نعمت بدر الدين
«تعاني وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية التمييز، وقد أصبحت للأسف وزارة الأقوياء على حساب العقلاء»، هكذا بدأ أحد سفراء السلك الدبلوماسي اللبناني في الخارج حديثه، معلقاً على خبر تلقّاه من أحد زملائه في الداخل، أحدث ضجة في الوزارة وسفاراتها، وهو الموافقة على صرف مبلغ 32 الف باوند شهرياً، أي ما يعادل 68 ألف دولار، لسفيرة لبنانية مقيمة في إحدى العواصم الأوروبية، كانت قد طلبتها لتغطية إيجار شقة للسكن بشكل مؤقت، لحين الانتهاء من أعمال الصيانة والتأهيل في دار السكن المخصصة للسفيرة، التي قد تستغرق سنة كاملة.
مصادر مطّلعة قالت إن دار سكن السفيرة لا تحتاج الى كبير صيانة، وقد أقام فيها عدد من السفراء الكبار الذين خدموا في تلك العاصمة، وكانوا طويلي البال، وأجّلوا أعمال صيانة غير ملحّة، وذلك، لإدراكهم أنه ليس هناك من مال كاف في خزينة الوزارة، وأن وضع الوزارة المالي صعب، كما أن هناك أموراً أخرى أشد إلحاحاً تحتاج الى تحريكها، مؤكدة أن الموضوع كان يمكن حله بطريقة أوفر.
ويمكن التساؤل عن الداعي إلى إقامة السفيرة في دار إيجارها يتجاوز 65 الف دولار شهرياً، وهو مبلغ يستأجر فيللا مؤلفة من طبقتين، وذات حديقة في أغلى أحياء العاصمة، علماً أن الجالية اللبنانية بدأت تطرح بعض الأسئلة عن ارتفاع قيمة المبلغ. والسبب من وراء استئجار منزل بهذا السعر.
خبر الموافقة على النفقات المطلوبة الذي قد يراه البعض خبراً عادياً، يراه الدبلوماسيون ومتابعو أخبار السلك بطريقة مختلفة، فهؤلاء يعانون أزمة مادية تعصف بهم، وعندما يطلبون نفقات معينة لزيادة رواتبهم أو تأهيل سفاراتهم أو دور السكن، يُردّ عليهم بأن لا مال في خزينة الوزارة، وأن الأوضاع صعبة، وآخر الأمثلة على ذلك، عدم سفر الدبلوماسيين للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أو حتى للمشاركة في مؤتمرات دولية على اختلاف أهميتها، لأنه ليس هناك أموال في خزينة الوزارة. والجميع يعرف كيف امتنع مجلس الوزراء مرات عدّة عن صرف اعتمادات إضافية للوزارة، لتسيير أمورها اليومية الطارئة.
وتؤكد المصادر أن الموافقة على صرف المبلغ دليل على عدم الجدية لدى الجهات التي وافقت، بدءاً بوزارة الخارجية، وانتهاءً بوزارة المال، فهي جاءت في ظل أزمة تدهور رواتب الدبلوماسيين، ومطالبة عدد كبير من السفراء والدبلوماسيين في الخارج بـ إعادة النظر في رواتبهم، التي باتت لا تكفيهم، بسبب غلاء المعيشة، وخاصة في بعض عواصم الدول العربية والأوروبية، التي صنّفت في الإحصاءات الأخيرة من أغلى العواصم، وما زال السفراء والدبلوماسييون في الخارج يعانون تأخّر وصول التحويلات المالية لمعاشاتهم الى ما بعد الحادي عشر من الشهر، وانخفاض قيمتها بسبب فرق صرفها وفق العملات الأجنبية، وتعاني السفارات أيضاً فقدان أبسط وسائل التواصل التقنية والتكنولوجية، وأبرزها سفارات الدول الأفريقية والأميركية.
وينتظر الموظفون المحليون في أكثر من سفارة في الخارج منذ سنوات زيادة رواتبهم، بسبب الغلاء المستمر، في الوقت الذي يوازي فيه مبلغ الإيجار المؤقت لشقة السفيرة رواتب 100 دبلوماسي شهرياً.
وتساءل مراقبون عما إذا كان ثمة ما تستند إليه السفيرة لإمرار مثل هذه النفقة، وما نوع هذا الدعم، وخصوصاً أن الموافقة جاءت سريعة من وزارة المال، بعد قيام الوزارة بإمرار الطلب اليها بشكل روتيني، علماً أنها كانت ترفض في العادة مثل هذه الطلبات لأسباب معروفة. ولا بد من السؤال عمن يراقب صرف أموال المكلّفين بهذه الطريقة والبساطة. غريبة دبلوماسية التوافق. الموالاة والمعارضة تختلفان على أتفه الأمور، وتتفقان على أمر بهذا الحجم دون أي مناقشة.