strong>عبد عساكر
رضخ رشيد لأوامر تنظيمه الذي قرّر نقله من اختصاص إلى آخر في الجامعة اللبنانية وتغيير حياته لمجرد أنّ التنظيم لم يكن ممثلاً في الاختصاص الجديد

يمشي رشيد في حرم الجامعة، شعره يكاد لا يخلو من «الجل»، يرتدي قميصاً مفتوح الأزرار يكشف عن رمز ديني. فأكثر ما كان يجيده رشيد في قريته البسيطة هو لعب «الفوتبول» وافتعال المشاكل، وهو ما جعل له لدى التنظيم المسلّح اللبناني والسياسي المسيطر على القرية حصة. التنظيم احتوى رشيد ومدّه بالإيديولوجيا والمغريات حتى أصبح جندياً صغيراً يحمي القرية صباحاً من «زعران» آخرين لا يعرفون كيفية لعب الفوتبول، وفي المساء يتكلم عن مغامراته النسائية. أما المدرسة فكان يرتادها بين الحين والآخر إذا فرغ من محاربة «الزعران»، لكنه وببركة التنظيم كان ينجح دائماً، حتى وصل إلى أول مفصل خطير في حياته، المفصل الأخطر حتى من «زعران» التنظيم المسلح الآخر، أي البكالوريا.
وفي أحد الأيام، هرع رجال مفرزة الدرك في قرية رشيد إلى منزله بعد سماع صوت إطلاق نار كثيف، ليكتشفوا أن السبب هو نجاحه في البكالوريا. الأم قالت: «إنّ ابنها نجح لأنو ذكي، بس هوّي ما بيركّز»، أما الأصدقاء فقالوا: «إنّه نجح لأنو ذكي بيعرف كيف يخبّي الروشيته وبيعرف أيمتين يطلعها تينقل ويرجع يخبّيها».
مهما يكن من أمر، فالنجاح جعل رشيد يصل إلى مفصل خطير آخر، وهو اختيار الاختصاص الذي سيبني عالمه الجديد. ولكنه وبكل جرأة اتخذ القرار الأهم والأكثر فعالية، وهو أن يقدم طلبات في كل فروع الجامعة اللبنانية، والفرع الذي سيقبله يصبح هو الاختصاص الذي يحبه ويحلم دائماً بدراسته.
وبالفعل قُبل رشيد في إحدى الكليات، حيث أعجبه الجو وأنهى سنته الأولى بنجاح. لكن وقبل أن يبدأ سنته الثانية، اكتشف تنظيمه أنه لا يتمثل في كلية أخرى، فأجبر التنظيم رشيد على الانتقال إلى اختصاص مختلف كلياً وفي مبنى بعيد.
فما كان على رشيد إلاّ أن يتأقلم مع اختصاص غريب عنه، وكان يراه في ما مضى من «المحرّمات». ثم، وفجأة يقرر عنه أسياده تغيير حياته لدراسة الاختصاص نفسه، فضلاً عن أنه مُطالب بإيجاد أصدقاء جدداً ووسائل نقل جديدة ورغبة جديدة بالتعلم لمتابعة حياته.
لكن على الجندي أن يقدم التضحيات، فالتنظيم لا بد له من أنّ يمثَّل في المجلس الطلابي. «وكرمال عيون» الطلاب وحرصاً على مصلحة الجامعة والسعي إلى تحسين حالها، قبل رشيد تغيير مصيره. وما إن وصل إلى هناك، حتى بدأ بإجراء الإصلاحات إلى جانب شركائه في الوطن من أتباع الأحزاب الأخرى. فعمد إلى مساعدة أصدقائه في «إشكال» طائفي هنا، وأسهم مع أحد أصدقائه في ضرب أحد الشباب الذي «لطّش له صاحبته»، فضلاً عن تعليق البوسترات وزينة الأعياد والتحضير للانتخابات ومنع الطلاب من القيام بأي نشاط.
أما بالنسبة إلى المطالب «السخيفة»، كتحسين وضع مبنى الجامعة، أو إيجاد كافيتريا للطلاب بدلاً من تلك التي يسيطر عليها تنظيمه لاحتفالاته السنوية، أو تطوير المناهج، أو حتى تزويد الجامعة بالمعدات اللازمة، أو مجرد الاهتمام بشؤون الطلاب، فالجواب عليها هو: «فليهتم الطلاب بشؤونهم ويتركونا نشتغل».
هذه الإصلاحات قد تشفي الجامعة اللبنانية من مرضها الأزلي، وهو إلغاء سيطرة الأحزاب السياسية اللبنانية على الجامعة اللبنانية، وهذا ما لا نريده جميعنا، أسياداً وأتباعاً. لأنّ تدمير الجامعة الوطنية وتقسيمها يسهل لنا تدمير الوطن وتقسيمه، الأمر الذي دأبنا على تحقيقه منذ الاستقلال. لذا، فالجامعة اللبنانية ستبقى على حالها، ورشيد الراضي بما كتبه الله له، سيتابع تعليمه سعيداً في الاختصاص الذي ربما سيضطر إلى تغييره في السنة المقبلة، محقّقاً لتنظيمه أحد أهم إنجازات الأحزاب اللبنانية، أن يبقى شعبها تابعاً لها، وأتباعها جهلاء حائزين شهادة جامعية.