عفيف دياب
تشغل مدينة بعلبك موقعاً سياسياً واجتماعياً، وتحظى بخصوصية «تاريخية» في العمل الحزبي. وقد سُمّيت لذلك «مدينة الأحزاب»، إذ لم ينشأ حزب في لبنان والعالم العربي إلا وكان له وجود في بعلبك، أو كان لبعلبكيين دور في تأسيسه ورفده فكرياً وثقافياً وأنصاراً.
وبعلبك المميزة بعطائها الحزبي، كما يقول الدكتور حسن عباسنصر الله مؤلف موسوعة «الحركات الحزبية في بعلبك»، دخلت إليها الأحزاب منذ أوائل القرن الماضي، فقدّمت حراكاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً أسهم في إعطاء بعلبك مميزات لم تخلُ أحيانا من «صناعة» انقسامات بين الأهالي، كانت تأخذ منحاها السياسي العقائدي، بعيداً عن التوترات الطائفية التي انتعشت مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية.
وعلى الرغم من مساهمة الموالاة والمعارضة في إحداث انقسامات «مذهبية» في بعلبك، فإن «عراقة» العمل الحزبي وتاريخه الكبير في المدينة أسهما إلى حد ما في «لجم» حدة التوتر الحزبي ـــــ المذهبي، واتفق البعلبكيون على حق جميع القوى السياسية في ممارسة أنشطتها بعيداً عن الكرّ والفرّ، والتغاضي عن الإشكالات التي تحدث أحياناً بين أنصار القوى الحزبية والسياسية التي تسيء إلى مفتعليها.
ويقول الدكتور نصر الله إن الأحزاب في بعلبك لم تسهم في تنمية المدينة في مختلف الجوانب. فـ«العقلية العشائرية تتحكم أحياناً كثيرة بالعمل الحزبي، ولا تقوم الأحزاب، للأسف، بالدور المطلوب منها».
ويوضح نصر الله أن بعلبك، ماضياً وحاضراً، «ترفض كل الاتجاهات السياسية التي تتناغم مع الغرب ومشاريعه، وبالتالي فإن الأنشطة التي تقوم بها قوى الموالاة في بعلبك محصورة بأمور غير سياسية، لأن الجو العام في المدينة لا يسمح لها بعرض مشاريعها المتناقضة مع المزاج العام».
ويضيف أن «قوى المعارضة في بعلبك لا تدخل إلى أمكنة في المدينة يطغى عليها الطابع الأكثري والعكس صحيح»، مؤكداً أن «بعلبك تستوعب الجميع، وحرية العمل السياسي قائمة على أن لا يتعارض مع المزاج العام ويخرج من تحت سقف الثوابت السياسية والتاريخية».
ويرى القيادي في الحزب الشيوعي اللبناني، المحامي جاد رزق، أن «المشكلة الأساسية في بعلبك تكمن في الجمهور المذهبي لبعض القوى السياسية والحزبية الطارئة على المدينة وحياتها السياسية».
ويوضح رزق أن بعلبك، وقبل انقسام البلاد إلى موال ومعارض، «لم تعهد خطاباً مذهبياً حاداً كما هي الحال التي كانت سائدة قبل فترة قصيرة». ويؤكد أن القوى الفاعلة في المدينة، ومن مختلف الاتجاهات السياسية والطائفية «نجحت في وضع حد لحال الاشتباك السياسي المتمذهب، واستطاعت أن توقف هذا السجال».
من جهته، يؤكد حزب الله، كباقي التيارات، حق الجميع في العمل السياسي، وهو المتهم بتحويل بعلبك إلى «قلعة» محصّنة لا يمكن لأي فريق أو حزب سياسي آخر أن يدخلها.
ويقول مسؤول إعلام الحزب في البقاع الحاج أحمد ريّا إن حزب الله واحد من القوى السياسية الأساسية الموجودة في بعلبك، وهو الأكثر حضوراً وشعبية، و«نحن نتعاطى مع القوى السياسية في المدينة بانفتاح تام، ونتواصل مع الجميع تقريباً. ونحن عبر تاريخنا السياسي والشعبي في بعلبك وغيرها من المناطق اللبنانية، لم نمنع أي قوى سياسية أو حزبية من ممارسة دورها والقيام بمختلف أنشطتها».
كلام ريّا يثني عليه الزميل حكمت شريف، الذي تابع عن كثب «الحراك» السياسي للموالاة والمعارضة في بعلبك منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري، ويقول إن «الموالاة وجدت في بعلبك مطرحاً لها نتيجة التعاطف الشعبي، بغض النظر عن حجمه ومداه». ويوضح أن «تيار المستقبل ـــــ على سبيل المثال ـــــ يقوم بلعب دوره في المدينة، ويقدم مساعدات لأنصاره، كما أن بعلبك شهدت منذ فترة ولادة تيارات سياسية لا تلتقي مع حزب الله ولكنها تعمل بحرية».
تجدر الإشارة إلى أنّ «الأخبار» اتّصلت بمنسّق تيار المستقبل في مدينة بعلبك، أحمد وهبي، للوقوف على رأي تياره كفريق أساسي في الموالاة، ولكن «المنسّق» رفض الإدلاء بأي تصريح لـ«الأخبار»، لأنها «لا تعتمد الصدقية، ولا تكتب الوقائع»، حسب وجهة نظره.