طارق ترشيشي
مجرد أن يزور مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش بيروت، فذلك يعني إلغاءً للتفويض الأميركي الذي أعطي في القمة الرئاسية الأميركية ـــــ الفرنسية في السادس من الشهر الماضي لكي تبادر إلى معالجة الأزمة اللبنانية، مما يعني أن إعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عشية وصول ولش إلى بيروت أن جلسة الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم هي «فرصة أخيرة» أمام اللبنانيين لانتخاب رئيس لجمهوريتهم، هو بمثابة إعلان غير مباشر عن توقف المبادرة الفرنسية بدءاً من اليوم. إلا أن المبادرة الفرنسية انتهت بمجرد وصول ولش إلى بيروت، واندفاعه في تخطيها إلى حدود استعادة زمام المبادرة الأميركية والدخول مباشرة على خط أطراف الأزمة، محاولاً الضغط لإجراء انتخابات رئاسية وفق تعديل دستوري يمر عبر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة «ما دامت الموالاة والمعارضة قد توافقتا على قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية»، على حد ما طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أبلغ هذا المسؤول الأميركي رفضه إجراء أي تعديل دستوري يمر بحكومة السنيورة «غير الشرعية» ويفضي إلى الاعتراف بشرعيتها. وقد أعطت أوساط واكبت زيارة ولش لبيروت تفسيرين أو سببين أمليا هذه الزيارة على الإدارة الأميركية وهما:
الأول: أن المسؤول الأميركي زار بيروت لتغطية على صفقة إقليمية أنجزتها الإدارة الأميركية مع بعض القوى الإقليمية، وتحديداً مع سوريا وإيران، فعاد ولش إلى بيروت ليطمئن لفريق الموالاة بأن واشنطن «لا يمكن أن تجري أي صفقة على حساب حلفائها اللبنانيين»، فيما المعارضة ترى أن هذا الفريق بدأ يتفكك، مشيرة إلى أن التحوّل في مواقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط هو أبرز مؤشر على هذا التفكك. وفي هذا المجال، يرى قطب معارض أن حال ولش في هذا المجال كحال الزمخشري الذي قدّم ألف برهان على وجود الله، ولكن ذلك لم يمنع بعض نساء قومه من التعليق على براهينه بالقول: «لو لم يكن لديه ألف شك بوجود الله لما اجتهد ليقدّم ألف برهان على وجود الله».
الثاني: أن ولش زار لبنان ليعلن دفن كل المبادرات المحلية والإقليمية والدولية، ويعيد الوضع اللبناني إلى القبضة الأميركية، وبالتالي شدّ أزر فريق الموالاة ليتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي وفق خيارين: الأول دفع المعارضة إلى القبول بتعديل دستوري لانتخاب سليمان يمرّ عبر حكومة السنيورة. وإذا أصرّت المعارضة على رفض الاعتراف بشرعية حكومة السنيورة، يُلجأ إلى الخيار الثاني وهو انتخاب رئيس الجمهورية بنصاب النصف زائداً واحداً وربما بأقل من ذلك، فتبادر واشنطن وكل حلفائها الإقليميين والدوليين إلى الاعتراف بشرعية هذا الرئيس.
وقيل جنبلاط لم يؤيد دعوة ولش إلى انتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً، متخوّفاً من أن تؤدي خطوة من هذا النوع إلى تفجير نزاع غير محمود العواقب بين الموالاة والمعارضة، فيما هو يدعو إلى تسوية، وبدأ يحاور بري على هذا الأساس.
وفي هذا الصدد، تخوّفت بعض الأوساط من أن يكون تشديد البطريرك الماروني أمس على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية قبل البحث في سلّة حلول متكاملة، بمثابة تخلٍ عن موقفه الأساسي المتمسك بانتخاب رئيس الجمهورية على أساس نصاب الثلثين، وقبول بانتخاب على أساس النصف +1.
وفي ضوء ذلك، فإن المواقف والتطورات التي رافقت زيارة ولش وأعقبتها، دلّت على أن نتائج هذه الزيارة أعادت الوضع إلى ما كان عليه قبل المبادرة الفرنسية. ويقول قطب معارض إن ولش، الذي استبعد العماد ميشال عون من لقاءاته، لم يحقق أي نتائج لجهة إقناع المعارضة ممثلة بالرئيس بري بالسير بتعديل دستوري يمر عبر حكومة السنيورة، فكان كل ما فعله أنه «أقسم اليمين» مرات عدة للموالاة بأن واشنطن «ما أبرمت ولن تبرم صفقات على حسابها»، وذهب إلى باريس ليلتحق بوزيرته كوندوليزا رايس التي ستجتمع بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للبحث معه، بناءً على رغبتها، في الملف النووي الإيراني والوضعين العراقي واللبناني.
ويكشف القطب المعارض أن العقدة الأساسية التي تعوق إنجاز الاستحقاق الرئاسي ليست فقط التعديل الدستوري المطلوب لانتخاب العماد سليمان حسبما هو شائع، بل أيضاً تتمثّل بموقف مثلّث الأطراف تتخذه الموالاة بدعم بعض الأطراف العربية والخارجية وهو يتمثّل بالآتي:
أولاً: التمسك بشرعية حكومة الرئيس السنيورة وكل القرارات التي اتخذتها منذ استقالة الوزراء الشيعة والوزير الأرثوذكسي يعقوب الصراف، وأن يمر التعديل الدستوري من خلالها.
ثانياً: تولّي رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري رئاسة الحكومة الأولى في عهد الرئيس الجديد، أو بقاء الرئيس فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة إذا تعذّر وصول الحريري.
ثالثاً: لا ثلث «ضامناً» أو «معطّلاً» يعطى للمعارضة في الحكومة الجديدة سواء كان 19 + 11 أو 17 + 13 في حكومة ثلاثينية أو في أي حكومة أقل حجماً من ذلك. وفي ضوء ذلك، فإن التوافق على إنجاز الاستحقاق ما زال بعيد المنال، وهو سيستمر إذا لم تحصل مبادرات جادة تحقق الحل المطلوب لإخراج لبنان من دوامة الأزمة إلى آفاق الانفراج والحلول.