strong> راجانا حميّة
يفتتح الفنّان التشكيلي جورج الزعنّي معرضه «قهوة دايمة... صلحة دايمة»، السادسة مساء اليوم في قصر الأونيسكو، بعد تأجيلٍ قارب ثلاث سنوات عقب اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري.
يصرّ الفنّان جورج الزعنّي على استحضار السِّلم وسط الموت الذي يعصف ببلده، فلم يثنه التفجير الأخير عن افتتاح معرضه «قهوة دايمة»، وإن كان الاغتيال الأوّل، قبل عامين، قد منعه مجبراً من استكمال جمع فناجين قهوته، ليعود اليوم، وعدّته، إلى الأونيسكو، في محاولةٍ لـ«صلحة دايمة» قد تنقذ بلد الاغتيالات من موته. الزعنّي، الذي لم يجد نفسه يوماً خارج هذا البلد، رغم مآسيه، يحقد عليه قليلاً، وعلى أبنائه أكثر «فهم لم يتركوا للصلح مكاناً»... وهو يحاول بحبّة قهوة إحداث «دفشة أمل» في نفس من سيتجرّأ على الحضور.
بدأ الزعنّي دعوته منذ ما قبل اغتيال الحريري، وأرجأها... لكنّه لم يجرؤ على الإلغاء، وجمع فناجينه من بيوت الناس التي وصلت إلى حدود ألف فنجان بأحجامٍ وأشكالٍ مختلفة... تختزن ذاكرة وذكريات مئاتٍ من الأشخاص الذين أقدموا على التخلّي عنها «خدمة للبلد والصلحة».
ربّما لم يكن الدافع لجمع ألف فنجان، مجرّد الجمع بقدر ما هو أهمّية الدعوة إلى تعزيز الروابط المشتركة بين أبناء هذا «اللبنان» الذي يختصره فنجان واحد من القهوة. من هنا، إذاً، جهد الزعنّي لتعزيز الرابط، من فنجانٍ واحدٍ «يجمع الغنيّ والفقير...المعارض والموالي... صاحب الكرسيّ الأوّل والسكّاف» وكلمةٍ واحدة «دايمة» أو «عامرة» أو أيّ شيءٍ آخر يعاند «التفرقة والتقسيم».
ألفٌ رصفها الزعنّي في قصر الأونيسكو، ألف ببساطتها، لكنّها «مثيرة» بالنسبة إلى الزعنّي، فكانت أولى كلماته تعليقاً على السؤال «لماذا كل هذه الفناجين؟»... «المهم أنّها جُمعت من بيوت الناس، وهذا يتخطّى التقييم»... فهي ذاكرة للكثيرين الذين يعوّل عليهم الزعنّي لحظة الحضور «فهم سيذكّرون فناجينهم، ستجمعهم مع لحظاتهم الجميلة، التي تنسيهم الاغتيالات وقد تردّ الكثيرين منهم إلى الجمعة الحلوة».
فكرته على بساطتها التي يستغرب فيها البعض سبب هذا الرصف «المتخم» للفناجين على الرفوف والطاولات، غير أنّ طريقة الرصف والأشكال الفنّية التي استعملها الزعنّي و«تلميذه» الفنّان التشكيلي فؤاد شهاب والكتابات والرسومات التي جمعها عن القهوة من أصدقائه وأدواتها حملت معرضه من مجرّد الدلالة إلى حبّة قهوة لينتقل بها، من قعر فنجانٍ صغير، إلى حياةٍ عامّة بكاملها، مع ما تجمعه من تعقيدات.
في «قهوة دايمة... صلحة دايمة»، يجمع الزعنّي، إلى جانب فناجينه الألف، ثمانية أعمالٍ أخرى لا تقلّ أهمّية عن تلك الفناجين. فيصوّر المعرض تاريخ وسيرة القهوة التي كتبتها الدكتورة إلهام كلّاب البساط على لوحاتٍ يجمعها رسم فنجان القهوة والحبّة، والمصطلحات التي يستعملها من يرتشف القهوة ويصنعها «القهوة عالنار، تفل، دايمة، عثملّي، وسط»، خطّطها الفنّان علي عاصي، وترافقت مع صور لشجرة القهوة أحضرها الزعنّي من مدينة لندن.
من الجانب الآخر، زنّر الزعنّي فناجينه برسوماتٍ للفنّان الإيطالي باسكال كارينزا، جسّد فيها وجوهاً كثيرة حزينة في غالبيّتها، هكذا أرادها صاحب المعرض للدلالة على الحالة التي يمرّ بها اللبنانيّون، إضافة إلى ثلاثة رسوم عن «الحبّة» للفنّانة فاطمة الحاج، وصورتين للحبّة نفسها، للمصوِّرَين آلان أورلاك وجيلبير الحاج، فيما تولّى المهندس المعماري أنيس الجرّاح أعمال الغرافيك و«زنّار» الفناجين المرسومة.
ولم ينس الزعنّي أيضاً الأواني الخزفيّة استكمالاً للمشهد للخزّافة سمر مغربل.
فناجين في كلّ الزوايا جمعها الزعنّي في تفاصيل الحياة جميعها، للذاكرة والذكريات والناس والأهم...لصلحتهم. يُذكر أنّ المعرض سيزور دمشق «العاصمة الثقافية للعالم العربي في عام 2008»، وإلى الدول العربيّة في وقتٍ لاحق، قد تبدأ بدولة قطر، كما يشير الزعنّي.