برلين ـ غسان أبو حمد
لم يعد مهماً بعد اليوم، البحث عما إذا كان لبنان ساحة صراع لقضايا الآخرين على أرضه، أو أن صراعات اللبنانيين في ما بينهم انعكست على الساحة الدولية، ونقلت بالتالي خلافاتها الداخلية ومعجزة «الفراغ الإيجابي» داخلياً، إلى أعجوبة «الشلل السلبي» دولياً... هذه خلاصة المقال الافتتاحي لصحيفة «برلينر تسايتونغ» في تحليلها يوم أمس، عن تشابك العلاقات الدولية وفشلها في حلحلة العقد اللبنانية.
الأكيد، في نظر المعلقين السياسيين الألمان، أن «بوارج» المبادرات الدولية، وفي طليعتها «بوارج السياسة الأميركية»، وتكليفها المبدئي الحليف الأوروبي الفرنسي ــــــ العربي، تسوية الأزمة اللبنانية، قد تحطّمت جميعها على الشاطئ اللبناني، وراحت هذه المبادرات ترمي حمولتها الثقيلة من التحالفات، «مستوعباً» بعد الآخر، والتمسك بنظرية «وايت أند سي» لمعرفة مسار الضربة الأميركية الموعودة ومصيرها.
من هنا كان لقاء «مؤتمر أنابوليس»، الأخير، عن الشرق الأوسط وكانت نتائجه الفاشلة بمثابة مبادرة أميركية، ابتدعها العقل السياسي لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وبمثابة «دولاب» لإنقاذ نفسها من الغرق، وتحسين صورتها، ليس أكثر.
هذا بعد سلسلة من النجاحات التي لم يسبق لوزارة الخارجية الأميركية أن عرفتها، وخاصة بقيادة أول امرأة سمراء تدخل البيت «الأبيض»، بصفتها مستشارة للأمن القومي إلى جانب الرئيس جورج بوش، ومهندسة لسياسة خارجية أميركية، وكان من ثمارها «حلحلة» النزاعات الأميركية مع دول عبر الأطلسي، وبالتالي، تحسين وتبريد العلاقات الأميركية ـــــ الأوروبية وتنسيقها، إلى درجة تسمح بتكليف بعض الدول الأوروبية أثقالاً متعبة، كتكليف الخارجية الفرنسية رعاية حلّ للمشكلة اللبنانية ومحيطها الإقليمي.
الصحافة الألمانية تمنح رايس (53 عاماً) أعلى نسبة من التأييد الشعبي (40 في المئة) للطاقم الحكومي في البيت الأبيض، وتعدّد مجلة «فوكوس» الألمانية بعض مزايا رايس ومسارها الشخصي، المتفوق في العديد من المجالات، وأهمّها رسم العلاقات الدولية الناجحة مع روسيا، وتنظيم وتبريد العلاقة مع الجمهوريات الجديدة الناشئة في شرق أوروبا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
والى جانب ذلك، إنها المرأة الجميلة والأنيقة في تعداد عشر نساء يعملن في قطاع السياسة الدولية، وتصفها مجلة «فوربس» بالوزيرة «نوتيللا»، في إشارة إلى لونها الأسمر الجميل فقط، لا إلى طعمها السياسي المرّ الذي تحوّل تدريجا إلى سلسلة هزائم في الشرق الأوسط، وفي صياغة العلاقة بين دول تحركها العوامل النفسية ـــــ الروحية، قبل المصالح المادية، من العراق إلى لبنان، حيث تصدرت الصفحات الأولى لبعض المجلات والصحف الألمانية، صورٌ للمتظاهرين في لبنان، يرفعون رسماً للوزيرة رايس تقطر الدماء من فمها...!
وانطلاقاً من هذا الفشل في الشرق الأوسط، يسأل المراقبون «هل حان وقت «التدافش» بين المسؤولين في القيادة الأميركية للقفز من السفينة الغارقة؟».
صحيفة «برلينر تسايتونغ» تنقل عن صحيفة «نيويورك تايمز»، جواباً أدلت به رايس تبريرا لهذا الفشل، إذ قالت «صحيح أننا نحمل بأيدينا «الريموت كونترول»، وأصابعنا على الأزرار لكننا، مع الأسف، نفشل في تركيب «برنامج واضح» في الشرق الأوسط؟ لماذا؟ نحن نرفع التقارير والإرشادات إلى الرئيس، الذي يبقى وحده صاحب السلطة التنفيذية ومالك القرار الأخير. نحن مهمتنا استشارية فقط».
تتساءل الإعلامية أوليفيا شولر في مقالها الافتتاحي لصحيفة «برلينر تسايتونغ» أين العطل في الأزمة اللبنانية؟ هل هو في «روموت كونترول» الجهاز الاستشاري الذي تقوده رايس؟ أم هو في «صحن الالتقاط» التنفيذي للرئيس بوش؟ أم تراها رداءة أجواء التحالفات الأميركية في الشرق الأوسط؟. الخيار الوحيد «وايت أند سي»!.