طارق ترشيشي
لن تنعقد جلسة انتخابات رئاسة الجمهورية غداً على الأرجح، والمتوقع أن يظل الاستحقاق الرئاسي يدور في حلقة من التأجيل المتلاحق، إلى أن يرسو الترابط القائم بين المواقف الداخلية والخارجية على تسوية واضحة.
ويشرح سياسي واسع الاطلاع على المواقف المحلية والدولية أسباب التعقيد الذي يواجهه الاستحقاق، فيؤكد أن هذا التعقيد يتجاوز التوافق على اختيار العماد ميشال سليمان «رئيساً توافقياً»، كذلك يتجاوز الخلاف الدائر على طريقة إجراء التعديل الدستوري المطلوب لانتخابه، وهو ليس ناجماً عن موقف العماد ميشال عون وشروطه، وإنما ناجم مما تطلبه الجهات الدولية من بعض القوى الإقليمية من خطوات تعجيزية أو على الأقل لا يمكنها تلبيتها الا عبر استخدام القوة. وأسباب التعقيد هي: أوّلاً: وجد العماد عون (حسبما ينقل عنه زواره) أن قوى 14 آذار رشحت بداية النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود لرئاسة الجمهورية، ولكن بعد أن انهارت أو بدأت بالانهيار بعدما رفعت الولايات المتحدة الأميركية يدها عنها، لم تتوقف عند ترشيحه واندفعت إلى ترشيح قائد الجيش، متناسية «أنني أثبتّ بالموقف والممارسة بأنني السيد الأوحد، فيما هم وضعوا بيضهم في السلّة الأميركية والسعودية». ويضيف: «في ما يخص الاستقلال، فأنا معلّم ولديّ تأييد شعبي واسع. وفي ما يتعلق بالديموقراطية، فأنا أترأس أكبر كتلة نيابية مسيحية، فإذا كان ترشيح 14 آذار للعماد سليمان مزاجية ونكايات، فأنا في المقابل لا يمكن أن أقبل بتولّي النائب سعد الحريري رئاسة الحكومة، وأريد أن تكون حصة المعارضة في الحكومة الجديدة التي يجب أن تترأسها شخصية توافقية، 45 في المئة، في مقابل 50 في المئة للموالاة و5 في المئة لرئيس الجمهورية». وقد تمكّن من خلال الموقف أن يثبت أنه لا يستطيع أحد أن يمون عليه لكي يحيد عنه.
ثانياً: إن حزب الله، ومعه كل أطراف المعارضة، يقف إلى جانب حليفه عون، ويرى أن رئاسة الجمهورية ومن يتولاها آخر همومه لأن التحالف القائم بينه وبين «التيار الوطني الحر» والتضحيات الكبيرة التي قدمها عون في مساندة المقاومة خلال عدوان تموز وبعده، ولا يزال، هي الضمان للحزب بأنه لا يمكن أن يُعزل أو يُستفرد من القوى المعادية له في الداخل والخارج. ولذا فإن الحزب يقف إلى جانب عون في أي موقف يتخذه مهما كلّف الأمر لأنه يعتبر أن التحالف القائم بينهما استراتيجي.
ثالثاً: راجت في الآونة الأخيرة نظرية تقول إن حزب الله يقف إلى جانب عون صائباً كان أم مخطئاً، ولكنه يمكن أن «يقب الباط» لرئيس مجلس النواب نبيه بري فيشكل بكتلته مع نواب الموالاة نصاب أكثرية الثلثين، ويتم انتخاب رئيس جمهورية. لكن هذه النظرية التي كاد البعض أن يوغر بها صدر عون ضد حزب الله تبخّرت بمجرد تبلّغ عون من قيادة الحزب موقفاً حاسماً بأنه لا يمكن أن يتخلى عن حلفائه مهما كلّف الأمر و«إلى يوم الدين». كذلك أبلغ الحزب أطرافاً آخرين في المعارضة أن «اللعب ممنوع» مع الموالاة في أي شأن يمكن أن يعرّض التحالف بينه وبين عون.
رابعاً: إن عجلة الاستحقاق الرئاسي، المتوقفة بفعل هذه العوامل الداخلية، هي متوقفة أيضاً بفعل العوامل الخارجية، فدمشق وطهران تجاوبتا مع ترشيح العماد سليمان على رغم تسجيل «بعض التحفّظ» على الطريقة التي تم بها هذا الترشيح، وأكدتا للقوى الدولية التي اتصلت بها أنهما ستساعدان على إنجاز هذا الاستحقاق، لكنهما اكتشفتا لاحقاً أن المطلوب منهما أن يجبرا حلفاءهما اللبنانيين بالقوة حتى ولو اضطرتا إلى تحطيمهم لكي يسيروا في انتخاب رئيس الجمهورية. ولذا ردّتا بأنه إذا كان مطلوباً منهما فصل حزب الله بالقوة عن العماد عون وتياره، فهذه مسألة استراتيجية وتعني البدء بإسقاط المقاومة، فلماذا يراد منهما هذا الأمر؟ أمقابل «كوب من العصير» قدم في مؤتمر أنابوليس؟ أم مقابل تهديد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إيران بفرض عقوبات جديدة عليها.
ولذلك، أدرك السوري والإيراني أن ما تطلبه منهما القوى الدولية هو تفكيك المعارضة وتحطيمها، وأن من يطلب ذلك هو «الفرنسي الطفران»، فيما ينبغي أن يطلبها «الأميركي القادر» لا الرئيس جورج بوش «المغادر»، وأن يكون لهذا الطلب ثمن اسمه استعادة الجولان السوري المحتل، وما بقي من أرض لبنانية محتلة واستعادة الأسرى اللبنانيين وإقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ورفع سيف المحكمة الدولية المصلت على سوريا، وثمنه أيضاً حق إيران في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، ويضيف السياسي نفسه: إن قضية الاستحقاق الرئاسي «معقدة» في الخارج لأن القوى الغربية تريد إسقاط التفاهم القائم بين عون وحزب الله، وكذلك التفاهم القائم بين بري والمقاومة، وقد كان هذا الأمر أحد أسباب عدم استقبال طهران للموفد الفرنسي جان كلود كوسران في الآونة الأخيرة. ويشير هذا السياسي إلى أن سوريا ومعها إيران، في ضوء الشكوك لديهما حول ترشيح الموالاة لسليمان، تريان وجوب أن يحاط الرجل بـ«زنار ضمانات وأمان». ولذا تجدان نفسيهما تلقائياً إلى جانب ما يطرحه العماد عون من شروط.