strong>راجانا حمية
لا أحد يكترث بما حدث في زاروب الطمليس ـــــ في محلة أبي شاكر، سوى من يقطنه من «الفقراء» وجيرانهم من الأحياء المجاورة. وحدهم يعرفون ما يختزنه ذاك الزاروب من «الفقر والتعتير»، الذي اكتمل مشهده بسقوط أحد مبانيه «المعمّرة».
في إحدى زوايا الزاروب، انهارت أمس، مئة عامٍ من «الذكريات والتعب الذي أكل من أجسادنا ونحن نناضل لنبقى على قيد الحياة أسوة بمن هم هناك في الخارج».
«هناك»، كما يحلو لأبو علي أن يصفه، حيث الأبنية «على كورنيش المزرعة منظّمة». وإلى جانب «هناك»... في الداخل حيث انهار المبنى حكاية أخرى وتاريخ آخر، مبانٍ متراصّة غائرة في العمر، أصغرها معمّر بالنسبة لما هو في الخارج، تسكنها عائلات «على قدّ الحال»، وتزنّر زواياها محال تجاريّة صغيرة غالبية زبائنها من قاطني الحيّ و«بسطة» خضارٍ في الجهة المقابلة للمبنى المدمّر، والتي كان صاحبها الشاهد الأوّل «على سقوط العمر كلّه. سقى الله يا عمّي، كنّا نلعب بالكلّة قدّامها من حوالى 50 سنة، شوفوا هلّق كيف صارت».
كلمح البصر انهارت، بعدما أنذرت ثماني عائلاتٍ تسكنها قبيل دقائق من سقوطها لحظة بدأت حجارة سقفها المهترئة تتهاوى شيئاً فشيئاً، وعلا معها الصراخ من طبقاتها الثلاث «قوموا ضهروا، البناية عم توقع».
دقائق قبل السقوط، ما عاد أحد من القاطنين الموجودين داخل المبنى يدري ماذا يفعل، الأمّ تحاول لملمة أطفالها، والشباب يساعدون في نقل الأطفال والعجائز إلى الخارج، فيما انشغل الشاب، صاحب محل النراجيل، في حمل نراجيله إلى الخارج، متحدّياً الوقت، ونجح في إنقاذها. ومن لم يكن داخل المبنى، حضر صارخاً والصفرة تخنق وجهه، يحاول خرق الطوق الأمني الذي ضربه عناصر الجيش والقوى الأمنيّة حول المكان، «دخيلكن ولادي جوّا، بدّي شوفهن، ابعدوا عنّي»، يأتي الجواب من إحدى الطبقات المجاورة «يا حجّة ولادك بخير، هياهن ع الطابق الأوّل، اتطلّعي». امرأة أخرى تحضر متأخّرة، لكنّها لم تكن تقوى على الكلام، تومئ بيديها فقط بانتظار من يخبرها عن مصير أولادها، تصل إلى حيث الطوق الأمني، بالكاد يخدمها صوتها الخافت «قالولي مناح، بس وينن».
حال الخوف والهلع عمّت حيّ الزاروب، فيما سكّان الشقق الثماني ضائعون، يحاولون تجميع أنفسهم لمعرفة الغائب منهم، وسكّان الأحياء المجاورة، بعضهم ينتظر «مساعدة الجيران»، والبعض الآخر انبهر بالمنظر، فصعد سطح المبنى المجاور يسترق النظر إلى غرف نُبشت أسرارها وخصوصيّاتها.
وبموازاة المبنى المدمّر، ثمّة مبنيان آخران لم ينجوا من الكارثة، إذ وقع جدار بكامله لأحدهما، فيما تصدّع المبنى الآخر، وقد عمل عناصر الدفاع المدني على إخلائهما من السكّان، والطلب من سكّان المباني المجاورة إيواءهم إلى أن يتمّ التأكّد من كمّية الضرر الذي يمكن أن يُلحقه المبنى المدمّر بأساسات المبنيين.
أبو قاسم غندور، أحد سكّان الحي، يحاول تهدئة الوضع «الحمد لله كلّ الأهالي بيّنوا، والجرحى الأربعة كتير جروحهم طفيفة، لا داعي للخوف». تضاربت الآراء، أبو قاسم يحصي جرحى حيّه، يتبيّن له أنّهم أربعة تمّ نقلهم إلى مستشفى المقاصد، فيما أصوات أخرى تقول إنّهم ثلاثة «امرأة مسنّة وشابان»، وآخرون «اثنان إلى الآن»، وفي اتّصال مع مستشفى المقاصد حيث تمّ نقل الجرحى، ثّبّت الرقم، ستّة جرحى، خرج اثنان منهم، وهما: «بسّام وبدريّة ميرزا»، وثلاثة «قيد الفحص»، كما يشير أحد الممرّضين في الطوارئ، وهم: دومار الحارس وعائشة مرزي وهدى كولكو، فيما أُدخلت «دلال رمّال إلى المستشفى بعد تعرّضها للصدمة ولبعض الكسور والرضوض في أنحاء جسدها».
ولفتت إدارة «المقاصد» إلى أنّ «جراح الجميع كانت طفيفة».