صيدا ــ خالد الغربي
وكأن مكب النفايات في صيدا أراد أن يعمل، ولو لمرة واحدة، خيراً و«يكب في البحر»، وهو الذي أفاض تشوهاً بيئياً وتلوثاً لمياه البحر بسبب الانهيارات المتتالية التي كان آخرها مع العاصفة ليل الجمعة، حيث زحلت آلاف الأطنان من النفايات في البحر. الخير الوحيد هو ما قدمه للفقراء في موسم الأمطار والعواصف، وهم الذين يئنون تحت غلاء المازوت والغاز، فجاد عليهم بالخشب والحطب الذي لفظه البحر، وقد حضر عدد من أبناء القرى الجبلية لأخذ «مونتهم». واحدة من هؤلاء كانت الحاجة أم ماهر التي حضرت من بلدة سعد نايل البقاعية بصحبة ولدها وسائق بيك ـــــ أب لجمع الحطب ليكون معيناً في أيام البرد القارس. وقال سائق البيك ـــــ أب: «جئنا من سعد نايل بعدما شاهدنا على التلفزيون انهيارات مكب النفايات».
الحاجة أم ماهر لم تكن وحدها في الميدان، إذ حضر آخرون من مناطق أخرى، واللافت أن من حضروا لم يكن دافعهم تجارياً، بل «التنقيب» عن الحطب للاستخدام المنزلي.
كما لوحظت حركة تجميع ناشطة للحطب عند مكب نهر الأولي ونقطة التقائه في البحر حيث يفرغ حمولته من الأخشاب والحطب التي تجري مع مياهه من أماكن متعددة.
لمكب النفايات في صيدا كل يوم حكاية، فقد انهار جزء من المكب من طرفه الغربي نتيجة العاصفة التي ضربت لبنان في الأيام الماضية. وقدر حجم الانهيار وفقاً لمصادر بيئية محايدة بآلاف الأطنان، فيما قدرته بلدية صيدا بألف طن من النفايات، علماً بأن الانهيارات باتت تتكرر، وهي مرجحة للمزيد في ظل غياب الحلول الجذرية والحماية الحقيقية والسدود والعوائق التي تحد من تدافع الأمواج العاتية. وقد امتدت بقعة واسعة من أكياس النفايات في عرض البحر وعلى مساحة كبيرة، وبدت الأكياس كسجادة بسطت بطولها الملوث على المياه، وما زاد من انتشارها الرياح التي راحت تتقاذفها مداً وجزراً وطولاً وعرضاً.
ومكب النفايات في صيدا يبلغ «العقد الرابع» من العمر، وينتصب الآن بـ «قامة» تبلغ عشرات الأمتار وبعرض يصل إلى مئة متر وبطول مئتي متر، وقد توارثت مشكلته البلديات المتعاقبة. غير أنه في السنوات الأخيرة، شهد تضخماً لافتاً أضحى معها يشكل خطراً داهماً على السلامة العامة، وتعدياً وقحاً على البيئة.