إبراهيم الأمين
كشفت مصادر واسعة الاطّلاع، أن التطور الأبرز في مشاورات الساعات الماضية تمثّل في تلقّي مرجعيات محلية بارزة موقفاً سعودياً حاسماً من التسوية المرتقبة، يفيد بأن التوجه هو لعدم تولّي النائب سعد الحريري منصب رئاسة الحكومة المقبلة، وانسحاب الرئيس فؤاد السنيورة من الحياة السياسية، في مقابل تسمية شخصية قريبة من آل الحريري لتولي المنصب الوزاري الأول، على أن يُحفظ توازن الحقائب الوزارية بين جميع القوى في مقابل منح الرئيس الجديد، أي العماد ميشال سليمان هامشاً كبيراً من التحرك داخل الحكومة، وترك أمر القرارات المصيرية له، ربطاً بحوار جرى معه على فحوى أن يمثل نقطة التوازن في المرحلة المقبلة التي تتسم بطابع انتقالي من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
ومع أن الموقف السعودي جاء متأخراً بعض الوقت، إلا أنه خرج بعد مداولات سعودية داخلية، وأخرى مع مصر وعواصم غربية. وفرنسا التي تبلّغت الموقف كانت قد أبلغت الجانب العربي والجانب الأميركي بأنها في غير وارد القيام بمزيد من الجهد قبل تسليفها موقفاً رئيسياً من موضوع رئاسة الحكومة بعدما نجحت في انتزاع تنازل كبير من المعارضة تمثل في سحب ترشّح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وهو تنازل لا يمكن مقايضته بسحب مرشحي 14 آذار اللذين لا يمثلان نقطة توازن جدية مع عون. كما تحدث الفرنسيون صراحة عن رفض المعارضة أية تسوية خارج هذا الإطار، وأن البديل من هذه التسوية هو «الفوضى المنظمة» ربما من قبل قوى غير تلك التي تمون عليها الإدارة الأميركية.
وبحسب المصادر، فإن الاتفاق الذي تم في الأيام الأخيرة بين قوى المعارضة أخذ في الاعتبار مجموعة أمور، منها:
أولاً ــــــ إن دمشق وطهران لا تفرضان جدول أعمال على المعارضة في لبنان، وإنه ليس صحيحاً أن سوريا مستعجلة الحل بأي ثمن، وإنها ترفض زجّها في الحوارات القائمة داخل فريق المعارضة، وخصوصاً عندما برر بعض المعارضين المستعجلين الاتفاق موقفهم بأنه يعبّر عن رغبة سورية، وهو ما تبيّن أنه غير صحيح.
ثانياً ـــــ إن حزب الله والوزير سليمان فرنجية لعبا دوراً أساسياً في إقناع الرئيس نبيه بري وآخرين من قوى المعارضة بأن سلّة التفاهم التي يطلبها العماد عون محقّة، وأن الضمانات العربية والفرنسية لأي تفاهم مع فريق 14 آذار ضرورية قبل المضيّ بالتعديل الدستوري أو أية أمور أخرى. وهو الأمر الذي استهلك مشاورات مفتوحة بين قادة المعارضة قبل أن يصار إلى الاتفاق على الأمر وعلى ترك الحوار المباشر مع الموالاة للعماد عون نفسه، الذي أنهى حواراً غير مباشر مع قائد الجيش وفق آليات تتعلق بالمرحلة المقبلة.
ثالثاً ــــــ تم تحديد بنود الاتفاق الذي يمكن المعارضة أن تقبل به، بأقل مما كانت لأجل إنجاز سريع للانتخابات الرئاسية. وهذه البنود تتعلق أولاً بآلية تعديل الدستور دون المرور بالحكومة، ما لم تقدم استقالتها. وثانياً بتأليف حكومة وحدة وطنية موسعة تتوزع المقاعد الوزارية فيها بين الموالاة والمعارضة بحسب نسب التمثيل النيابي، وتكون حصة رئيس الجمهورية مأخوذة بالنسبة ذاتها من الطرفين، وبما يحفظ لقوى المعارضة الثلث المعطل. وثالثاً بتوزيع عادل للحقائب السيادية بين القوى البارزة وإسناد الوزارات «الاختلافية» لشخصيات حيادية إذا تعذر الاتفاق. ورابعاً ضمان إقرار سريع لقانون الانتخاب الجديد على أساس القضاء دائرة انتخابية، وخامساً إعادة تشكيل المجلس الدستوري في أسرع وقت ممكن، وسادساً ضمان صرف موازنة لإنجاز ملف المهجرين بصورة تامة خلال سنة من موعد تأليف الحكومة، وسابعاً ضمان تنفيذ التوازن على مستوى الإدارات العامة بين المسلمين والمسيحيين.
وفيما تحدث أقطاب في فريق 14 آذار عن شروط إضافية موجودة لدى العماد عون ولدى قوى من المعارضة تتعلق بولاية الرئيس الجديد وهوية رئيس الحكومة المقبلة، أفيد بأن ورقة المعارضة واضحة المبادئ ولا تتضمن الإشارة إلى هذين الأمرين، رغم أن عون كان قد ناقشهما مع الجميع بمن في ذلك مع الموفدين العرب والأوروبيين الذين جالوا على المراجع السياسية اللبنانية خلال الفترة الماضية.
وبحسب المصادر، فإن صيغة التوافق تلقى تسهيلاً من جهات في الموالاة، وإن النائب وليد جنبلاط يحثّ حلفاءه في 14 آذار على المضيّ بتسوية سريعة حتى لا تكون الخسائر أكثر فداحة في الفترة اللاحقة، وإنه أبلغ من يهمه الأمر بصراحته المعهودة: «لقد خسرنا المعركة الكبرى، ما بالكم تقفون عند القشور؟ إذا لم نقبل بما نحن عليه اليوم فليقل لنا من عنده رأي آخر، ماذا نفعل».
لكن المعضلة تبدو قائمة أكثر لدى قادة في تيار «المستقبل» وفي الفريق المسيحي، إذ إن بعض الشخصيات القريبة من النائب سعد الحريري ترفض التنازل بالطريقة التي تُظهر التيار خاسراً، وتفترض أن على التيار أن يخوض معركة التمسك بالحكومة ورئاستها وأن هناك الكثير من الملفات التي يجب متابعتها، فيما قال آخرون إن على الحريري الابن تكرار تجربة والده عشية انتخابات عام 2000، حين أفلح في استثمار وجوده خارج الحكم بعد وصول الرئيس إميل لحود، وحقق نجاحات كبيرة في الانتخابات النيابية. وخاصة أن الحكومة المقبلة سوف تكون مهمتها التحضير للانتخابات وتسوية ملفات عالقة، بينها العلاقة مع سوريا، والحريري ليس مضطراً لتحمّل تبعات هذه المسائل.
أما من جانب الفريق المسيحي، فإن التوتر يبدو بارزاً لدى «القوات اللبنانية» وقائدها سمير جعجع الذي ألغى أمس مقابلة مع «تلفزيون الجديد»، مبرراً ذلك بأنه إما أن يقدم إجابات غير مفهومة، وإما أن يقول ما في قلبه، وبالتالي فسوف يطلق مواقف تظهره رافضاً للتسوية. كما أن الضغوط الناشئة عن جهود التسوية تفرض على جعجع عدم المبالغة في عرض المطالب وممانعة التوافق.