حاورته نعمت بدر الدين
يناشد وزير الخارجية فوزي صلوخ دعم وزارته بقرار وطني جدي على مستوى السلطة السياسية، ويأسف لطغيان الاعتبارات السياسية على الخطوات المهنية. السفير السابق والوزير المستقيل، كيف يقوّم تجربته في الوزارة التي عصفت بها رياح كثيرة من حرب تموز إلى مؤتمر أنابوليس؟


■ قدت وزارة سيادية حساسة في مرحلتين: ما قبل العدوان الإسرائيلي وما بعده كوزير ممارس ووزير مستقيل، هل اختلفت عليك الأمور كثيراً بين التجربتين؟
ـــــــ العمل العام، ولا سيما في ظروف دقيقة كالتي مررنا بها، يحمل في كل يوم جديداً. العدوان كان مرحلة مفصلية من حيث ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وتطوير المشاركة في الحكم للتمكن من مواجهة آثار العدوان على مختلف الصعد، وهذا ما دفع الى المطالبة بحكومة الوحدة الوطنية، ولاحقاً أدى الامتناع عن تحقيقها الى استقالتنا.
تصريف الأعمال يختلف عن واقع الوزير الممارس لصلاحياته الكاملة، لأن الوزير، وفقاً لروحية الدستور، هو شريك في السلطة التنفيذية من خلال عضويته في مجلس الوزراء، إضافةً إلى دوره الإداري على رأس وزارته. وفي مرحلة تصريف الأعمال لم نعد نمارس الشراكة في القرارات الوطنية وبتنا نسيّر أعمال الوزارة، وهذا ما أحدث خللاً في ميثاق العيش المشترك باعتبار أن طائفة برمّتها غائبة عن القرار الوطني، وإن كان بعض وزرائها يمارسون أعمالاً إدارية ضيقة لا صفة تقريرية لها.

■ لاحظ كثيرون أنك كنت تحرص على التنسيق مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة رغم استقالتك، حتى إن البعض رأى في التشكيلات الأخيرة للفئة الثالثة تعبيراً عن هذا التنسيق، ما سبب ذلك؟
ـــــــ موقفي السياسي والقانوني معروف، وهو أن الحكومة الحالية مشوبة باللادستورية، وتصريف الأعمال جرى لئلّا نقع في تعطيل العمل اليومي والإداري. بعض المغالين يرى أننا أصبحنا جزراً مفصولة كلياً، فيما الإدارة مترابطة ولا يمكن فصلها تحت طائلة شلها.
إذا أردنا الدخول في جزئية قرار تشكيلات الفئة الثالثة الأخير، أقول إن كل من شمله هذا القرار صاحب حق في ما حصل عليه، والدبلوماسيون استوفوا الشروط، ولست في وارد أن أضع على ضميري كما قد يفعل غيري، أني غلّبت أسباباً سياسية أو اعتبارات غامضة في تعطيل حقوق الموظفين أو تجميد تشكيلاتهم.

■ ما هي أبرز الإنجازات في المرحلتين؟
ـــــــ وزارة الخارجية وزارة حساسة ولديها اعتبارات تختلف عن بقية الوزارات. إن لها، إضافةً الى الصلاحيات الإدارية، قيمة معنوية ناشئة عن كونها تمثّل لبنان وتنطق باسمه، وعندما ينقسم لبنان تصبح الوزارة أمام خيارين: إما أن تستمر في التعبير عن صوت قسم من لبنان، وإما أن تجهد لبلورة مساحة مشتركة، وهذا يتطلّب سلوكاً حكيماً وعبوراً لخطوط الانقسام بشكل عقلاني بعيد عن التحدي والمواجهة. التحدي الدائم هو الانطلاق من الثوابت الوطنية ومحاولة تأمين توافق عليها على قدر الإمكان، والتعبير عنها أمام الخارج. هذا هو التحدي اليومي الذي رافقنا في المرحلة الماضية. هذا المنهاج قد يبدو للمراقب السطحي نزوعاً دائماً نحو التسوية، في حين أنه حرص على قاعدة توافق عريضة للمواقف والخطوات تأميناً لفاعلية الوزارة. بعض المتحمّسين لا يفهمون هذا المنهاج لأنهم معتادون مسؤولين ينهشون من مسؤولياتهم فقط ما يخدم حساباتهم.

■ هل تعتقد أن تغييب رئاسة الحكومة لدور وزارة الخارجية في عدد من المحطات الأساسية أثّر سلباً على مصلحة لبنان؟
ـــــــ الأمور في هذا المجال نسبية، فأنا لم أرضَ يوماً أن يجري تغييب الوزارة رغم صعوبة الظروف. لقد عالجنا العديد من الأمور بالتي هي أحسن، بدلاً من الخروج إلى العلن وزيادة أجواء الانقسام. الانقسام الموجود معروف والاستقطاب الذي يلاقيه لدى الدول الأجنبية معروف أيضاً، وقد حرصنا على أن نطلّ قدر الإمكان على العالم بسياسة موحّدة وخاصة في الفترة الأولى، لكن بعد خروج الخلاف الى العلن بات من الصعب احتواؤه. السياسة الخارجية في بلدان العالم ثمرة عمل مؤسسات ودراسة موضوعية ومهنية لواقع الأمور، غير أنها عندنا تنبع من هوى الأشخاص فتختلط السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية، وهذا كله على حساب المؤسسات وفي طليعتها الخارجية.

