فاتن الحاج
بادرت وزارة التربية، أخيراً، إلى تأليف لجنة تؤسس لدمج ذوي الاحتياجات الإضافية في المدارس الرسمية. وفيما تنتظر الوزارة المتخصصين والتمويل لهذا العمل، غير المرتبط بالوقت، بحسب مدير الإرشاد والتوجيه جان حايك، تبقى خطط التدخل فردية في المدارس الخاصة، ومنها ثانوية الكوثر التي باتت مدرسة مُرحبة ابتداءً من السنة الدراسية 1996


طَلَب أحد الآباء من المدير العام لجمعية المبرات تسجيل ابنه الذي رفضته مدارس عدة بسبب بعض التأخر النمائي لديه، فوافق المدير على قبول ابن السنوات الست على سبيل التجربة، من دون أن يعلم أنّ الحالة التي احتضنها مع نهاية العام الدراسي (1995 ـــــ 1996) ستُعبّد الطريق أمام برنامج التربية المختصة. وقد ظهرت خلال السنة نفسها حالات أخرى وتوجه عدد من الأهالي يبحثون عن مكان لأولادهم في المدرسة التي لم تعلن بدء برنامج دمج ذوي الاحتياجات الإضافية ولم تكن تنوي ذلك أصلاً. لكن حماسة الأهالي دفعت الهيئة الإدارية للجمعية، مع نهاية العام الدراسي (1996 ـــــ 1997) إلى تأسيس برنامج للتربية المختصة ودمج ذوي الحاجات الإضافية في ثانوية الكوثر التي افتتحتها مدارس المبرات في العام نفسه.
وهكذا فإنّ إعلان ثانوية الكوثر مدرسةً مرحبة بالطلاب ذوي الاحتياجات الإضافية أوجب، بحسب مديرة الثانوية رنا اسماعيل، تخطيطاً سريعاً في الوقت الذي لم تكن في لبنان مدارس مرحبة أخرى يمكن لحظها والتعلم منها، إضافة إلى افتقاد الوثائق الإرشادية بشأن هذا التعليم. وبما أنّه كان يصعب الحصول على معلمين متخصصين، قررت الإدارة، حسبما تقول اسماعيل، الإعلان عن منحة دراسية كاملة للحصول على دبلوم في التربية المختصة، على أن يوقع المرشح مقابل ذلك عقداً مع المدرسة مدته 5 سنوات بعد حصوله على الدبلوم. فاستجابت للعرض طالبة من الجامعة الأميركية في بيروت والتحقت ببرنامج الدبلوم في الجامعة.
ونظراً لغياب إطار عمل لبناني للتربية المختصة، سعت إدارة الثانوية إلى تخطيط وتنظيم إدارة المكونات الأساسية لبرنامج التربية المختصة بغية إتاحة تسهيلات أخرى لتعليم التلامذة ذوي الحاجات الإضافية، منها غرفة مصادر تربوية وصف خاص. كذلك أظهرت الحاجة في السنوات التالية أهمية خدمات أخرى مثل علاج النطق واللغة والعلاج الفيزيائي والعلاج الحسي الحركي وبرامج المهارات النمائية.
وقد عكس الازدياد السريع في عدد التلامذة الذين يحصلون على خدمات برنامج التربية المختصة ضرورة وجود مزيد من المصادر التربوية سواء أكانت يدوية أم مراجع تعليمية تم شراء بعضها من الولايات المتحدة الأميركية، وأخرى جمعت من مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت وإدارة المدرسة. أما الوسائل التعليمية اليدوية والألعاب التربوية والوسائل التعليمية، فقد تم شراؤها من المكتبات التربوية المتخصصة.
وتتحدث اسماعيل عن تفاعل المجتمع التعليمي مع التجربة فتقول: «عارض الكثير من المعلمين، وبعضهم رفض وقاوم فكرة قبول التلامذة ذوي الاحتياجات الإضافية في الصف، باعتبار أنّ وضع هؤلاء التلامذة جنباً إلى جنب مع تلامذة عاديين قد يؤثر في تصرفاتهم وسلوكهم. كذلك انتابت الأساتذة حيرة وتساؤل عن إمكان ضبط هذه المفارقة (التلامذة غير العاديين جنباً إلى جنب مع التلامذة العاديين)، وانعكاس ذلك على التعلم، إضافة إلى الأعباء الإضافية التي قد تثقل كواهلهم. أما من وافق من المعلمين فاشترط ألا يأخذ على عاتقه مسؤولية تعليم التلامذة ذوي الحاجات داخل الصف، لذا «طلبنا من معلمي الصفوف التي تضم التلامذة ذوي الاحتياجات الإضافية الالتحاق ببعض الجامعات التي تقدم، في جزء من برنامج شهادة التدريب خلال الخدمة، مقررات في التربية المختصة».
وبالنسبة إلى الأهالي فقد تجلت تحفظاتهم في نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى هي أنّ أولادهم سيختلطون بأطفال غير طبيعيين ويتعلمون أو يلتقطون تصرفات غير مرغوب فيها، والنقطة الثانية هي أنّه يمكن أن يتم نعتهم بأنهم أولاد «معاقون» لكونهم في صف يضم تلامذة ذوي احتياجات إضافية. لكن إقناع الأهالي لم يكن صعباً، تضيف اسماعيل، لأنهم في النهاية وجدوا أن لكل طفل من أطفالهم احتياجاته الخاصة أيضاً، وخصوصاً الموهوبين منهم.
ومن اللافت أن نعرف أنّ المجموعة الوحيدة التي تقبلت الأمور بشكل طبيعي وبسيط هي التلامذة أنفسهم، ومع أنّ هؤلاء لم يظهروا أي رفض أو كراهية نحو زملائهم ذوي الاحتياجات الإضافية في الصفوف، فإنّهم احتاجوا إلى تدخل مباشر لإقامة علاقات صداقة معهم، وقد برزت مشكلات التأقلم مع التلامذة الذين عانوا صعوبات في النطق أو في مهارات التعبير اللغوي لأنهم كانوا يتعرضون أحياناً لسخرية رفاقهم أثناء محاولتهم الكلام.
من هنا، استطاع التلامذة ذوو الاحتياجات البسيطة التقدم على مستوى متقارب مع رفاقهم. أما بالنسبة للتلامذة ذوي الحالات الحادة، فلم ينجح مشروع الدمج في تحقيق التقدم نفسه لديهم. وفي هذا الإطار، توضح اسماعيل «أنّ الجميع اعترف بمحاولة المدرسة الجادة لتعزيز ممارسات الدمج، وإن كانت لم تنجح بشكل كاف، إذ تعذر دمج الصم والبكم الذين تعذبوا كثيراً، فيما بقيت بعض معلمات الصفوف والمشرفات على الطوابق غير مقتنعات بأن لديهن مسؤولية أولية حيال تعليم التلامذة ذوي الحاجات الإضافية، وكن يعتمدن على المعلمات المختصات. ويعمل فريق التربية المختصة في الثانوية على تعزيز دور المعلمات في تخطيط وتطبيق النشاطات التعليمية للتلامذة ذوي الاحتياجات الإضافية. وتلفت اسماعيل إلى أنّ المعلمين الجدد يخضعون إلى الإعداد المسبق ويتم تحضير 25% من الهيئة التعليمية لصفوف الدمج.
أما اليوم فتضم ثانوية الكوثر 23 معلمة مساندة وثلاث معلمات متخصصات بعلاج النطق واثنتين بمعالجة «السايكو حركي»، فيما تحتضن 159 تلميذاً يعانون صعوبات تعلمية منهم 10 تلامذة يخضعون لتعديل واضح في البرنامج وتحديداً في اللغات، ومن هؤلاء هناك خمسة تلامذة متوحدين وواحد يعاني من تثلث الصبغية 21.
وفي غياب المراسيم والأطر لدمج ذوي الاحتياجات الإضافية في المدارس الرسمية، ترى اسماعيل أنّ تجربة ثانوية الكوثر وتأسيسها لبرنامج التربية المختصة يمكن أن تتيح معلومات ميدانية للمسؤولين عن تخطيط أطر العمل والتشريعات التي تتعلق بالتلامذة ذوي الاحتياجات الإضافية وتنظيمها.

