strong>حسن عليق
مات جوزف خاتشادوريان خلف قضبان سجن رومية، بعد تعرّضه على مدى 6 أيام لنوبات لم يُعالج منها بطريقة تمكنه من تخطيها. وحتى لو صح الاتهام الموجّه له بتعاطي المخدرات، فهل الموت هو عقوبة الإدمان؟

«قال لي جوزف: أنا عم موت، خلّيك حدّي». هذا ما نقله أحد نزلاء نظارة سجن رومية السابقين عن الموقوف جوزف خاتشادوريان (25 سنة) الذي توفي فجر الاثنين الماضي داخل النظارة. وأضاف: «كان يعلم أنه يموت، وبقي يردد هذه الكلمات على مدى ستة أيام. وكانوا كلما نقلوه إلى مستوصف السجن يعيدونه بعد وقت قصير متهمينه بالتمثيل عليهم».
شرح ما كان جوزف يعانيه قبل وفاته: «أوقف زوزو بتهمة تعاطي المخدرات، لكن الفحوص المخبرية أثبتت عدم صحة ما نسب إليه، وأدخل إلى رومية لوجود خلاصة حكم بحقه، وهي عبارة عن غرامة مليوني ليرة، فكان عليه البقاء في السجن مدة شهرين لأنه لا يستطيع دفع المبلغ. وخلال توقيفه، استدعي إلى جلسة تحقيق علم فيها أن أشخاصاً يعرفونه اتهموه بترويج المخدرات. وعندما عاد إلى السجن، قال لي إنه يحس بأن يده متشنجة. ثم اشتكى من عدم قدرته على الحركة.. إلى أن ازداد التشنج في جسمه، حتى بات لا يستطيع الأكل لعجزه عن تحريك فكّيه. وقبل ثلاثة أيام من وفاته، ظننا أنه مات بعدما ابتلع لسانه وصار جسمه مثل الخشبة ولم نعد نتمكن من سماع دقات قلبه. ثم نقل إلى المستوصف ليعاد إلى الزنزانة بعد إنعاشه. وقبل وفاته بيوم واحد، نقل إلى مستوصف السجن، ثم أعطي تقريراً لنقله إلى مستشفى ضهر الباشق مدة 48 ساعة. بعد أقل من 12 ساعة أعيد إلى الزنزانة، وعندما سألته عما تلقاه من علاج، قال لي إنهم علقوا له مصلاً، من دون إعطائه دواءً لأنه لا يملك ثمنه. وليل الأحد ـــــ الاثنين الفائت، بقي عدد من السجناء مستيقظين مع جوزف يحضّرون له الماء واللبن لأنه لم يكن يستطيع فتح فمه كلّه. وعند الخامسة والربع فجراً، وجده صديقه متيبساً كالخشبة، فنقل إلى المستوصف ليبلغونا أنه توفي».
والد جوزف، الذي زارته «الأخبار» في أحد الأحياء الشديدة الفقر في برج حمود، لا يعرف حقيقة ما جرى. الصدمة والحزن يخيمان على المنزل الصغير الذي يستقبل المعزين بوفاة زوزو. روى الوالد أنه تلقّى اتصالاً من أحد الضباط في رومية طالباً منه الحضور إلى السجن لأن جوزف مريض. وتابع: «أنا سائق سيارة في إحدى الشركات، وكنت في مكان بعيد، فاتصلت بخالة زوزو لتذهب إلى السجن». وهنا تتدخل أم جوزف: «ذهبت إلى رومية صباح الاثنين، وقلت لهم إن الرائد طلب رؤيتي، فاتصلوا بالهاتف وأبلغوا الرائد بوجودي، ثم انتظرت نحو ثلث ساعة. بعدها، خرجت سيارة BMW من داخل السجن، وقال لي أحد العناصر إن الضابط الموجود في السيارة هو الذي كنت أقصده، فطلبت من العسكري أن يقول له إنني في انتظاره. وبعدما تكلّم العسكري مع الضابط عاد إلي وقال: يقول لك الرائد أن تذهبي إلى مستشفى ضهر الباشق. قصدت المستشفى حيث عاملوني كأنني أتسول منهم، وكنت كلما قلت لهم إنني أريد أن أرى المريض جوزف خاتشادوريان قالوا لي إنه غير موجود في المستشفى، قبل أن يطلبوا مني العودة إلى السجن. وفي السجن قالوا إن جوزف في المستشفى». عندها، قاطعها والد جوزف: «اتصلت بالضابط الذي قال لي: يمكن تلحّق ابنك يمكن لأ. فذهبت إلى المستشفى حيث أعطوني ابني جثة».
عائلة جوزف تؤكد أن ابنها «كان قد توقف عن تعاطي المخدرات قبل أربعة أشهر من توقيفه». ولا يزال والده في انتظار تقرير الطبيب الشرعي ليحدد ما سيفعله، وقال لـ«الأخبار» إنه يثق «بأن القضاء اللبناني سيكشف حقيقة ما جرى وسيحاسب المقصرين الذين تسببوا بوفاة زوزو».
وعلمت «الأخبار» أن التقرير الأولي الصادر عن مستوصف السجن يشير إلى أن جوزف أصيب قبل وفاته بـ«تشنجات ناتجة من التوقف عن تعاطي المخدرات»، وأن الاطباء في مستشفى ضهر الباشق وصفوا له دواءين: Tramal وDepaKine.
بدوره، دعا مصدر في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عائلة خاتشادوريان إلى تقديم ما لديها للقضاء الذي يتولى التحقيق في وفاة جوزف. وأكّد المصدر المسؤول أن المديرية ستحاسب مسلكياً كل من يثبت القضاء تسببه بوفاة الموقوف.
من ناحية أخرى، ذكر الأب هادي العيّا، رئيس جمعية «عدل ورحمة» التي تعنى بشؤون نزلاء سجن رومية، لـ«الأخبار» أن نحو 30% من الموجودين في سجن رومية مدمنو مخدرات. لكن ليس في السجن طبيب اختصاصي للتعامل مع المدمنين. وقال العيّا إن النظام اللبناني يتعاطى مع المدمن كأنه مجرم، فيما الإدمان مرض بحاجة للعلاج، وعادة يعطى المدمن دواءً بديلاً مثل الـMethadone لمساعدته في تخطي الادمان وللحؤول دون تعرّضه لنوبات قاتلة. وأضاف العيا: حتى لو كان القانون اللبناني يرى المدمن مجرماً، يجب أن ينظر إلى المدمنين بوصفهم حالة خاصة، وعند توقيفهم، تنبغي معاملتهم توصفهم مرضى بدل التركيز على التحقيق معهم، قبل أن ينقلوا إلى السجن غير المؤهل لاستقبالهم. وختم العيا كلامه بالقول «إن النظام في لبنان يبدو كأنه ينصب فخاخاً لإدارة سجن رومية التي لا تمتلك المقومات الكافية للتعامل مع المدمنين».