بهية العينين
بعد قرار إدارة الشؤون التربوية في الأونروا إعادة الامتحانات في مدرستي دير ياسين وباب الواد الابتدائيتين في مخيم البص، نظراً لرسوب أكثر من 90% من الطلاب في الفصل الأول من العام الدراسي 2007 ـــ 2008، بات ملحّاً كشف النقاب عن حقيقة المعضلة التربوية في مدارس المخيمات الفلسطينية التي يزيد عمرها على ربع قرن

قيل في ما مضى إنّ من فتح مدرسة أغلق سجناً، والواقع أنّ مدارس المخيمات الفلسطينية صارت سجناً للتلامذة والمدرسين معاً، في ظل غياب السياسة التربوية الحكيمة وحرمان التلميذ من ساعات النشاطات الترفيهية والرياضية.
فالمشكلة التي تعود إلى أكثر من 25 سنة، طفت على السطح أخيراً مع إعلان إدارة الشؤون التربوية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إعادة الامتحانات نتيجة نسبة الرسوب العالية. فقد يظن البعض أن القرار يشمل مبنييْن أو مدرستيْن، لكن الحقيقة المضحكة المبكية أنّها مدرسة واحدة باسمين تستقبل الطلاب وفق نظام «الدبل شفت»، أي الدوامين قبل الظهر
وبعده.
أما المبنى فهو عبارة عن طبقتيْن تضم كل منهما سبع غرف، فيما تقع الإدارة وغرفة المدرسين في الطبقة الثانية. وتعاني الطبقة الأولى من الرطوبة الدائمة، فيحظى تلامذة المرحلة الأساسية بمراحيض تغيب عنها النظافة كلياً، وهي على مقربة من مصدر مياه الشفة المتمثلة بقسطل و«نبريش» وبعض المواسير التي أتلفها الزمن وقضى عليها
الإهمال.
في المقابل يفتقر الملعب إلى أدنى مواصفات الملاعب المدرسية، فأرضه غير صالحة لممارسة أي نشاط رياضي بسبب الحفر المنتشرة فيه.
وعود على بدء فقد قال أحد المدرسين الذي تمنى عدم ذكر اسمه، إنّ الأونروا فجعت بنتائج الفصل الأول. ويحكى عن إعادة الامتحانات. ثم ابتسم المدرّس ساخراً من القرار متسائلاً عن الفائدة التي يعود بها في ظل اعتماد الأونروا برنامج الترفيع الآلي في المرحلة الابتدائية في نهاية كل عام دراسي، والفوضى التي تعيشها مدرستا باب الواد ودير ياسين بسبب الدوام والبرنامج التربوي المليء بحصص الفراغ تحت حجة الرياضة والرسم، اللذين خُصصت لكل منهما حصتان في الأسبوع، فيما لم يؤمن لهما الأساتذة والملاعب ولوازم النشاط الرياضي. أما حصص الرسم فهي عبارة عن وقت حر.
وتحدث المدرّس عن تردّي النتائج بسبب عدم تجانس اختصاص الأستاذ مع المادة التي يدرسها في العديد من المواد، محملاً وكالة الأونروا المسؤولية الكاملة. وقال: «لقد بدأت نسبة الرسوب ترتفع بشكل ملحوظ مع اعتماد المنهجية الجديدة التي أقرتها وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية، والتزمت بها وكالة الأونروا من دون أن تلتزم متطلباتها، فأربكت الأساتذة قبل الطلاب. وطالب المدرّس الوكالة بتنظيم دورات تدريبية ليتكيف الأساتذة مع المنهجية الجديدة، وتجهيز المدارس بالوسائل التربوية التي تحتاج لها المنهجية وفي مقدمها إلغاء الدوامين وبناء مدارس جديدة بتصميمات هندسية حديثة تسهم في تحسين الحالة النفسية لدى الطلاب والأساتذة الذين يعانون الكثير من الوضع، وهذا ما أكدته نتائج الفصل الأول.
من جهتها، كشفت المتخصصة في علم الاجتماع مروة موسى عن انقلاب نفسي واجتماعي ينتج من نظام الدوامين لدى الأساتذة والطلاب، فالدوام الكامل تتخلله استراحة أو برنامج تربوي يكون فيه الوقت متطابقاً مع المواد المعطاة. تضيف موسى أن المشكلة تنعكس على الأم التي تحضّر لقسمين من أطفالها لدوام قبل الظهر وبعده، فيصبح نهارها مشطوراً إلى قسمين وهي في هذه الحالة تفقد الكثير من أعصابها في سبيل توفير مستلزمات ابنها التلميذ قبل الذهاب إلى المدرسة وبعده. وترى موسى أنّ حل القضية يكمن في افتتاح مدارس أخرى تعيد الأمور إلى نصابها ويتوافر معها التحصيل العلمي القائم على أساس برنامج تربوي حديث يريح الأستاذ والتلميذ والعائلة.
أما مسؤول اللجنة التربوية في مخيم البص أبو إيهاب سالم، فتحدث عن اتصالات عدة جرت منذ أكثر من خمس سنوات بين اللجنة وإدارة الأونروا في بيروت، عبر مكتب صور، بغرض البحث عن حلول سريعة لتلك المشكلة المستعصية الناجمة عن نظام الدوامين قبل الظهر وبعده، ومدى انعكاسه السلبي على نمو الحياة التربوية في المجتمع الفلسطيني داخل المخيمات حيث سُجلت نسبة كبيرة من التسرب في مدارس الأونروا.
وكانت النتيجة إعداد الخرائط وخطط العمل لتأسيس مدارس في المخيم كي تحل المشكلة، لكن الاونروا ردت اسباب التأخير في إنجاز المدارس إلى احداث نهر البارد التي قلبت الأوضاع رأساً على عقب. وهذا ما جعل القضية تتراجع وتعود الى الأدراج. وفي البرامج المخصصة للأطفال، لاحظ مسؤول جمعية نبع في مخيم البص علي سلام، أنّ حصص الفراغ في مدارس الأونروا غالباً ما تكون حملاً ثقيلاً على كاهل التلامذة وحرقاً للوقت. «فخلوّ المدارس التابعة للأونروا من الملاعب النموذجية ومستلزمات مادة تدريس الرياضة جعل التلميذ يجلس على الأرض أو يشاغب في أربع حصص اسبوعياً حددت للرياضة والرسم في برنامج الأونروا. وتشير الدراسات النفسية إلى أنّ غياب الرياضة يحوّل التلميذ إلى كائن عدواني منعزل وعصبي فيشعر بأنه في سجن كبير».
ورأى سلام أنّ المعضلة تتطلب حلاًّ بالتضامن بين وكالة الأونروا ومؤسسات المجتمع المدني في المخيمات من أجل أن يصبح الطفل الفلسطيني في المخيمات قادراً على التحصيل الفكري والمهني في ما بعد. وركز على ضرورة إيجاد المناخات الملائمة لوجود حركة تربوية حديثة تحظى باهتمام المجتمع الفلسطيني.
وقالت روان نبيل محمد (7 سنوات) إنها تفضل الدوام الصباحي لأنها تستيقظ باكراً كل يوم، وهي تشعر بالنعاس خلال الحصص الدراسية وتكره مادة الإملاء العربي.
وأعلن محمد مرعي (9 سنوات) كرهه للبنات لأنهن يتسببن بدوام بعد الظهر. وقال إنه يبرح اخته هند ضرباً كلما كان دوامها في الصباح، معتبراً أنها السبب في ذهابه بعد الظهر إلى المدرسة.
أما عماد ذكريا (9 سنوات) فلم يخفِ كرهه للمدرسة عامة، وتمنى أن تغلق مدرسته دار ياسين نهائياً. وقال إنه يهرب من المدرسة في حصص الرياضة متسلقاً سورها ثم يعود في نهاية الدوام ليأخذ حقيبته ويعود إلى البيت، على رغم وجود حارس للمدرسة.



