نادر فوز
من جديد، وكأنّه «فلاش باك»، تكرّر مشهد الدم والدمار. لكنّ الجديد فيه هو وقوعه في قلب عاصمة الأمن بعبدا، التي تجاور القصر الجمهوري ووزارة الدفاع ومركز قيادة الجيش وقصر العدل، إضافةً إلى ثكنات عسكرية وحتى سفارات أجنبية عديدة.
أهالي بعبدا الذين استيقظوا صباح أمس على صوت انفجار سُمع دويّه في سنّ الفيل والمنصوريّة، كان عدد منهم لا يزال حتى الثالثة بعد الظهر، يلملم بقايا الزجاج المتناثر من الساحة، إلى امتداد يصل إلى قرابة مئتي متر. إلا أنّ المحال <
فتحت أبوابها رغم انعدام الحركة بسبب الصدمة والخوف والإجراءات الأمنية المشدّدة. «أحسسنا أنه جرى استهداف شخصية ما»، يقول صاحب محل تجاري مجاور للساحة، وهو من سكان بعبدا. فسلسلة التفجيرات التي عاشها اللبنانيون علّمتهم أن هدف التفجير عبر «توقيته».ساحة بعبدا خلعت زينة الأعياد واتّشحت بالسواد
التساؤلات تدور على ألسنة الجميع، والقلق بدا واضحاً في الشوارع المحيطة بمكان الاغتيال، وسط همّ جديد من إقفال الطريق التي «كانت في الأصل معطّلة جرّاء القصف الإسرائيلي» خلال حرب تموز.
المنطقة نجت من كارثة أكبر، في ظل انتشار مدارس عدة فيها، لكن «الله ستر»، لأن الانفجار سبق ازدحام الطريق بالسيارات وحافلات التلامذة بلحظات. بالقرب من مركز بلدية بعبدا ـــــ اللويزة، انتشرت عناصر الجيش من الحرس الجمهوري والمكافحة والشرطة العسكرية، حوّلت مسار بعض الطرقات، مع غياب تام لعناصر قوى الأمن الداخلي التي حضر عدد منها خلال وصول اللواء أشرف ريفي.
اختلطت الزينة الميلادية وثياب «بابا نويل» بآثار الانفجار، واستُبدلت «ألوان العيد» بما أنتجته الجريمة من رماد ودمار وثياب سوداء أحاطت بكنيسة «مار عَبدة»، حيث استقبلت أسرة العميد فرنسوا الحاج وقيادة الجيش المعزّين، فيما تولّت عناصر من الشرطة العسكرية أمن الكنيسة، ومنعت الصحافيين من إدخال أي جهاز أو آلة تصوير، لأسباب أمنية هي أدرى بها.
بالقرب من ألواح زجاج مكسورة، يجلس عدد من الضباط ببزّاتهم العسكرية، يتبادلون أحاديث قصيرة، يعود بعدها كل منهم ليغرق في صمت يعيده إلى لقاء أخير أو اتصال هاتفي مع العميد الشهيد.
في الداخل، الهدوء مسيطر، عائلة الشهيد وأصدقاؤه مثقلون بالفجيعة، لكنهم لا يوجهون أي اتّهامات، وبقيت «الغصّة في القلب». دموع تنهمر على ثياب نسائية سوداء، كانت قد هُيّئت، بحسب إحدى المعزيّات، منذ أيام عملية نهر البارد. «هذا اللباس الأسود لبسناه على كل جندي لبناني سقط في الدفاع عن لبنان». باختصار، يمكن سماع نشيج وبكاء مترافق بـ«كان سيصبح قائداً للجيش».