فداء عيتاني
لا تبدأ المشكلة من موقف عَرَضي أطلقه الداعية فتحي يكن، أو من انزعاج مكبوت حمله الرئيس عمر كرامي جراء خطأ ما ارتكبته المعارضة، ممثلة بجناحيها الأقوى: حزب الله والتيار الوطني الحر، بل من طريقة تركيب المعارضة ونظرتها إلى ذاتها.
ويصحّ أحياناً ما تأتي به قوى 14 آذار من مواقف وتشبيهات حول المعارضة وتلاوينها، إذ ترى أنها مكونة فقط من حزب الله والتيار الوطني الحر، بينما تقف حركة أمل على طرف مساوم، والقوى الأخرى ملحقة ولا تشكل أكثر من تلاوين تبرزها القوى الرئيسية حين تحتاج، وتخفيها حين لا ترى فائدة ترجى منها.
وطوال أكثر من عامين، لعبت العلاقة غير النديّة بين قوى المعارضة دوراً محبطاً في عملية تحقيق شعارات رفعتها هذه القوى مجتمعة، ولم تتمكن من تحقيق أغلبها. وبعد النقد الذي سمعه المعارضون اللبنانيون من مراجع سورية على أثر الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، عن أخطاء القيادة السورية تجاه الوطنيين اللبنانيين وتهميشهم لمصلحة قوى ما لبثت أن انقلبت على سوريا، تمارس المعارضة بحق قواها أدواراً مشابهة، فتدخل في البازارات اليومية، تقلص أحجام أفرقائها وأدوارهم، أو تسهم في رفع أخرى، ويتعسر مع الزمن اكتشاف من هي القوى المعارضة التي تمتلك وزناً فعلياً ومن هي القوى التي نُفخت نفخاً لحشرها في معادلات «توازن رعب» مؤقتة.
وكما تلام القوى الرئيسية على لعبها هذا الدور، فهي تجيب عند نقاشها في الغرف المغلقة بأن بين قوى المعارضة من لم يستفد من الوقت ليؤهل نفسه، ويضع برامجه وينتشر بين الناس ويحقق حضوراً، وأن أغلب القوى اعتمدت أو طمحت إلى الاتكال على حضور هائل يحققه حزب الله ومن بعده التيار الحر على المشهد السياسي في لبنان، لتحصد بسهولة من هذا الحضور ما أمكنها أن تحصد، مفضلة «الغرف من البحر على النقش في الصخر».
وتضيف القوى الرئيسية في خلاصة النقاشات أن القوى الأخرى (عدا التيار الوطني وحزب الله) إما انتظرت دعماً مالياً مفترضاً، أو اعتمدت على تغيرات تفرض فيها نفسها على المعارضة وتكسبها جولة على الموالاة، وإما أنها تمتلك هوامش سياسية لا مكان لها في خريطة المعارضة.
ولا تنفي مصادر في المعارضة ضعف التشاور والتنسيق والتكامل بين مختلف مكونات المعارضة، كما لا يخفى تنافس سري ومضمر على الفوز برضى القوى الرئيسية، مع ما يعني ذلك من تعزيز المكانة والحضور والمكاسب المنتظرة.
الخميس الفائت، التقى ميشال عون ممثلي حزب الله وأمل وتيار المردة، والتقطت الصور، وسمي اللقاء «اجتماعاً لقوى المعارضة»، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من القوى، ليس أولها يكن، الذي كان أول المعبرين عن امتعاضه، وتلاه سراً وإعلامياً بعض المعارضين.
صباح الجمعة، كانت صور لقاء المعارضة تطالع السياسيين عبر صفحات الجرائد، وهو ما حدا يكن على إبداء الاستياء علناً، ثم استضاف عون وفداً من سنّة المعارضة في منزله، إلا أنه، وكما تبين لاحقاً، لم ينجح هؤلاء في نقل حقيقة الاستياء، ولا أمكنهم تمثيل أقرانهم في المعارضة.
جرى عدد من الاتصالات بين مساعدين لعون وعدد من المسؤولين في المعارضة، وكانت دعوة لزيارة هؤلاء إلى الرابية، الا أنهم رفضوا، علماً بأن الرئيس عمر كرامي رفض زيارة عون بعد لقاء الخميس الليلي للمعارضة.
وفي حين أمل بعض المعارضين السنّة من زيارة ميشال عون «حجز مقعد وزاري» لسنّة المعارضة في الحكومة المقبلة، بدا كأن العديد من المعارضين السنّة لا يرون أن من حق المعارضة السنيّة الحصول على مقعد في الحكومة المقبلة، وخاصة مع سوء الأداء ومع سماحها لقيادة المعارضة بالتشكل حصراً من الطرفين الشيعي والمسيحي وفشلها في لعب دور، وفي فرض هذا الدور على حلفائها، في تلوين المعارضة وتحويلها إلى معارضة وطنية.
وعقد أمس لقاء لسنّة اللقاء الوطني، تمهيداً لاجتماع موسع للقاء الوطني يوم غد الخميس، وراوحت المواقف بين الحدّة لدى بعض المعارضة والتضحية من أجل وحدة المعارضة لدى بعضها الآخر.
ويقف خلدون الشريف عضو اللقاء الوطني، في الوسط، وهو يحاول الابتعاد عن التحدث عن سنّة المعارضة، ويراهن على موقف للقاء الوطني بجلسته الموسعة يوم الخميس. يقول إن موقف اللقاء من المقاومة هو موقف مبدئي، وبمثابة الوقوف مع الذات، ولا منّة. وسواء أكان الحديث عن العراق أم فلسطين أم لبنان، فإن اللقاء الوطني يتخذ الموقف نفسه، كما أن الوقوف في صفوف المعارضة هو أضعف الإيمان «وبمثابة واجب لتأمين تلوين للمعارضة حتى لا تظهر وكأنها معارضة طائفية ضد طوائف أخرى».
ويضيف الشريف: «مرت مراحل ولم تتعامل معنا أطراف في المعارضة بصفتنا شريكاً كاملاً، وكنا نقول: لا بأس، حفاظاً على وحدة الصف وعلى المصلحة العامة، إلا أن عون ارتكب في اللقاء الأخير «فاولاً» حيث أعلن عن اللقاء بصفته اجتماعاً للمعارضة وسمح بالتقاط الصور، وهو ما أدى إلى تململ في الأوساط السنيّة المعارضة».
ويضيف الشريف أنه من غير المقبول أن تتواطأ بعض المعارضة مع الموالاة لتقول إن سعد الحريري هو ممثل السنّة الشرعي والوحيد، مؤكداً أن السنّة يرون أن معركتهم هي حصراً مع السلطة، وأنه حان الوقت ليدخل السنّة إلى ملعب المعارضة، وأن يجلسوا إلى الطاولة، وأن تقف المعارضة إلى جانبهم كما يقفون إلى جانبها.
ويضيف الشريف أنه من غير المقبول أن يحاول طرف ما أخذ سنّة المعارضة في المكيال واعتبارهم من تحصيل الحاصل، «وبما أن الأوان هو أوان سوق وبيع وشراء، فعلى الجميع أن يحسبوا حساباً لسنّة المعارضة كما للقاء الوطني على طاولة البيع والشراء بصفتهم مفاوضين ومساومين».
ويختم الشريف بالقول إن اتفاق الطائف قد أعطى، في إطار توزيعه للمكاسب على الطوائف، صفة الاستشارات الملزمة لاختيار رئيس الحكومة، «وهو مكسب لن يجري التنازل عنه اليوم، ولا يحق لأحد مد يده إلى مركز رئاسة الحكومة في إطار المساومة».