حامات ــ فريد بو فرنسيس
استعادت قلعة المسيلحة في بلدة حامات ـــــ قضاء البترون صورتها التاريخية، بعدما شهدت ورشة ترميم نفضت عنها غبار الإهمال الذي جعلها عرضة لقطعان الماعز والرمي العشوائي للنفايات. وتتحضر القلعة للعودة إلى الحياة بعد أعمال الترميم التي تنجزها مؤسسة «أس. أر. أي انترناشيونال» وجمعية الإنماء الاجتماعي والثقافي (إنماء) ووزارة السياحة، تحت إشراف المديرية العامة للآثار، وبالتعاون مع بلدية حامات.
ويندرج المشروع الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية(USAID) في إطار توسيع الفرص الاقتصادية في لبنان والحفاظ على القلعة معلماً أثرياً سياحياً قديماً. واللافت في المشروع هو التصوينة الحديدية التي وضعت على امتداد 600 متر حول القلعة لحمايتها، والسياج الحديدي الذي وضع على درج المدخل لحماية السياح، ولا سيما أن القلعة معرضة غالباً للهواء والرياح.
وكانت الأعمال قد انطلقت في تموز 2007 وشملت تأمين بوابات عدة للدخول وتأهيل درج القلعة ووضع حماية جديدة له وإعادة ترميم أجزاء من الطاحونة وتخصيص مسكن لحراس القلعة وإقامة حمامات للزوار وإعداد دراسة مشروع إنارة القلعة لوزارة السياحة التي ستتولى تنفيذها. وتُرمم القلعة بشكل مدروس، إذ تستخدم مواد طبيعية، كالكلس مثلاً، للحفاظ على الطابع الأثري للقلعة.
يذكر أنّ قلعة المسيلحة تبعد حوالى ثلاثة كيلومترات شرقي مدينة البترون، فوق مرتفع صخري تبلغ مساحته خمسمئة متر مربع بارتفاع يزيد على 50 متراً. وتقع القلعة على الضفة اليمنى لنهر الجوز جنوب رأس الشقعة. تتزاوج جدرانها مع أطراف الصخرة بحيث لا يمكن الدوران حولها، فيما يحدها من جهة الغرب جسر عربي قديم يساعد الزائر على العبور نحو القلعة، وتتراوح سماكة جدرانها بين متر ونصف ومترين، وهو مكوّن من حجارة رملية بلون أصفر ـــــ برتقالي.
وقد شغل تاريخ القلعة الكثيرين من مؤرخي العمارة منذ بداية هذا القرن. فالمؤرخ رينان لا يرى أنّها تعود إلى أبعد من العصور الوسطى، بينما يرجعها فانبرشامب إلى أصل عربي يعود إلى القرن الثالث عشر. ويقول الأب هنري لامنس إن بناء المسيلحة لا يتجاوز القرون الوسطى. أما بول دي شان فيرى أنها صليبية، فيما يشير جان دي لا روك إلى أنها بنيت سنة 1624 على يد الأمير فخر الدين، علماً بأنها تعرضت مرات عدة للانهيار والترميم.
من جهة أخرى، حدّد عدد من الباحثين الأهميّة الاستراتيجية والعسكرية لقلعة المسيلحة على أثر دراسة تاريخها وهندستها. ومع ذلك لا تزال الأدلّة غير قاطعة على استعمال الصخرة التي تنتصب عليها القلعة قاعدةً عسكرية. فلا تتضمّن القلعة في شكلها الحالي أي عنصر ينسب إلى عصر سابق، ولا حتى إلى الحملات الصليبية. لكن تقنية البناء وحجم الحجارة المستعملة وطريقة قصّها، والأبواب والنوافذ المقوّسة المنخفضة تشير إلى أنّ القرن السابع عشر هو أبعد فترة يمكن أن تكون القلعة قد شُيّدت فيها.
وكانت المؤسسات المُسهمة في الترميم قد دشنت أمس القلعة، فأشار مدير عام الآثار الدكتور فريدريك الحسيني إلى أنّ القلعة تستأهل الإدراج على الخريطة السياحية في لبنان والدفع الإعلامي للتعريف بها وبأهميتها. وأكد استمرار العمل لتأمين استدامة المشروع ومتابعة تأهيل الموقع الأثري وتطويره.
من جهته، أوضح ممثل الوكالة الأميركية للتنمية ستيف هربلي إلى أنّ تأهيل القلعة جزء من خطة شاملة تهدف إلى تسليط الضوء على المواقع الأثرية والسياحية في لبنان، والتي تقع في المناطق البعيدة عن العاصمة. وكانت جولة في القلعة اطلع خلالها المشاركون على الأعمال التي نفذت فيها في سبيل تطويرها والحفاظ عليها معلماً أثرياً قديماً، وتجهيزها لاستقبال السياح بشكل أفضل.