شعث ــ علي يزبك
عادت أم محمد (50 عاماً) لتستخدم طريقة الآباء والأجداد في صناعة الخبز، لا من اجل تأمين قوت عائلتها المكونة من أحد عشر فرداً وحسب، بل من أجل تحصيل دخل يساعدها على إدخال أبنائها إلى المدرسة في ظل انعدام فرص العمل وافلاس المزارعين الصغار.
استعانت أم محمد، بداية، بخبيرة في صنع التنور العربي الذي يحتاج كما تقول الى خلطة متناسبة من الطين وشعر الماعز وحجر الصوان المطحون لكي يتمكن من مقاومة النار الناجمة عن الحطب الذي يوقد بداخله، بالإضافة الى بناء لإقامة التنور بالقرب من طريق عام بعلبك ـــــ الهرمل عند مفرق بلدة شعث، وفي مدة لا تتجاوز عشرين يوما كان التنور جاهزاً للعمل بكلفة لم تتجاوز 500 ألف ليرة لبنانية.
«رحلة التعب اليومية»، كما تقول ام محمد، تبدأ عند الخامسة فجراً، حين تعمد إلى إيقاد التنور وبعد نحو نصف ساعة يصبح جاهزاً لاستقبال العجين. وتضيف: «تعاونني اثنتان من بناتي في «الرق»، أما المهمة الأصعب فهي لزق الخبز داخل التنور حيث الحرارة الشديدة ، لإخراج الخبز الطازج الذي نبيعه للسائقين والمارين على هذه الطريق بسعر 1500 ليرة لبنانية للربطة الواحدة المؤلفة من عشرة أرغفة».
يستمر عمل التنور حتى الثالثة بعد الظهر، لتذهب أم محمد بعدها إلى المنزل لتأمين الطعام والغسيل وكل المستلزمات الأخرى، وعند المساء تُعدّ العجين لخبز اليوم التالي.
وتتابع: «إنها حياة صعبة ولا أعرف إلى متى أستطيع الصمود. نحن نعيش في قلق وخوف يومي من الغد. الطحين ارتفعت اسعاره، وفي ضوء غلاء المازوت ارتفع الطلب على الحطب لاستخدامه في التدفئة خلال الشتاء، صحيح أننا نؤمّن الآن الحد الأدنى من الدخل، لكن ذلك غير مضمون مستقبلًا». وتشير بنظرها إلى الخارج إلى عشرات «التنانير» التي انتشرت على طول الطريق في المنطقة والتي تبيع الخبز العربي.
تروي أم محمد أن والدتها كانت تخبز مرة كل عشرة أيام من اجل إطعام العائلة، أما اليوم فقد باتت مهنتها التي لا تتمناها للنسوة. وتختم مبتسمة: «الفقر في الوطن غربة... أهلًا بكم في السهل الذي يعيش في غربة داخل الوطن».