غسان سعود
تتثاقل الدقائق على أهل اليرزة، وتأخذ التعازي بعداً اجتماعياً ووطنياً مؤثراً، فيشعر المتنقل بين عناصر الجيش بمدى الإحباط الذي تعانيه القيادة العسكرية وقاعدتها من اغتيال اللواء فرنسوا الحاج. ويطالب معظم الضباط بخطوات عملية ترفع معنويات الجيش، وتقول لزملاء الحاج إن دم «قائد الجيش المنتظر» لم يذهب هباءً، وتعيد ثقتهم بقدرة مؤسستهم على الاقتصاص من مستهدفيها، بعد نصف النجاح ونصف الفشل في معارك نهر البارد.
وإذ يؤكد بعض الجنود تلمّسهم توتر المسؤولين عنهم، يقول أحد مساعدي قائد الجيش، العماد ميشال سليمان، إن مدير العمليات يمثّل مفتاح الجيش، واغتياله أشبه بقطع عقدة الأساس في المؤسسة. من هنا، يمكن القول، بحسب العميد المتني المقرّب من سليمان، إن المخططين للجريمة كانوا يعلمون جيداً ماذا يفعلون، وجريمتهم هذه، وفق المعايير العسكرية، أهم من اغتيال قائد الجيش نفسه.
وفي السياق ذاته، يرى زميله العميد المتقاعد ميشال عواد أن الجريمة الأخيرة أشبه بتلك التي استهدفت العميد خليل كنعان في مطلع الحرب اللبنانية، و«تكشف عمّا نجهر به منذ أشهر من استهداف الجيش ومحاولة تكبيله»، مؤكداً أن ثمة من لا يعجبه تطور دور المؤسسة مقابل تدهور أوضاع الطبقة السياسية، فيرتكب أعمالاً كهذه ليضعف الجيش ويساوي بين الوضع السيّئ لجميع مؤسسات الدولة، منبّهاً من مخططات مبيّتة ربما تهدف إلى شلّ الجيش. ولا يخفي أحد ضباط بعبدا أن ثمة فرضية جدية تُبحث في اليرزة تنظر إلى الاغتيال كرسالة إلى قائد الجيش السابق العماد ميشال عون، لتصارحه بالقدرة على ضرب كل «جماعته داخل المؤسسة»، من أجل إحباط آماله في قدرته على المضي في مواقفه، مراهناً على حماية الجيش له. ولا يستبعد الضابط المخضرم احتمال حصول أكثر من محاولة مشابهة تطال ضباطاً محسوبين على عون إذا صحَّت هذه الفرضية.
وإذ تتعدد تحليلات الضباط بشأن وجهة الرسالة السياسية التي حملتها العبوة الأخيرة، يستبعد معظم أهل اليرزة ضلوع مقاتلي «فتح الإسلام» في العملية، ويرون في اتهام كهذا قناعاً لتضليل التحقيق. ويرى البعض أن الاغتيال على بعد عشرات الأمتار فقط من المدخل الشرقي لقصر بعبدا المهجور رسالة مباشرة إلى المرشح لرئاسة الجمهورية العماد ميشال سليمان. ويضيف أصحاب هذه النظرية إلى رمزية المكان، دور فرنسوا الحاج كصديق مشترك للعمادَين عون وسليمان، ونقطة التقاء بين العمادَين والبطريرك الماروني. ويلعب توقيت العملية، عشية ترنح ترشيح سليمان، دوراً ضاغطاً، بحسب بعض الضباط، على سليمان ليحسم خياراته، ويرفع صوته في وجه من يؤخّرون وصوله إلى بعبدا.
على صعيد آخر، ورغم الحزن والاشمئزاز اللذين يعتريان أهل اليرزة من متاجرة السياسيين بدم شهيدهم ومرافقه، يبدي هؤلاء تفاؤلهم باستمرارية المؤسسة، وإن كانوا يعتقدون بأن تعيين مدير عمليات جديد سيكون للمرة الأولى في تاريخ الجيش محل سجال سياسي، وخاصة أن سليمان سيكون محرجاً أمام مرشِّحيه لرئاسة الجمهورية من جهة، ومن جهة أخرى فإن وعون سيتمسك بوصول ضابط يطمئن إليه مؤيّدوه في المؤسسة العسكرية ويحمي خاصرته المدنية.
ويضع أحد ضباط اليرزة النقاط على الحروف، شارحاً أن الجيش من دون فرنسوا الحاج لن يكون كما كان معه، على الأقل لناحية علاقته بعون، الخاسر الأكبر من هذه الضربة الموجعة.