إبراهيم الأمين
منذ إعلان فريق 14 آذار أنه يدعم ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، شُغل بال أحد النافذين في هذا الفريق ولو نظرياً، وتوجّه إلى الركن الأساسي لسؤاله عن الأمر: لماذا ميشال سليمان وليس أي اسم آخر، هم (أيّ المعارضة) يقبلون باسم آخر ولن يخوضوا معركة قائد الجيش إذا رفضنا نحن تعديل الدستور؟
لم يتأخر الركن الأساسي في الجواب. طبعاً لم يدخل لحظة في عملية إطلاق الصفات والمواصفات وتوزيع الشهادات لا على قائد الجيش ولا على غيره، لكن قال ببساطة: الأمور تغيرت كثيراً في الأسابيع القليلة الماضية، ولم ننجح في إمرار مرشحينا المعلنين، ولا مرشحنا غير المعلن روبير غانم، رغم أن الرئيس نبيه بري وافق معنا على الأخير، لكنه لم يكن يضمن موافقة القوى الأخرى في المعارضة، وبالتالي، فإن البديل المعروض علينا هو الفراغ المصحوب بتحركات من جانب المعارضة بقصد إنهاكنا ودفعنا الى الجدار مباشرة، وفي الخارج ضغوط علينا للسير بتوافق يمنع الانفجار. هذا هو الموقف في واشنطن وباريس وفي الرياض والقاهرة أيضاً. وبالتالي، فإن البحث عن شخصية أخرى يعني أننا سوف نعود الى لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير، وهذا ما سوف يضعنا من جديد أمام خيار ميشال إده، وهو في نهاية الأمر ليس من فريقنا بل من فريقهم.
وتابع الركن الأساسي في 14 آذار قائلاً: بخلاف قائد الجيش، فإن أي شخصية مسيحية من خارج 14 آذار سوف تكون رهينة التوازنات القائمة، وبالتالي، فإن أي رئيس نختاره الآن أو نوافق عليه سوف يقع في اليوم التالي في أحضان حزب الله وميشال عون، ولذلك، فإما أن نقبل بهذا القدر أو نسعى إلى ترتيب الأمر بصورة مختلفة. وقائد الجيش شخصية ليست محل جدال الآن، ولا يمكن سوريا أن ترفضه بل قد ترى أنّه من حصتها، ولا يستطيع حزب الله أن يعارضه وهو قائد المؤسسة التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع المقاومة، وإذا رفضه ميشال عون فإنه يكون قد أوقع نفسه في ورطة مع حلفائه ومع الجيش، ثم لن يكون بمقدوره خوض معركة منطقية.
ورد الزائر: لكن عون بادر الى الترحيب، ولو أنه وضع موقفه ضمن مباردته التي يمكن أن تمنع وصول قائد الجيش؟
مرةً جديدة لم ينتظر الركن الأساسي في فريق 14 آذار أن يكمل ضيفه سؤاله، ورد بما يؤكد حضور الأفكار في رأسه: حسناً، لنقل إن عون وافق والبقية أيضاً. فأمامنا خياران، إما أن يعارضوا الإجراءات الدستورية ويتحملوا هم مسؤولية عدم وصوله، وإما أن يسيروا بالمشروع ويصل قائد الجيش الى قصر بعبدا، وعندئذ سوف يكون الرئيس الجديد في موقع الراغب أو الساعي لتثبيت مكانة وحيثية تتجاوزان المؤسسة العسكرية، وهو يريد وزراء له في أي حكومة، كما سيسعى الى لملمة نواب من هنا وهناك من أجل إنشاء قوة نيابية في المجلس، وسوف يكون له في وقت قريب فريقه من السياسيين والإعلاميين والأمنيين وخلاف ذلك، عدا أن وضع البلاد الحالي يجعل الجيش قريباً منه على الدوام، إذ إن سوريا ليست موجودة حتى تأتي بقائد للجيش الى بعبدا، ثم تنتزع منه سلطته على المؤسسة، وهذا يعني ببساطة أن قائد الجيش سوف يأخذ من حصة القوى المسيحية، وفي حالتنا لا يبدو أنه سيأخذ من حصة فريقنا على ضعفه، وإذا فعل فلن تكون هناك خسائر كبيرة، لكن الكارثة ستحل بالعماد عون، وسوف يصاب تياره السياسي بإحباط إذا مارس عون معارضة أو اختلف مع قائد الجيش ــــــ الرئيس، وسوف يجري تسرّب من صفوف العونيين المؤثرين داخل المؤسسة العسكرية لمصلحة قائدهم ما دام قد وصل الى الرئاسة، وفي كل الحالات، فإن قائد الجيش سيتحوّل رقماً إضافياً في المعادلة المسيحية، مما يجعله حُكماً في مواجهة مع عون، فكيف إذا كان الودّ مفقوداً بين الرجلين أصلاً؟.
ويتابع الركن الأساسي «نظريته العظيمة» قائلاً: إن أي حماسة ترتبط بمصالح المقاومة سوف تدفع بحزب الله إلى إقامة علاقة قوية مع قائد الجيش، مما يعني في المقابل تدهور علاقته مع العماد عون، وفي ذلك بداية الطريق نحو فك تحالف التيار العوني مع حزب الله، وهو أمر سيؤدي الى إضعاف عون جدّاً، كما سيكشف حزب الله من جديد وهو الذي يعاني ضعفاً في علاقاته مع سائر الطوائف اللبنانية، وبالتالي، فإن هذا نجاح بحد ذاته، علماً بأنه لن يضر بلبنان كثيراً أن يرتفع دينه العام من 45 الى 50 مليار دولار، على أن تنفق هذه الأموال في دعم المؤسسة العسكرية، وتصبح بعد أقل من عامين قوة قادرة على أداء دور أكبر على الصعيد الداخلي، ولا بأس بأن تنشب مواجهة مع إسرائيل جنوباً وتنزف من الجيش الدماء التي تنزع من يد حزب الله حصرية العمل المقاوم، وتجعل الجيش شريكاً كاملاً في مواجهة إسرائيل، مما يساعد بقوة في فتح نقاش عملي حول مصير سلاح حزب الله، وسبب الحاجة إلى بقائه في استقلالية عن المؤسسة العسكرية الشرعية القادرة على أداء الدور المقاوم.
وإذ يلفت الركن ضيفه إلى وجود دعم جدي لميشال سليمان من مصر وفرنسا وحتى من السعودية، يقول إن الموقف الأميركي لا يمكن أن يكون مخالفاً في حالة لبنان الحالية، وبالتالي، فإن هذا الخيار لا يمثّل خيار الضعيف، بل خيار القادر على توسيع هامش المناورة في وجه خصوم يستعدون لمواجهة من نوع مختلف. وهو أمر ليس في مصلحة 14 آذار الآن.
طبعاً حصلت أمور كثيرة من تاريخ هذا الحديث، لكن أخطر ما حدث هو اغتيال اللواء فرنسوا الحاج، وهي الجريمة التي يجري العمل بقوة على كشف ملابساتها، وإذا لم تظهر نتائج سريعة جداً، ولو من دون مقبوض عليهم، فإنها ستتحوّل من عملية خاصة أو موضعية الى بداية مسلسل سينهك الجيش في الفترة المقبلة، وسوف يجري العمل على دفعه الى دائرة التوتر والخوف أو اللاقرار. وفي كل الحالات ثمة من يريد نقل الجيش الى موقع الطرف، وعدم حصول ذلك مسؤولية ميشال سليمان الأولى قبل أن تكون مسؤوليته الوصول سريعاً الى القصر.