى لو اقتضى الأمر تضحية كبيرة، الأمر الذي يشجعه على المضي في مواقفه، الخارجة على الإجماع، ولو أقلق هذا الأمر بعض المواطنين الذين «يريدون العيش بسلام ودون وجع رأس».
استراتيجيا التيار
يختصر العونيون استراتيجياهم للمرحلة المقبلة بإصرار على المواقف المعلنة، خاصة أن «تنازل الأكثرية النيابية في الملف الرئاسي» لم يكن عن حق مشروع. بل تنازل الحريري عن شيء لا يملك اصلاً حق التفرد بالتقرير في شأنه، فيما التنازل المطلوب من عون، بعد تراجعه عن حقه في الترشح لمصلحة قائد الجيش، يتعلق بحقوق الطائفة المسيحية. وهو تنازل لا يجوز، وفق النائب ابراهيم كنعان، لا لعون ولا لغيره القبول به في التركيبة الطائفية التوافقية القائمة. ويقول أمين سر التغيير والاصلاح، إن التكتل يركز على تضمين العناوين السياسية للعهد المقبل استعادة حقوق المسيحيين كاملة، مشيراً إلى تلمّسهم تذمراً فرنسياً من إصرار الأكثرية على عدم البحث في برنامج عمل الحكومة المقبلة، «خاصة أن رئيس البلدية في فرنسا، مثلاً، مطالب بتقديم ورقة عمل وتعهدات خطية لما ينوي القيام به خلال عهده قبل انتخابه، فكيف الحال مع النائب والوزير ورئيس الجمهورية». ويرى كنعان أن ثمة لحظة مصيرية اليوم، فإما يستعيد المسيحيون شراكتهم في الوطن أو يسلّمون باستئثار الطائفة السنيّة في الحكم. ويسأل كنعان عن «الحبكة» وراء عدم إعلان الأكثرية قبولها بقائد الجيش قبل الفراغ (علماً أن القرار أخذ سابقاً) متحدثاً عن استخدام الأكثرية الفراغ للضغط على عون حتى يتنازل عن حقوق المسيحيين. تماماً كما فعلت حين تحججت بالضغوط الدولية لتبقي قانون غازي كنعان الذي يظلم المسيحيين، وحين قررت توحيد ساحتي 8 و14 آذار فاستثنت تكتل التغيير والاصلاح. وأمام تشكيك البعض بجدوى وثيقة التيار الأخيرة، يؤكد عضو الهيئة التنفيذية في التيار سيمون أبي رميا، أن أبناء الطائفة المسيحية يذكرون «نتائج أهون الشرور» ويتفهمون استمرار الفراغ الرئاسي ريثما يتمكن العماد عون من استعادة حقوقهم. لافتاً إلى أن الكلام العوني على الشراكة ليس جديداً على التيار، ولا يهدف إلى تعطيل انتخاب سليمان رئيساً كما يشيع البعض.
«إن تكلمت طائفياً فانبذوني»
من جهة أخرى، لا يستغرب نواب تكتل التغيير والاصلاح «مسيحيّة عون المفاجئة»، هو القائل يوم عودته قبل سنتين للبنانيين «إذا تكلمت طائفياً فانبذوني». ويجمع هؤلاء على القول، رداً على اتهامهم بتبنّي خطاب طائفي مسيحي رغم ادعائهم العلمانية، إن هدف التيار الوصول إلى نظام علماني ومعالجة التأثير السلبي للطائفية على تطور النظام السياسي والممارسة الديموقراطية.
لكن الواقعية السياسية دفعت عون إلى الاعتراف بوجود فديرالية طائفية تحكم العمل السياسي، ولا يمكن الخروج عليها قبل الوصول إلى السلطة. وتلمس عون استحالة أداء دور سياسي مؤثر بغير صفته ممثلاً للمسيحيين كما أثبتت نتائج الانتخابات. ويوضح التكتل أن العلمانية التي يؤمن بها لا تعني التخلي عن المعتقدات الدينية أو تجاوزها، وهي باختصار فصل الإيمان عن ممارسة السلطة وإدارة الدولة.
ويؤكد عضو الهيئة التنفيذية في التيار زياد عبس، أن علمنة الدولة هدف مهم بالنسبة للتيار، يبدأ تحقيقه بطمأنة أبناء الطوائف إلى ضمان حقوقهم وعدم تهميشهم في النظام العلماني. الأمر الذي يثني عليه زميله أبي رميا مؤكداً أنه ما دامت المعادلة السياسية تقوم على الديموقراطية التوافقية القائمة بدورها على منطق الطوائف، يفترض طمأنة الجماعات الطائفية إلى وجودها قبل الانتقال إلى الدولة المدنية التي لا يمكن بلوغها دون كثير من الجهد والدقة في طرح العلمانية.
ويشدّد عبس على أن خطاب عون الحالي يشكل امتداداً لموقفه المتضامن بالكامل مع الطائفة السنية والمدافع عن حقوقها بعد اغتيال الرئيس الحريري وشعور أهل هذه الطائفة بالاستهداف، تماماً كما كانت حالة عون والتيار أثناء العدوان الاسرائيلي الأخير وشعور الطائفة الشيعية بالاستهداف. وهو الوصف الذي يزيد ابي رميا عليه التأكيد أن التيار سيكون إلى جانب كل مجموعة لبنانية تشعر بالتهميش، وهو سيكون عند البحث في قانون الانتخابات بجانب القوى العلمانية في المطالبة بقانون انتخابي يضمن تمثيلها في البرلمان.
أما رأي حزب الله في حركة عون الأخيرة، فيجمع الناشطون بين حارة حريك والرابية على تأييد الحزب لصعود الدور العوني، ويؤكد عبس أداء الحزب دوراً كبيراً في تسليم المعارضة أمرها للعماد عون من منطلق احترامه للخصوصية المسيحية في موضوع الرئاسة الأولى، إضافة إلى احترام الحزب لتضامن التيار مع الفئات المهمشة، خصوصاً أن حركة عون الأخيرة تكمل ما ورد في وثيقة التفاهم بين التيار والحزب حول الديموقراطية التوافقية ممرّاً إجبارياً للدولة الحديثة. ومن جهته، يقدر كنعان أداء حزب الله في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وسيره خلف العماد عون بصفته زعيم المعارضة المسيحي فيما عرف مسيحيو الموالاة بترشيح المستقبل وجنبلاط للعماد سليمان عبر وسائل الإعلام. وينهي كنعان ومعظم مسؤولي الوطني الحر كلامهم بالتأكيد أن المرحلة الحالية ستثبت لمن خانته الذاكرة أن العماد عون هو نفسه القائل قبل سبعة عشر عاماً «يستطيع العالم أن يسحقني لكنه لن يحصل على توقيعي»، مع فارق أن اللبنانيين والعالم أصبحوا يعرفون جيّداً قيمة هذا التوقيع.



أي لبنان نريد؟

تنطلق «وثيقة الطروحات المسيحية» التي كتبها العماد عون بنفسه من البند الثاني في ورقة 6 شباط المتعلق بالديموقراطية التوافقية. وفي تقويم سريع لهذه الوثيقة، ينتقد مستشار قائد القوات اللبنانية السابق توفيق الهندي تعرّض الوثيقة بشكل مباشر وقاس لدور بكركي، كما يستغرب الالتزام في موضوع القانون الانتخابي برأي واحد، مبدياً إعجابه بالوثيقة كـ«إطار عام لأي لبنان نريد»