■ ما دامت المعارضة على تفاوض وحوار مع الموالاة في أمور عديدة، فلمَ لم تشارك في أنابوليس وتركت المهمة لوزير الثقافة طارق متري؟
ـــــــ سبب عدم مشاركتي في أنابوليس، إضافةً الى الواقع الداخلي، هو عدم رغبتي في أن تؤدي المشاركة على مستوى سياسي الى ما حصل، وهو ما قالته وزيرة الخارجية الإسرائيلية من أن المشاركة العربية على هذا المستوى هي المكسب الأكبر لإسرائيل. للدول التي شاركت اعتبارات خاصة أو عامة روعيت، ونحن لسنا في موقع المزايدة عليها لكونها حريصة مثلنا على القضية الفلسطينية، غير أننا في لبنان لدينا وضع خاص لا يشبه وضع أيّ من هذه الدول، وهذا الوضع يتمثّل في طبيعة الملفات الثنائية مع إسرائيل، وفي رفض التوطين وحق العودة، وفي الموضوعين هناك محاذير للمشاركة على هذا المستوى.
هذا لا يمنع التزامنا المبادرة العربية للسلام ومسار السلام العادل والشامل، وهنا أسجل بقلق نغمة جديدة سمعناها أخيراً في لبنان وهي فصل المسارات، ولا بد من التحذير من أن ربط المسارات في عملية السلام هو لمصلحة لبنان والقضية الفلسطينية لأنه متى سوّيت الأمور على بقية المسارات لن يبقى إلّا موضوع رفض التوطين، وهو الموضوع الذي يعنينا نحن بشكل مباشر ومحدّد، وعندئذ سيبقى لبنان وحيداً أمام هذا الخطر الداهم. لذلك نقول إن المنهج السليم هو التمسك بالمبادرة العربية.

■ ما هي أبرز الأخطار التي على الدبلوماسية اللبنانية أن تأخذها في الاعتبار في المرحلة المقبلة؟
ـــــــ المنطقة مقبلة على تغييرات أساسية من حيث مراجعة بعض السياسات وتقرير مصير بعض الملفات العالقة، وعلى الدبلوماسية استشراف هذه التحوّلات بشكل موضوعي وتحديد المصلحة الوطنية الحقيقية دون التأثر بالجو الداخلي المحموم الذي ما زال قاصراً عن إدراك الأخطار الحقيقية. وهناك بلا شك قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، كذلك الاستهداف الإسرائيلي الدائم للبنان، وقد ظهر أخيراً أن ما جرى تداوله عن يهودية إسرائيل يؤكد أن الصيغة اللبنانية هي نقيض ما تحاول إسرائيل تكريسه في المنطقة.
وما ورد على لسان أولمرت عن التفاهم على مشاركة إسرائيل في آلية لتأهيل اللاجئين الفلسطينيين في الشتات هو موضوع خطير يستدعي متابعة دقيقة.
وفي باب التحديات التي على الدبلوماسية متابعتها علاقة لبنان بالأمم المتحدة، ومجموعة القرارات الدولية التي تستوجب العناية وفق مصلحة لبنان. القرارات من حيث المبدأ هي آليات يجب أن تعمل لاستقرار الدول وأمنها وسلامها، وهذا ما يجب التركير عليه عبر علاقة تعاون وانفتاح وحرص على الأمم المتحدة صاحبة الدور المركزي في حل النزاعات بعيداً عن الانحياز ووفق مبادئ القانون الدولي. لذا يجب أن تكون للبنان دبلوماسية متوثبة وفاعلة، وهذا يستوجب دعماً سياسياً وإدارياً ومعنوياً لهذا القطاع.

■ تصنيفك في خانة فريق، وخصوصاً بعد الاستقالة، هل أثر في أدائك اليومي؟ ولماذا اختلف أداؤك عن أداء وزارء آخرين مستقيلين كوزير الصحة، مثلاً؟
ـــــــ أدائي لم يختلف إلّا بقدر اختلاف ظروف كل وزارة. الموقف السياسي الواحد يجمعني مع سائر الوزراء المستقيلين.
أمّا تصنيفي في خانة فريق، فهو أمر أتشارك فيه مع كل الوزراء في الحكومة دون استثناء، ومن يدّعي أنه عُيّن لأنه مستقل، فليدلّني كيف اختير لدخول الحكومة! وهناك فارق كبير بين أن يمثّل وزير فريقاً سياسياً وهذا شأن جميع وزراء الحكومات الائتلافية، وأن يعكس هذا الانتماء على نحو مسيء في أدائه وفي تسييره لشؤون وزارته.