حكاية مبنى

يعتبر اسم باب الواد مدرسة للاناث بما فيها المديرة والمعلمات وصفوفها من الأول أساسي «ابتدائي» ولغاية الرابع وعدد طلابها قرابة 300 تلميذة وأعمارهن تتراوح بين الستة أعوام والعشرة. اما دير ياسين فهو للصبيان وصفوفه من الأول أساسي ولغاية الخامس وعدد الطلاب يزيد عن 400 طالب. ويتبادلان الدوامين شهريا فدوام قبل الظهر تبدأ الدروس فيه عند السابعة والربع صباحا وتنتهي عند الثانية عشر والربع ظهرا كي يبدا الدوام الثاني عند الثانية عشر والنصف وينتهي عند الرابعة والنصف عصرا.
يقع خارج حرم المدرسة دكان واحد يجمعهما وتتم فيه عملية البيع والشراء عبر نافذة صغيرة تتطل على باحة المدرسة وتعود للفلسطيني شكري بركات الذي لا ينزعج من محدودية التواصل مع الطلبة في الدوامين ،وذلك لان الطلبة لا يبتاعبون حاجياتهم خلال الفرصة انما في ساعات الفراغ لديهم حسبما اشار بركات.وهو ايضا اعتمد نظام الدوامين حيث تساعده زوجته لبعض الوقت كي يأخذ قسطا من الراحة مع فارق صغير ان الدكان لا يغلق طيلة ايام الاسبوع وتبقى حتى ساعة متأخرة في الليل.
ويعود هذا الحال لاكثر من ربع قرن ولكن لم يكن حجم الكارثة الى هذا الحد حيث كانت فيما مضى غالبية المدارس تخضع لهذا الدوام ويعود السبب لعدم وفرة المباني.اما اليوم فمدارس الاونروا في منطقة صور تفوق السبعة عشر 4 منها في مخيم البرج الشمالي واربعة واثنتان غير باب الواد وديرياسن في البص وفي الرشيدية اربعة بالاضافة الى ثانوية واحدة لجميع ابناء مخيمات صور وبعض التجمعات فيها مدرسة واحدة مثل القاسمية والمعشوق.