رامي زريق
البحر ملك عام. لذلك أهملته ـ لا بل ساهمت في تخريبه ـ الدولة اللبنانية على مدى السنين. وجهت إليه أفواه المجارير حاملة السموم، وغضت النظر عن سرقة رماله، وسمحت بإستعماله مكباً للنفايات الصلبة وتسامحت مع المعتدين على سواحله من ملاك مسابح ومطاعم ومنشآت سياحية، وشرّعت ردمه بمئات الآلاف من أطنان الرمال الملوثة الناتجة عن مكب النورماندي.
لم تلتفت الدولة يوماً الى وضع صيادي الاسماك ولم تحاول أبداً تحسين ظروفهم المعيشية، وذلك بالرغم من أن لبنان يستورد سنوياً أكثر من 30000 طن من الأسماك بقيمة تقارب 15 مليون دولار، بينما لا يتعدى الانتاج السنوي المحلي 7000 طن. يعاني البحر من تعديات يومية يقوم بها الصيادون، ومنها استعمال الشباك الممنوعة والسموم والمتفجرات في الصيد، وذلك على مرأى من الجميع وفي قلب المحميات البحرية، ومن دون أن يرف للدولة أو لأجهزة الأمن جفن. ويبدو ان الدولة تؤثر خراب البحر وتدهور ثرواته على الإستثمار في قطاع إقتصادي إنتاجي يخدم الفقراء ويحدّ من أرباح المستوردين.
كما تمتنع الدولة عن تمويل مركزها الضخم للعلوم البحرية التابع لوزارة الزراعة والذي يتضمن معدات لإكثار الأسماك وتربيتها كما هي الحال في قبرص وإسرائيل.
توجد، حسب أحد الأخصائيين في تربية الأسماك، أسباب عديدة لعدم نموّ قطاع تربية الأسماك، منها: عدم تبني الدولة سياسة الحدّ من الإستيراد وتشجيع الإنتاج المحليّ، عدم التزامها تطبيق القوانين البحرية، وارتفاع أسعار أراضي الشواطئ (التي يملكها نظرياً الشعب اللبناني) مما يمنع إستعمالها لإنشاء مزارع الأسماك، ويحصر استثمارها في بناء المنتجعات والكازينوهات. البحر ملك عام. أما الأملاك البحرية، فيحتكرها الأغنياء المستثمرون في قطاعات الإقتصاد الريعي وشركاؤهم من السياسيين وأمراء الحرب. والبحر «غضبان ما بيضحكش...»