يتعايشون مع مهاراتهم

يتعايش التلامذة ذوو الاحتياجات الإضافية في ثانوية الكوثر مع تأخرهم الأكاديمي ويتجاوزون مشاكلهم في المهارات الذهنية والبصرية والتحليل. ومع أنّ الأطفال يعون مدى قدراتهم، لكن لا يبدو أنّ الأمر يؤثر على ثقتهم بأنفسهم، إذ يلعبون مع أترابهم تارة، وينضمون إلى غرفة الدعم بفرح تارة أخرى. يقول عباس (10 سنوات): «أشعر بأنّ اللغة الإنكليزية صعبة، لذا تجلس المعلمة إلى جانبي وتساعدني على فهمها، ولا تعطيني صفحة كاملة لأحفظها كما رفاقي، وأنا سعيد جداً في الصف». أما أحمد (11 سنة) فيلفت إلى أنّه ليس لديه مشكلة في القراءة والكتابة، بل في الحفظ «باكل عسل حتى أتذكر، وكمان عندي مشكلة كبيرة بجدول الضرب عشان هيك بيعلموني إياهن شوي شوي وبيعطوني مسائل أسهل من رفقاتي». ويتحدث مصطفى (9سنوات) عن صعوبة في النطق والقدرة على الربط بين الصوت والحرف في القراءة والإملاء غير المحضرة: «الآنسة بتخفف لنا الأسئلة من شان نخلص على الوقت وأمرار بياخدونا على غرفة الدعم وهونيك كتير منستفيد».