strong>ديما الشريف
•السير على هامش الحياة وبمعونة المساعدات وانتظار الزعماء

«أهلاً بكم إلى الميناء مدينة الموج والأفق» يتبعها نصب لفظ الجلالة والفرائض الخمسة في الإسلام.
هكذا تستقبلك مدينة الميناء في الشمال. مدينة مختلطة لا تعرف مَن المسلم فيها ومَن المسيحي إلا أحياناً من اسم العائلة


منذ منتصف القرن الماضي كان اليسار هو القوة الأبرز في مدينة الميناء وتقبلته بصدر رحب حتى سميت «الميناء الحمراء». عزز وجود هذا اليسار النقابات الفاعلة في مصانع الرخام، وشركة كهرباء قاديشا، وصيادو الأسماك. أما اليوم فجولة في أرجائها تنبئ بالتشتت السياسي فيها عبر كثرة الصور المنتشرة على شرفات المنازل وأبواب المحال.
سنياً يحظى تيار المستقبل، والرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي بحصة الأسد من المناصرين، فيما تتوزع النسب الباقية على حركة التوحيد، الرئيس عمر كرامي، الجماعة الإسلامية، ومستقلين.
تيار المستقبل موجود منذ إنشائه، لكن بعد 14 شباط 2005 اجتاحت المدينة حالة تعاطف كبيرة معه خفّت لاحقاً. ويفتقر التيار في المدينة إلى حركة عضوية قوية، إذ يقل عدد ناشطيه عن المئة، لتكون الأغلبية من المناصرين غير المنتسبين. ويقوى التيار في المناطق الشعبية بفضل المساعدات التي يقدمها.
أما الوزير الصفدي فقد دخل المدينة عبر بوابة المراكز التعليمية شبه الرسمية للغات والكومبيوتر، مما أسهم في صعود شعبيته، إضافة إلى المساعدات العينية. ويقدر بعض المراقبين من أبناء المدينة أنه يتمتع بشعبية أكبر من شعبية المستقبل.
يشكّل الرئيس نجيب ميقاتي مرجعية لدى قسم من سنّة المدينة الذين يرون أنه يقف على الحياد بين طرفي النزاع. ورغم وجود مركز واحد فقط في المدينة لجمعية «العزم والسعادة» التابعة لميقاتي، يقوم بتأهيل المكفوفين، إلا أن ميقاتي يحظى بنسبة تأييد جيدة بين أبناء المدينة ممن يرون فيه خروجاً على الثنائية المغلقة.
يقوم ميقاتي بتأهيل قصري عبد الوهاب الموجودين في أول الكورنيش البحري، وسيتم تحويلهما إلى مكاتب خدمات لجمعية «العزم والسعادة».
وتعدّ القوى الأخرى أقل تأثيراً في المدينة، فمناصرو الرئيس عمر كرامي قلة وأغلبهم من الموظفين الرسميين والمعلمين ومديري المدارس ورجال الدرك. وقد أغلق مكتب حزب التحرر العربي في المدينة عام 2005.
الجماعة الإسلامية موجودة منذ الثمانينيات، وهي تتمتع بثقل ديني في الاستحقاقات ولا تتحرك سياسياً على مستوى المدينة، لكن عملها يتركز في الجوامع وعلى المستوى الاجتماعي.
أما حركة التوحيد (بقيادة هاشم منقارة) فهي ذات تأثير غير كبير في أوساط المتشددين، وأسهمت التجاذبات الطائفية في تقويتها. واستطاعت الحركة في العام الماضي اجتذاب العديدين بعيداً عن تيار المستقبل بمواقفها الدينية ومهاجمتها «علمانية» التيار.
مسيحياً يمثّل التيار الوطني الحر القوة الكبرى إلى جانب القوات اللبنانية. في الثمانينيات عرفت المدينة خلايا لحزبي الأحرار والكتائب دون أن تقوم بأي نشاط حزبي يذكر، وهجرت المدينة بعد دخول حركة فتح إليها. وبعد عودة ميشال عون إلى لبنان برز العونيون في المدينة واستقطبوا تعاطفاً قوياً.
مسؤول التيار الوطني الحر في الميناء جورج دقور يرى أن وضع التيار الآن أفضل مما كان عام 2005 عند الانتخابات النيابية. ويتابع أن التيار يستقطب «نحو 80% من المسيحيين في المدينة و10% من المسلمين». ويضيف أن الانتخابات النيابية الأخيرة برهنت على قوّة التيار إذ برز الأول مسيحياً بـ4000 صوت. ويشكو من أن «الحاجة تمنع العديد من السنّة من المجاهرة بانتمائهم للتيار الوطني كي لا يخسروا المساعدات التي تقدمها القوى السنية في المدينة».
أما القوات اللبنانية فقد استطاعت استقطاب عدد من الشبان بعد خروج سمير جعجع من السجن، مستخدمة شعارات «تمثيل المسيحيين». والقوتان لم تكونا خلال التسعينيات قادرتين على الإعلان عن وجودهما في المدينة خوفاً من أجهزة المخابرات السورية.
ويبقى الحزب الشيوعي اللبناني القوة الوحيدة التي استطاعت اختراق الملسمين والمسيحيين على نحو بارز في المدينة والتي واستقطبت من الطرفين مناصرين ومؤيدين.
في الثمانينيات كان الحزب من أهم القوى في المدينة. فوضع المعسكر الاشتراكي والحزب وقتها أسهم في اجتذاب العديدين ممن أغرتهم فكرة التسلح كما أغراهم الحصول على منَح تعليمية كان الحزب يوفرها لهم.
ودخل الحزب في المدينة خضمّ الصراعات الدموية مع كل من السوريين وحركة فتح وحركة التوحيد التي ارتكبت عام 1983 مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من أربعين شيوعياً.
مسؤول منظمة الحزب الشيوعي في المدينة جميل صافية يقول إن الحزب الذي فقد القدرة على تقديم الخدمات، ما زال يملك قدرة على الاستقطاب بفضل برامجه. ويفخر الشيوعيون في الميناء بقدرتهم على تجاوز عتبة الـ1600 صوت في الانتخابات البلدية، والـ2200 صوت في الانتخابات النيابية (الأخيرة).
ومع الوقت زال تأثير النقابات وتشتتت القوى السياسية بين تيارات طائفية في معظمها، ولم يعد في المدينة سوى مكتبين حزبيين يعودان للحزب الشيوعي والتيار الوطني، إضافة إلى مكتب للحركة اللبنانية الحرة التي انشقّ!ت عن التيار لكنها لا تسجل نشاطات تُذكر. وأغلقت بقية المكاتب وتركت المدينة بين تجاذبات «المساعدات».
المدينة التي أخذت نصيبها من الاعتداءات الإسرائيلية في حرب تموز، تنتظر بصبر خروج البلاد من مأزقها على أمل أن يصيبها رذاذ التحسُّن.

السكان
والإعمار


عدد سكان المدينة زهاء 90 ألف نسمة. لوائح الشطب حوت قرابة 34 ألف اسم في انتخابات 2005، لم ينتخب منهم سوى 14 ألفاً. ويعزو بعض المعنيين بالشأن السياسي ذلك لعدم اكتراث العديد من أبناء الميناء بالانتخابات نظراً لعدم وجود نائب للمدينة، واعتقادهم بعدم قدرة أصواتهم على التأثير في وزن أصوات طرابلس السنيّة، وأخيراً كثرة المهاجرين.
شهدت المدينة أخيراً فورة أشغال ما بين أعمال البنى التحتية التي تقوم بها وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار، وتقديمات خاصة. وأدّت الأعمال إلى تعطيل شارع يعقوب لبان الذي يعد عصب المدينة.
كذلك تبنى مدرسة ومهنية طالما انتظرتهما المدينة التي لم تعد مدارسها تستوعب التلاميذ، وتشيد سوق للسمك على ردميات بحرية.